خاض اللبنانيون أمس يوم امتحان كبير بأقل نسبة من الأضرار وبأعلى نسبة من الاقتراع في عدد من الدوائر لا سيما المسيحية والسنّية، في أول تجربة لإجراء الانتخابات في يوم واحد، وفي إحدى أهم المعارك الانتخابية التي شهدها لبنان في تاريخه الحديث. وقال سياسي رفيع قريب من «حزب الله» وحلفائه ان التحالف المؤيد لسورية خسر الانتخابات البرلمانية أمام التحالف المدعوم من الولاياتالمتحدة (رويترز)، وقال: «خسرنا الانتخابات ونحن نقبل بالنتيجة بوصفها إرادة الشعب». واتجهت نتائج الفرز غير النهائية في عدد من الدوائر الى ترجيح فوز رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في صيدا مع الوزيرة بهية الحريري وسقوط النائب أسامة سعد، وسقوط وزير الاتصالات جبران باسيل أحد رموز المعارضة في دائرة البترون، مع مرشح «التيار الوطني الحر» فايق يونس، ونجاح النائبين بطرس حرب وأنطوان زهرا. وفيما أظهرت نتائج الفرز في دائرة زغرتا اتجاه لائحة الوزير السابق سليمان فرنجية الى الفوز بكاملها مع النائب السابق اسطفان الدويهي والمرشح سليم كرم، رجحت نتائج الماكينات الانتخابية تقدم لوائح 14 آذار في كل من دائرة بيروت الأولى (5 نواب) وفي الكورة (3 نواب) وزحلة (7 نواب) حيث بقي الفارق في الأصوات بعد فرز أكثر الصناديق كبيراً مع ما يعنيه ذلك من سقوط للوزير الياس سكاف أحد أركان المعارضة. وبقي فرز الصناديق في كل من دائرتين أخريين مهمتين وكبيرتين في جبل لبنان هما المتن الشمالي (7 مقاعد) وبعبدا (6 مقاعد) يتأرجح، نظراً الى أن الفرز لم يتعد نصف صناديق الاقتراع حتى وقت متقدم ليل امس، مع ترجيح «التيار الوطني الحر» تقدمه في كل منهما. ورجحت الماكينة الانتخابية للتيار فوزه بمقاعد دائرة جبيل الثلاثة، واحتفاظه بالمقاعد الخمسة في دائرة كسروان، من دون الجزم النهائي بذلك في انتظار اكتمال فرز كل الصناديق. كما رجحت عمليات الفرز فوز لائحة عون كاملة في جزين. وتقود النتائج الأولية الى الاستنتاج بأن قوى 14 آذار ستحتفظ بالأكثرية في البرلمان الحالي. وأفادت إحصاءات وزارة الداخلية قبيل منتصف الليل أن نسبة الاقتراع في كل لبنان بلغت 54.8 في المئة. ووصل فرق الأصوات في بعض المناطق ذات السيطرة التقليدية الصافية لقوى سياسية مثل عكار وطرابلس والضنية – المنية ودائرة بيروت الثالثة فضلاً عن بيروت الثانية، حيث الكفة راجحة لتيار «المستقبل» وحلفائه، وبشري حيث الأرجحية ل «القوات اللبنانية»، والجنوب وبعلبك – الهرمل حيث بدا أن لا معركة في ظل الأرجحية لتحالف «حزب الله» وحركة «أمل»، الى بضعة آلاف. وما أن أقفلت صناديق الاقتراع، وبدأت عملية فرز الأصوات حتى شهدت مناطق مختلفة أحداثاً أمنية متنقلة. فهاجم عناصر من «حزب الله» و «حركة أمل» المنزل العائلي للنائب باسم السبع في برج البراجنة، وشتموا من في داخله ورشقوا المنزل بالحجارة وقنان زجاجية وتدخل الجيش وقطع الطريق المؤدية الى المنزل بالاتجاهين. ثم عاد العناصر بعد انتشار الجيش فرشقوا المنزل من خلف حواجز الجيش. وذكرت معلومات عن إطلاق نار قرب منزل المرشح صلاح الحركة. وسير الجيش اللبناني دوريات مؤللة وسط انتشار كثيف لعناصره في ساحة ساسين في الأشرفية بعد إشكال وقع في المنطقة على خلفية مظاهر حزبية تطور في ما بعد بحيث أوقف الجيش عدداً من مناصري «القوات» اللبنانية». وكان شبان يستقلون دراجات نارية خرجوا من محلة الشياح وقصدوا محلة عين الرمانة، رافعين رايات ل «حزب الله» وجابوا الشوارع وهم