استضافت "الورشة الإبداعية" في القاهرة أخيراً الشاعر المصري حلمي سالم في حوار مفتوح مع عدد من النقاد والشعراء والكُتاب القى خلاله مقاطع شعرية من ديوانه الأخير "الواحد الواحدة" الصادر عام 1997 عن الهيئة العامة لقصور الثقافة وقصائد من ديوان قيد الطبع عنوانه "يوجد هنا عُميان". شارك، في الحوار، في شكل اساسي، النقاد فتحي ابو العينين، محمد حسنين وصلاح السروي. وتناولوا ديوان حلمي سالم الاخير خصوصاً وعالمه الجمالي عموماً، ضمن خلفية أشمل أطلق عليها اسم "شعراء السبعينات" في مصر. قدمت الندوة الكاتبة والصحافية عبلة الرويني، قائلة "إن مناقشة هذا الديوان بعد ثلاث سنوات من صدوره تعكس وجود خلل ما في حياتنا الثقافية". ونوّهت بمكانة حلمي سالم الابداعية "المتميزة"، ف"تجربته متسعة، وقد تتسع المناقشة لأبعد من ديوانه الاخير". وأشارت الى مسيرته الجمالية والمعرفية من خلال الإحالة الى اسماء دواوينه الشعرية وكتبه التي اصدرها خلال "الثلاثين سنة الماضية" والتي بلغت "ستة عشر ديواناً وكتاباً". في مداخلته، تساءل فتحي أبو العينين، قائلاً "إن شعراء السبعينات الذين ينتمي اليهم حلمي سالم، وفدوا الى الساحة الثقافية والساحة الشعرية وهم يحملون، كما عكست مجلتهم "إضاءة 77" ما أسمّيه "عقيدة شعرية معينة" تميز نفسها عن التراث الشعري الحديث في مصر والعالم العربي. والآن، وبعد مرور ما يقرب من ربع القرن، على تجربتهم التنظيرية والجمالية نسأل: الى أين وصلت رهاناتهم؟ هل حقق ابناء هذا الجيل من شعراء السبعينات ما راهنوا عليه من وضع بصمة جديدة يمكن أن يتحدث عنها في المستقبل النقاد والباحثون؟ الى أي مدى نجحت التجرية الشعرية لشعراء السبعينات في التغلغل في الحياة الثقافية والحياة الفنية، وإلى أي مدى كانت قادرة على أن تجد لها قراء يتابعونها، ويستمتعون بها، ويتذوقونها، وما هو الدليل على ذلك؟". في محاولة لتقديم اجابة ما، وضع محمد حسنين تجربة حلمي سالم و"شعراء السبعينات" الآخرين داخل إطار رؤية نقدية مقارنة، قائلاً: "اذا كانت النقلة التي احدثها صلاح عبد الصبور ورفاقة في القصيدة، هي في المستوى الاول، نقلة موسيقية ايقاعية، تنتقل من وحدة البيت الى وحدة التفعيلة، وهي على "استحياء" نقلة نوعية تتمثل في الانتقال من غنائية التعبير الى "الميل" نحو الدرامية دون الوصول الى مفهوم "البوليفونيك" او تعدد الاصوات الذي نفهمه الان، اذا كان الأمر كذلك، فإن النقلة الحقيقية التي احدثها حلمي سالم ورفاقه، تتمثل في نظري، في تحول بلاغي مجازي". ويوضح حسنين ذلك بقوله "كانت العلاقة ما بين المشبه والمشبه به في القصيدة الكلاسيكية "العمودية" وحتى في قصائد عبد الصبور وحجازي، علاقة منطقية، حتى لا تفلت الصورة من القارئ ولا يستطيع فهمها". ويقول حسنين: "وهنا نقف مع النقطة الجوهرية، وهي أن العلاقة المجازية ما بين المشبه والمشبه به اصبحت بداية من جيل السبعينات، علاقة فلسفية عميقة، تستعصي على الفهم، او الادراك المباشر، إذ يجب تناولها تناولاً خاصاً جداً، تناولاً تأويلياً يحاول فك هذه المغاليق الفلسفية القابلة لتعدد الدلالة، الأمر الذي يحتاج الى مجهود من القاريء، فهو نص مملوء بالفجوات والفضاءات والأمور الفلسفية التي يعتمد عليها ترتيب الصورة في بنيته". أما صلاح السروي فانصبت مساهمته الاساسية على ديوان "الواحد الواحدة" فأشار الى سيادة النزعة "الايروتيكية" داخل الديوان، قائلاً: "إن هذا الديوان ديوان صادم لذوي الاخلاقيات المحنطة، فهو يلج بعنف شديد الى المناطق التي تجرح مشاعرالبعض عند القراءة الساذجة أو المتسرعة من حيث انها تتّبع "بورنوغرافي" لعلاقة جنسية أو ما أشبه". ويحلل السروي دلالة العنوان، موضحاً "حذف حرف الجر "في" من بنية العنوان، ما يعطي صياغته الماثلة، لدى القراءة الثانية، مسحة "روحية" بالمعنى الصوفي للكلمة". وقال: "إن حلمي سالم يمزج في الديوان كعادته بين اللغتين المعجمية واليومية، ما يخلق تلك الدهشة. فلغته تهبط من ما هو كوني الى ما هو يومي بالجدية نفسها، والصرامة اللفظية نفسها، بل وبصورة فجائية". ويرى صلاح السروي "أن حلمي سالم يطرح في ديوانه ما أسمّيه ب"الصورة المؤوّلة" مؤكدة حديث حسنين السابق: "تلك الصورة التي تحتاج الى قارئ يعمل خياله لكي يحقق مرماها الجمالي الحق، تلك الصورة التي تهيب بقارئها ان يتماهى مع صفتها الخيالية كي يصل معها الى معنى يمكنه أن يحرك جوانحه على نحو ما". في ختام الأمسية، أبدى حلمي سالم تراجعاً عن بعض آرائه القديمة، مشيراً الى التحولات "التي حدثت لي خلال السنوات الماضية". وقال: "تغيرت مواقفي من بعض الكتابات الشعرية الموجودة، واكتسبت موهبة أو نعمة ادراك الجمال المختلف عند الآخرين، فالجمال متعدد الوجوه، ولا يمكن تقييمه على مثال واحد، ومن العدل أن "تستطعم" الجمال الذي قد لا يتوافق مع صدورك، او نظريتك انت للجمال".