هو ثابت بن جابر ... بن حزن ... وتأبط شراً لقب لُقب به. ذكر الرواة أنه كان رأى كبشاً في الصحراء. فاحتمله تحت إبطه. فجعل يبول عليه طول طريقه. فلما قَرُب من الحي ثقُل عليه الكبش. فلم يُقلِّه. فرمى به. فإذا هو الغول. فقال له قومه "ما تأبطت يا ثابتَ؟". قال: الغول. قالوا: لقد تأبطت شرّاً. فسُمي بذلك. وقيل: بل قالت له أمه: كل أخوتك يأتيني بشيء إذا راح غيرك. فقال لها: سآتيك الليلة بشيء. ومضى فصاد أفاعي كثيرة من أكبر ما قدر عليه. فلما راح أتى بهن في جراب متأبطاً له. فألقاه بين يديها. ففتحته. فتساعين في بيتها، فوثبت، وخرجت. فقال لها نساء الحي: ماذا أتاكِ به ثابت؟ فقالت: أتى بأفاعٍ في جراب. قلن: وكيف حملها؟ قالت: تأبطها. قلن: لقد تأبط شرّاً .... ]و[ قالوا ...: إن تأبط شراً كان أعدى ذي رجلين وذي ساقين وذي عينين. وكان إذا جاع لم تقم له قائمة. فكان ينظر الى الظباء فينتقي على نظره أسمنها. ثم يجري خلفه فلا يفوته حتى يأخذه، فيذبحه بسيفه ثم يشويه فيأكله. وإنما سُمَّي تأبط شراً لأنه - فيما حُكي لنا - لقي الغول في ليلة ظلماء في موضع يقال له "رَحَى بطحان" في بلاد هذيل، فأخذت عليه الطريق، فلم يزل بها حتى قتلها. وبات عليها. فلما أصبح حملها تحت ابطه وجاء بها الى أصحابه فقالوا له: لقد تأبطت شرّاً .... وصف الغول ... كان تأبط شراً يعدو على رجليه، وكان فاتكاً شديداً، فبات ليلة ذات ظلمة وبرق ورعد في قاع يقال له رحى بِطَان، فلقيته الغول. فما زال يقاتلها ليلته الى أن أصبح وهي تطلبه ... والغول سبعٌ من سباع الجنّ. وجعل يراوغها وهي تطلبه وتلتمس غِرَّة منه فلا تقدر عليه ... فقال: ألا من مبلغ فتيان فهمٍ بما لاقيت عند رحى بطان بأني قد لقيت الغول تهوي بسهبٍ كالصحيفة صصحان فقلت لها: كلانا نِضْوُ أينٍ أخو سفرٍ فخلِّي لي مكاني فشدّت شدّة نحوي فأهوى لها كفي بمصقول يماني فأضربها بلا دهشٍ فخرّت صريعاً لليدين وللجران فقالت عُدْ، فقلت لها: رويداً مكانك انني تبت الجنان فلم أنفك متكئاً عليها لأنظر مصبحاً ماذا أتاني إذا عينان في رأس قبيحٍ كرأس الهرّ مشقوق اللّسان وساقا مخدجٍ وشواة كلب وثوبٌ من عباء أو شنان ... عسل النجاة ... كان تأبط شرّاً يشتار عسلاً في غارٍ من بلاد هذيل يأتيه كل عام ... فرصدوه ... حتى إذا جاء هو وأصحابه تدلّى فدخل الغار ... أغاروا عليهم فأنفروهم فسبقوهم ووقفوا على الغار فحركوا الحبل. فأطلع تأبّط شراً رأسه فقالوا: اصعدْ .... قال: فأراكم قاتلي وآكلي جناي، لا والله لا أفعل .... وكان قبل ذلك نقب في الغار نقباً أعدّه للهرب فجعل يسيل العسل من الغار ويهرقه ثم عمد الى الزّق فشده على صدره ثم لصق بالعسل فلم يبرح ينزلق عليه حتى خرج سليماً، وفاتَهم، وبين موضعه الذي وقع فيه وبين القوم مسيرة ثلاث .... الأرض اليباب ... ذكروا أن تأبط شرّاً خرج ومعه مُرّة بن خليف يريدان الغارة على الأزد، وقد جعلا الهداية بينهما. فلما كانت هداية مُرّة نعس، فجار عن الطريق. ومضيا حتى وقعا بين جبال ليس فيها جبل متقارب. وإذا فيها مياه يصيح الطير عليها. وإذا البيض والفراخ بظهور الأكم. فقال تأبط شرّاً: هلكنا واللاتِ يا مرّة، ما وطأ هذا المكان إنسٌ قبلنا، ولو وطأته إنسٌ ما باضت الطير بالأرض .... من الجزء الحادي والعشرين من "الأغاني" للأصفهاني المتوفى في 967م. الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973. اختيار: ربيع جابر