يطلقون الهتافات، فاصطدموا مع شبان من عين رمانة ما أدى الى وقوع جرحى وسارع الجيش الى تطويق المكان. وكان حصل إشكال تخلله تضارب بالأيدي بين عناصر من «حزب الله» من جهة ومناصرين ل «تيار المستقبل» من جهة أخرى في دوحة عرمون (ساحة التمثال)، وطوقت وحدة من الجيش المكان. وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» (الرسمية) أن إشكالاً وقع بين عناصر حزبية في منطقة الحدث، وعالج الجيش الوضع وأوقف خمسة أشخاص كانت في حوزتهم آلات حادة. وكان «مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية» (سكايز) سجل، نقلاً عن مراقبيه اعتداء على فريق «المؤسسة اللبنانية للإرسال» في محلة البسطة، قبل أن يتدخل عناصر من الجيش لتأمين مغادرة الفريق الصحافي تحت حماية أمنية. وذُكر أن المصور التلفزيوني تعرض لكدمات وتعرضت كاميرته لأضرار. وفي مرجعيون، ذكرت محطة «المستقبل» أن عناصر من «حزب الله» حاصروا منزل المرشح أحمد الأسعد. ورفض رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط حصول استفزازات ومواكب سيارة في الشوف. وقال في مداخلة مع «أل بي سي» مساء أمس «في الأساس لم تكن هناك معركة في الشوف. كان هناك تصويت سياسي. لا يجب حصول تحديات ومواكب حزبية ل «التقدمي» ومواكب ذات طابع طائفي، والمهم ألا نطوف لأنه في الأصل لم يكن هناك معركة. وفي منطقة عاليه، أياً كانت النتيجة، لا بد من احترام الرأي الآخر، لأنه كلما صدرت نتائج إضافية كلما زاد التوتر». قال جنبلاط: «إذا انتصرت 14 آذار يجب ألا نعزل الآخرين. إيانا ان نرتكب خطأ العزل كما ارتكب في الحرب الأهلية». وأضاف جنبلاط: «الثلث المعطل أساساً بدعة غير موجودة في الدستور، ارتكبت غلطة عندما قلت ان الثلث المعطل يعطى لرئيس الجمهورية، وهذه بدعة إضافية. فلنعتمد أصول الطائف، التصويت، وفي شكل مشترك مع ممثلي الطوائف الأخرى نجد كيف نعطي رئيس الجمهورية الحد الأدنى من الصلاحيات من دون المساس بالموازين الأساسية للطائف، برأيي يستحيل على رئيس الجمهورية ان يكون رئيساً من دون ان يستطيع ان يقيل من قرار ذاته، وبقراره وزيراً على الأقل». واعتبر جنبلاط ان قيام حكومة وحدة وطنية ضرورة إذا فازت 14 آذار. وفي حال سقوطنا علي أن أتشاور مع حلفائي. واعتبر رئيس الهيئة التنفيذية ل «القوات اللبنانية» سمير جعجع ما حصل امس بأنه «انتصار للبنان واللبنانيين لجهة اجراء الانتخابات في يوم واحد». وأكد «التعامل مع النتائج بكثير من الاستيعاب». وعن مسألة الانسحاب الذي حصل في جبيل والحملة على رئيس الجمهورية، سأل جعجع: «ألا يستطيع رئيس حزب في البلد ان يناقش رئيس الجمهورية حول دائرة انتخابية ما؟». وأكد جعجع «ان الحملة الانتخابية التي جرت خلال الشهرين الماضيين انتهت، ونريد ان نرجع الى الكلام الهادئ والناعم والكلام المنطقي، لأن الكلام الماضي كان منطقاً معيناً لظرف معين، منطق التعبئة، لكن غداً يوم آخر وسنتعاطى معه بكثير من التفهم وسنترجم ذلك من خلال نقاشات داخل 14 آذار». اما رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية فاستبق إعلان النتائج النهائية بإعلان فوزه بالانتخابات «بحسب الجو العام» لكنه أكد أن «المعركة كانت صعبة»، ورأى «ان الشعب قال كلمته ونحترمها. ونتمنى على الطرف الآخر احترام النتائج كما نحن نحترمها». ورأى «أن أحداً لم يكن يتوقع هذا الجو، كان هناك كم من المغتربين شاركوا في الانتخابات ولم يكونوا ضمن الاستطلاعات التي أُجريت على الأرض، ولكن