عكست الحملة الأخيرة ضد جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة في مصر قناعة حكومية بأن الخطوات الإصلاحية التي اتخذها التنظيم أخيراً مجرد "مناورات انتخابية" قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة، و"تكتيك" لخداع القوى المتربصة ب"الإخوان" سواء في الحكومة أو في بعض فصائل المعارضة السياسية الأخرى. وبدا أنه مهما قدم "الإخوان" من تنازلات سواء بإعلانهم مشاركة محدودة في الانتخابات المقبلة أو إقدامهم للمرة الأولى على ترشيح سيدة من "الاخوات" وقبطي على لوائحهم فإن الطريقة التي تتعاطى بها الدولة معهم ستظل واحدة فهي لن تقابل التنازلات بتنازلات، وحين أعلن "الإخوان" عزمهم ترشيح سيدة وقبطي في الانتخابات المقبلة طُرحت علامات استفهام في شأن الاسباب التي دفعت بالتنظيم إلى ذلك المسلك، بالمخالفة للأعراف بين "الإخوان" التي لم تجعل الجماعة منذ تأسيسها في العام 1928 تقدم على مثل ذلك التصرف. وعندما دب الخلاف بداية العام 1996 بين قادة "الإخوان" وعدد من كوادر الجماعة شرعوا في تأسيس حزب سياسي تحت لافتة "الوسط" كان من اللافت أن لائحة مؤسسي الحزب ضمت سيدات وأقباطاً ما كان أحد أسباب الصدام الذي كان تفجر لكون المؤسسين لم يحصلوا على ترخيص من قادتهم بالشروع في إجراءات التأسيس. وبدا التطور الأخير على صعيد "الإخوان" وكأنه تقليد لما أقدم عليه مؤسسو "الوسط" وكان وقتها مرفوضاً من "الإخوان" غير أن المراقبين لاحظوا اختلافاً. فاللافت أن إعلان "الإخوان" ترشيحهم السيدة جيهان عبداللطيف الحلفاوي والمحامي القبطي سمير منصور في دائرتين انتخابيتين في محافظة الاسكندرية لم يتم بطريق رسمي من خلال بيان يحمل توقيع "الجماعة" أو تصريح يدلي به المرشد العام السيد مصطفى مشهور، أو نائبه الناطق بلسان الجماعة المستشار مأمون الهضيبي، وانما أوكلت الجماعة الى قائدها في الاسكندرية المهندس علي عبدالفتاح تولي مهمة إعلان القرار. ويمكن رصد عدد من مواقف الجماعة في شأن الانتخابات تعكس تحولاً نحو برغماتية أراد التنظيم أن يتعامل بها في الفترة المقبلة تفادياً لصدام جديد من الوزن الثقيل مع الحكومة، يشبه ذلك الذي وقع بين الطرفين اثناء انتخابات العام 1995 حين صعد "الإخوان" من نشاطهم فردت الحكومة بالقبض على أكثر من 80 من رموزهم وأحالتهم على ثلاث دوائر قضائية عسكرية قضت بسجن 59 منهم لمدد تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات، ما تسبب في حرمانهم من خوض الانتخابات السابقة، وكذلك المقبلة بعدما طبقت الحكومة عليهم المادة الثانية من قانون مباشرة الحقوق السياسية التي تحظر على المحكومين في قضايا الجنايات مباشرة أي عمل سياسي. وقتها رد "الإخوان" بترشيح 150 آخرين من عناصرهم في تصرف اعتبر "تحدياً للحكومة" واستعراضاً للقوة، ويبدو أن "الإخوان" استوعبوا الدرس جيداً فالحكومة لم تتوقف عن توجيه ضربات إجهاضية متتالية لعناصر الجماعة بعدما افشلت مخططهم في الانتخابات، ثم قضت على وجودهم في النقابات المهنية التي كانوا يعتبرونها البديل المتاح للبرلمان، اذ تم فرض الحراسة على أهم قلاع "الإخوان" أي نقابتي المحامين والمهندسين. ومبكراً أعلن "الإخوان" قبل انتخابات 2000 أن مشاركتهم ستكون محدودة وأن عدد مرشحيهم لن يزيد على نصف من رشحوا في الانتخابات السابقة وهم قالوا صراحة إنهم "حريصون على عدم استفزاز الحكومة". ثم جاءت خطوة ترشيح سيدة وقبطي على لوائحهم لتزيد من الاعتقاد بأن الجماعة يمكن أن تتنازل عن بعض تقاليدها لتكون أكثر برغماتية من أي وقت سابق خصوصاً بعدما تسبب تجميد حزب العمل ووقف صحيفته في خسارة "الإخوان" مقرات كانوا يستخدمونها لعقد ندوات ومؤتمرات لمرشحيهم ونافذة إعلامية كانوا يطلون من خلالها على عناصرهم وقطاعات الرأي العام. يذكر ان السيدة الوحيدة التي أعلن "الإخوان" ترشيحها للانتخابات هي زوجة الدكتور ابراهيم الزعفراني الذي حوكم في العام 1995 أمام محكمة عسكرية وصدر في حقه حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وهو ينتمي إلى الجيل الثاني وفصيلة الاصلاحيين. وفي المقابل فإن وجهة نظر أخرى ترى أن الأمر لا يعدو كونه تكتيكاً ومناورة من جانب التنظيم وضعها مكتب الإرشاد وينفذها عناصر الجماعة في الاسكندرية، سعياً وراء تحقيق مساحة أوسع من القبول بين السلطة والجماهير لمصلحة التنظيم.