يقول السيناتور السابق جيمس ابو رزق، وهو اول سيناتور من اصل عربي، "انك لا تنتخب سياسياً في الولاياتالمتحدة لعدم صهيونيته والاّ لن تنتخب، لأن كل السياسيين في هذه البلاد يتحولون الى صهاينة وهم يسعون للفوز في الانتخابات". وقد يشارك معظم الاميركيين من اصل عربي ابور رزق هذا الشعور بالنسبة لمصادرة المنظمات اليهودية لمواقف القادة الاميركيين في ما يتعلق بالشؤون التي لا تدور حول الصراع العربي - الاسرائيلي فحسب، بل تتعداها لتشمل السياسات الاميركية على مستوى العالمين العربي والاسلامي. وكثيراً ما يتهم الغربيون وتحديداً الاميركيون العرب بعشقهم للنظريات الخبيثة والتآمرية، الاّ ان امكان وصول يهودي الى منصب نائب الرئيس في الانتخابات الاميركية القادمة جعل كثيراً من الاميركيين يرددون بالخفاء شعارات سياسية ملّ العرب من سماعها وتكرارها. الاميركيون من اصل عربي اتجاهات متعددة ومختلفة تتوزع على الاثير السياسي الاميركي، فمنهم من هو ديموقراطي الى اقصى اليسار ومنهم من ينادي بالقيم الاميركية المحافظة وينشط في صفوف الحزب الجمهوري. ويتوزع هؤلاء على عدد كبير من الولايات الاميركية ويختلف تأثيرهم الانتخابي بحسب الولاية المتواجدين فيها او حجمهم السكاني ومستواهم المعيشي. وإذا حاول البعض في الانتخابات الرئاسية التصويت خارج الاطار الحزبي فهو يسعى عادةً لتحديد المرشح الاقل تأييدا لاسرائيل ليمنحه صوته وربما دعمه المادي. لذلك على عكس الاقليات العرقية الاخرى لم يُعرف عن العرب الاميركيين انهم مؤيدون تقليديون لحزب ما. قد يكون هناك عطف ما تجاه الرئيس السابق جورج بوش لوقوفه بوجه اللوبي الصهيوني في الكونغرس مما اورث ابنه جورج دبليو بوش المرشح الجمهوري بعض التأييد، لكن هذا التأييد سرعان ما تبدد واعاد الحيرة الى الخيار الانتخابي العربي بسبب مواقفه المتملقة لاسرائيل ووعده ببدء العمل لنقل سفارة الولاياتالمتحدة من تل ابيب الى القدس في حال تم انتخابه، وإحاطة نفسه بفريق من المستشارين المعروفين بصهيونيتهم وتأييدهم المطلق لاسرائيل. ولكن هل تكون يهودية جوزف ليبرمان سبباً حاسماً يجعل العرب يتجهون نحو المرشح الجمهوري، أم انهم سيسعون الى سلوك طريق اكثر براغماتية من اجل انتزاع عدد من المطالب ترتبط بوجودهم في الولاياتالمتحدة؟ لقد جاء اختيار ليبرمان ليكون المرشح الديموقراطي لمنصب نائب الرئيس ليطرح سؤالاً اساسياً على العرب الاميركيين، وهو امكان فصل اهوائهم السياسية في ما يتعلق بالصراع العربي - الاسرائيلي عن همومهم وقضاياهم كمواطنين اميركيين لهم مشاكلهم الحياتية ومصالحهم المستقلة. السيناتور ابو رزق لا يعترف بإمكان وجود مؤيد للعرب على مستوى القيادة السياسية حين يتعلق الامر بإسرائيل، ويقول ان الفرق هذه المرة ان "ليبرمان صهيوني حقيقي". لكن هذا لن يحول دون مشاركة ابو رزق الديموقراطي الى جانب حزبه هذه المرة لانه "اقرب الى القضايا التي يطرحها غور". وعن امكانية استفادة العرب الاميركيين من وصول شخص من الاقليات الى هذا المنصب الرفيع، وما يسوّق له من انه قد يؤدي الى "كسر الحواجز النفسية" وازالة العنصرية في الولاياتالمتحدة "وجرائم الكره"، يقول ابو رزق ان "العرب لا يكرههم أحد في الولاياتالمتحدة وهم لا يتعرضون لذلك الاّ من اليهود، ولكن اليهود لديهم هذه المشكلة في بعض مناطق الجنوب". وعن الترابط بين الموقف السياسي العربي في الولاياتالمتحدة والصراع العربي - الاسرائيلي يقول ايلي عبود، رئيس المنظمة الوطنية لرجال الاعمال العرب الاميركيين NABA، انه "لا يمكن الفصل بين الاثنين لان مشاكل العرب في اميركا من خلال الصور النمطية التي تصور العرب بانهم ارهابيون، وما يتعرضون له من انتهاكات تحت هذا التصور، هو نتاج الجهود الاسرائيلية والصهيونية في هذا البلد". ويضيف: "مع ذلك، فاننا لا تستطيع ان نعترض على ديانة ليبرمان لكننا نقيّم مواقفه السياسية التي هي أساساً نابعة من انتمائه الديني". وفي هذا السياق يذكر