النتائج متقاربة». وأضاف: «سمعت الدكتور جعجع وأحترم رأيه وأحب ان اقول ان الشعب قال كلمته، قال ان الأرقام متقاربة وبالتالي علينا ان نتفاهم ونتعاون». وفي صيدا خاطبت الوزيرة بهية الحريري مناصريها بالقول إن «صيدا حرة تقرر ما تشاء وتحاسب من يخطئ في حقها ونحن لا نريد أن تأتوا على ذكر أحد بسوء ولا يوجد انتصار ولا هزيمة بل نجاح للمدينة». وقال السنيورة: «هذا الفوز برسم أبناء صيدا جميعاً وروح الشهيد رفيق الحريري وبرسم الشيخ سعد الحريري وفي صيدا لا أحد يكون خارج إطار صيدا. وقد انتهى الجهاد الأصغر وبدأ الجهاد الأكبر». واستقطبت الانتخابات النيابية اهتماماً خارجياً استثنائياً واستنفاراً شعبياً كبيراً ودعاية إعلامية ضخمة، باعتبارها جسدت منازلة سياسية غير مسبوقة هي أيضاً، طرفاها فريقا 14 آذار بالتحالف مع المستقلين، و8 آذار بالتحالف مع «التيار الوطني الحر» الذي يتزعمه العماد ميشال عون. واجتاز لبنان الساعات ال12 المخصصة للاقتراع بمزيج من الأعصاب المشدودة والحذر الذي رافقه أداء أمني مضبوط وناجح على رغم حصول بعض الحوادث المتفرقة التي بقيت محدودة ومحصورة بعد استخدام جميع الفرقاء كل أنواع التعبئة التي استنفرت في مناطق عدة العصبيات على مدى الأسابيع الماضية. وتسببت كثافة المشاركة في الاقتراع التي رفعها مجيء عدد كبير من المغتربين في كل المناطق ومن الطوائف كافة في كشف إحدى ثغرات العملية الانتخابية، إذ تسببت بزحمة على أقلام الاقتراع، واضطرار الناخبين الى الانتظار لإنزال الورقة في الصندوقة، أكثر من ساعتين أحياناً، ما دفع عدداً منهم، خصوصاً كبار السن، الى مغادرة مراكز الاقتراع. وأفادت التقارير الإعلامية أن مسنّين توفيا بعد توجههما الى مراكز الاقتراع في دائرة الأشرفية ودائرة المتن الشمالي، نتيجة سكتة قلبية. كما أدى هذا الى بقاء بعض الناخبين الذين كانوا في طوابير الانتظار عند حلول توقيت إقفال الصناديق، داخل مراكز الاقتراع لممارسة حقهم، وبالتالي استمر التصويت الى ما بعد السابعة مساء. وأكد رئيس الجمهورية ميشال سليمان بعد أن اقترع في مسقطه في دائرة جبيل أن الديموقراطية «نعمة يجب أن نحافظ عليها». ونفى اتهامه بأنه غير حيادي ويؤيد مرشحين فقال: «كيف علموا انني أؤيد مرشحين ضد آخرين؟». ورداً على سؤال عما إذا كان تشكيل الحكومة المقبلة سيتعطل قال: «لا يتعطل». وفيما أجرى الرئيس السنيورة، اتصالاً بالرئيس سليمان وبالمعنيين للتهنئة «بنجاح الإنجاز الوطني والتاريخي لإجراء الانتخابات، استقبل سليمان وزير النقل الأميركي اللبناني الأصل راي لحود الذي قال إن الرئيس باراك أوباما حضه على مواكبة الاستحقاق النيابي اللبناني. وإذ امتدح لحود أداء الرئيس سليمان، شكره الأخير على الإطراء، وأوضح أن «القاعدة الدستورية التي تحكم العلاقة بين اللبنانيين هي قاعدة ميثاقية وعلى هذا الأساس لا يمكن استبعاد أي طائفة أو نسيج طائفي في لبنان»، مشيراً الى سعيه في المستقبل مع القوى السياسية «لإقرار قانون جديد للانتخابات يعتمد على النظام النسبي الذي يشكل حلاً دستورياً لهذه المسألة». ونوّه سليمان بالعلاقات اللبنانية – الأميركية «الممتازة»، مكرراً شكره للمساعدات التي تقدمها أميركا، خصوصاً الى الجيش اللبناني، ومشيداً بالصداقة القائمة بين الشعبين اللبناني والأميركي. وحمّل سليمان الوزير لحود تحياته الى الرئيس أوباما «وتهنئته على خطابه الأخير الذي وصفه بالعقلاني ويؤسس لمرحلة جديدة في الشرق الأوسط تقوم على الحوار».