كشفت المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية اللبنانية التي شملت أمس محافظتي جبل لبنان والشمال، معركة فرز سياسي في عدد من دوائرهما، شهدت دائرتا عاليه - بعبدا والمتن الشمالي في الجبل، أبرز تجلياتها، خصوصاً بين السلطة ومعارضيها. أما في الشمال فإن دائرة طرابلس - زغرتا - الكورة - البترون، برزت كمسرح تنافس حاد بين رئيس الحكومة السابق عمر كرامي وحلفائه وبين لائحة الوزير سليمان فرنجية مع الوزير نجيب ميقاتي. وإذ تخللت الانتخابات حوادث قليلة، لكنها معبرة خصوصاً في ساحل المتن الشمالي الذي شهد اعتداء على مرافقي النائبين نسيب لحود وميشال سماحة، والتعرض لحليفهما رافي مادايان، فإن الصراع السياسي الذي طبع معركة جبل لبنان طغى بظهور قطبيه منذ ساعات النهار الأولى: رئيس الجمهورية اميل لحود ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. الرئيس لحود أثناء اقتراعه صباحاً في مسقط رأسه بعبدات، أعرب عن أمله بأن "يؤمن المجلس المقبل بدولة المؤسسات"، وقال: "بعد التحرير سنطبق خطاب القسم بحرفيته". وحض المواطنين على ألا يختاروا "من يطلق الخطابات لإخافة الناس بالرجوع الى الماضي"، معتبراً أن "لا عودة إليه ما دام هناك جيش وطني". ورد جنبلاط أثناء اقتراعه في الشوف على كلام لحود قائلاً: "هو يرجّعنا إلى الماضي فخامة الرئيس. ليبدأ بإلغاء غرفة الأوضاع وليبدأ بالتعاطي مع القيادات الفاعلة الحقيقية لنعقد صفقة وطنية تنهض بالبلد". هذا الاستقطاب، كان دفع دمشق الى التحذير من حصوله، واستمراره بعد الانتخابات، في اللقاءات التي عقدها الرئيس السوري بشار الأسد مع كبار المسؤولين والقادة اللبنانيين الذين استقبلهم خلال الأيام الثلاثة الماضية. أما مجريات عمليات الاقتراع، فسجّلت في الدوائر الست التي تتوزع على المحافظتين لاختيار 63 نائباً، الآتي: - في دائرة كسروان - جبيل كانت السمة الأساسية "التشطيب"، فيما تحدث مرشحون عن استخدام المال في فترة بعد الظهر قبل إقفال صناديق الاقتراع. وشهدت أقلام الاقتراع إقبالاً من الناخبين على رغم الدعوات الى المقاطعة، وساهمت في المشاركة في العملية الانتخابية مجموعة عوامل أبرزها كثرة المرشحين واللوائح المتنافسة، وعددها أربع بينها ثلاث مكتملة، ومشاركة حزبية مباشرة لارتباط بعض المرشحين تاريخياً بالكتلة الوطنية وحزبي "الكتائب" و"الوطنيين الأحرار". حرارة التنافس على الفوز بأصوات الناخبين في هذه الدائرة، ولّدت ظاهرة اللوائح "الملغومة" وإشاعات عن انسحاب مرشحين. - في المتن الشمالي، لم تغب عن ساحله الاحتقانات بين لائحة التضامن المتني التي يتزعمها نائب رئيس الحكومة وزير الداخلية ميشال المر، واللائحة التي يتصدرها نسيب لحود. وتبادل المتنافسان الأرمنيان على كل منهما، سيبوه هوفنانيان طاشناق ورافي مادايان الاتهامات بالتسبب في الاضطرابات التي تسببت في سقوط جرحى. وتعرض موكبا لحود وحليفه ميشال سماحة لاعتداء، فاتهم الأخير الطاشناق. أما أعالي المتن الشمالي فلم تشهد الاحتقانات التي كان يمكن أن يتسبب فيها الاحتقان السياسي الذي سبق الاقتراع. ودارت تساؤلات عما إذا كان سيملأ المقعد