عبود، وهو من مؤيدي الحزب الجمهوري، مواقف ليبرمان من القدس وتأييده المطلق لجعلها "العاصمة الابدية للدولة الاسرائيلية" ويعتقد ان ذلك سيكون له التأثير الاكبر على موقف الناخب العربي - الاميركي. ويعتقد عبود ان انتخاب غور وليبرمان سيحرم الولاياتالمتحدة من قدرتها على لعب دور الوسيط في المستقبل في عملية السلام. في المقابل، توجد بعض الاصوات التي تدعو الى التعاطي مع موضوع ليبرمان باسلوب براغماتي من اجل تعزيز مواقع العرب الاميركيين ونفوذهم. ويقول الناشط في الدفاع عن القضايا العربية في الولاياتالمتحدة رئيس المؤسسة العربية الاميركية جيمس زغبي انه "يوجد هناك هواجس وأسباب تدعو للقلق بالنسبة لمستقبل المشاركة العربية في الحياة السياسية" بسبب امكانية وصول يهودي الى هذا المنصب. وهو يرى ان هذا يتطلب "مبادرة من قبل غور وليبرمان لتطمين العرب" قبل ان يحدد العرب اتجاههم الانتخابي. ويذكر زغبي كيف وقف ليبرمان في مجلس الشيوخ وتبنى مشروعاً يحظر على اعضاء الكونغرس الاساءة بخطبهم الى الاسلام ورفض تليين لهجة القرار. ويعطي زغبي حادثة اخرى وقف فيها ليبرمان الى جانب العرب الاميركيين حين طلب منه زغبي التدخل لوقف محاولات استبعاد اميركيين من اصل عربي في التوظيفات في مطلع ولاية الرئيس كلينتون. وبالاضافة الى مواقف المرشحين من الصراع العربي - الاسرائيلي، فإن للجالية الأميركية العربية على تنوعها اهتمامات اخرى. فالاميركيون العراقيو الاصل يهتمون بمواقف المرشحين من الحصار وصدام حسين، اما اللبنانيون فيريدون معرفة مدى استعداد أي من الحزبين للعمل من اجل استعادة لبنان سيادته الكاملة. وهنا تدخل التعقيدات والمواقف المختلفة، فبعض اعضاء الجالية العراقية المعارضة الموجودين بكثافة في ولاية ميشيغن المهمة يؤيد مواقف ليبرمان بالنسبة للمعارضة العراقية وتشدده تجاه النظام العراقي، خصوصاً انه هو الذي تقدم بمشروع "قانون تحرير العراق". وفي الوقت نفسه، يعتقد البعض الآخر بضرورة رفع الحصار ووقف معاناة الشعب العراقي وقد لا يجد هؤلاء أي مرشح يدعمونه. أما بالنسبة للبنانيين المتواجدين في صفوف الحزبين الجمهوري والديموقراطي، فإن الوضع يتعلق ب"حرارة" و"تعاطف" المرشحين تجاه لبنان الذي انجب عدداً من السياسيين امثال ابورزق والسيناتور السابق ميتشل، الذي طرح اسمه كبديل محتمل لليبرمان، بالاضافة الى عدد من اعضاء الكونغرس الحاليين مثل السيناتور سبنسر ابراهام والنائب راي لحود. وهناك ايضا وزيرة الصحة دونا شلالا. ويقول رئيس المعهد الاميركي اللبناني دانيال ناصيف، الناشط من اجل "تحرير لبنان"، ان ما يهم اللبنانيين هو مواقف ليبرمان وليس ديانته. ويضيف "كان ليبرمان خلال السنوات العشر الماضية قوياً في دعمه للبنان من خلال رسائل عدة شدد فيها على استقلال لبنان وسيادته". ويتابع ناصيف: "لقد فتح ليبرمان ومساعدوه ابواب مكاتبهم للبنانيين والعرب الآخرين، وتميز ليبرمان بانفتاحه وموضوعيته تجاه القضايا التي تتعلق بلبنان. لذلك ادعو اللبنانيين الاميركيين لغض النظر عن دين ليبرمان والتصويت للمرشح الذي سيقدم الدعم الاكثر لتحرير لبنان من الاحتلال". وتكمن أهمية الصوت العربي الاميركي من خلال وجود العرب بكتل مؤثرة في ولايات ميشيغن وايلينوي واوهايو وكاليفورنيا التي يعتبر الفوز فيها مهماً في الانتخابات القادمة. كما توجد تجمعات عربية في ولايات يتعدى نفوذها حجمها، مثل مساتشوسيتس وداكوتا الشمالية والجنوبية وايوا ونيو هامشير وكونيكيتكت، بالاضافة الى فيرجينيا التي تصاعد النفوذ العربي فيها خلال السنوات العشر الاخيرة. هذا السرد لمواقف واتجاهات جملة من الآراء العربية يعطي فكرة عن الحياة السياسية للعرب الاميركيين، وهي أبعد ما تكون عن الوحدة والتصور المشترك. ولكن بعيداً عن الطروحات السياسية والتناقضات العربية يبقى السؤال الكبير هو: كيف سيتصرف المهاجر العربي حين يدلي بصوته، في انتخابات حرة لا يتمتع بها اخوه العربي في الوطن الأم، لصالح يهودي؟