الأرثوذكسي الذي تركه المر شاغراً في لائحته، المرشح المعارض البير مخيبر، فيما اعلن نسيب لحود التصويت لمصلحة بيار أمين الجميل المرشح للمقعد الماروني الذي كان تركه شاغراً... - عاليه بعبدا، شهدت الدائرة أوسع مواجهة انتخابية بين تحالفين مثلا أكبر عدد من القوى السياسية والعائلية والحزبية داخل طوائفها ومناطقها. وشهدت مفارقات، منها التعاون بين "حزب الله" والوزير السابق النائب الياس حبيقة وارتفاع ملحوظ في نسبة الاقتراع الدرزية حوالى 55 في المئة ونسبة أقل في الأصوات الشيعية، وحوالى 30 في المئة في الساحل المسيحي. ودارت معركة "طاحنة" في هذه الدائرة، كان للماكينات في اللائحتين الأولى يدعمها جنبلاط والثانية يرأسها طلال ارسلان دور أساسي فيها، إضافة الى نسبة كثافة الاقتراع بين جبل وساحل. - الشوف، شهد كثافة اقتراع وتشطيباً في القرى المختلطة، كما ظهرت حماسة في دير القمر بين لائحة جنبلاط ولائحة ناجي البستاني ودعم دوري شمعون لائحة الأول، فيما لفت النظر نشاط مؤيدي النائب الموالي زاهر الخطيب في اقليم الخروب في ظل بروز أرجحية للائحة جنبلاط. - في الدائرة الأولى في الشمال غلب الهدوء على المعركة بين أربع لوائح، واحدة منها فقط مكتملة وانحصرت المنافسة بين لائحة ائتلافية يتصدرها عصام فارس وأخرى تضم جبران طوق ورياض الصراف وفوزي حبيش. وفي بشري حيث اتخذت المعركة طابع التنافس العائلي لوحظت مقاطعة قسم كبير من "القوات اللبنانية" المحظورة. - دائرة الشمال الثانية، شهدت معركة حادة بين لائحتي كرامي وفرنجية، إلا أن الإقبال في طرابلس لم يكن بمقدار الحملات السياسية الانتخابية التي تبادلها المتخاصمون، علماً أن لائحة كرامي استفادت من وقوع خصومه في فخ التشطيب على رغم انتشارهم الكثيف. وأعلن المر في وزارة الداخلية مساء أمس أن "الانتخابات تمت في جو محايد وديموقراطي، والسلطة لم تتدخل بل كانت تتجنب مشكلات كان يفتعلها فريق آخر، كي لا يقال إنها تفرض نفوذها". واعتبر أن "العملية كانت ناجحة أمنياً، باستثناء بعض الحوادث"، ورأى أن الترتيبات الإدارية كانت "مثالية". وأوضح ان نسب الاقتراع الأولية كانت كالآتي: بعبدا 49 في المئة، عاليه 55 في المئة، الشوف 64 في المئة، المتن الشمالي 45 في المئة، كسروان 66 في المئة وجبيل 59 في المئة، مما يعني أن النسبة في جبل لبنان تناهز 56- 57 في المئة. وارتفاع النسبة في الشوف وكسروان وجبيل هي الأعلى في تاريخ الانتخابات في لبنان. أما في الشمال فكانت النسب: طرابلس 41 في المئة، عكار 49 في المئة، زغرتا 41 في المئة، البترون 50 في المئة، الكورة 45 في المئة، بشري 29 في المئة، الضنية 52 في المئة، المنية 57 في المئة، ويكون معدل الاقتراع 46 في المئة. وحمّل المر مسؤولية الإشكالات التي حصلت في برج حمود لأعضاء اللائحة المنافسة له، متهماً إياهم ب"تعمد القيام باستفزازات ضد مندوبينا الذين طلبنا منهم تفويت الفرصة عليهم". واتهم أحد المرشحين بإشهار مسدسه مسمياً رافي مادايان "مما دفع الأجهزة المختصة الى التدخل لمعالجة الموضوع، على أن يبت القضاء الحادث ولا حصانة لأحد". وختم بأن النتائج الرسمية للانتخابات تعلن اليوم.