إذا استثنينا العراق، فقد رحب العرب جميعاً بفوز جورج بوش الابن بالرئاسة الأميركية، ومع ان الفرق بينه وبين المرشح الخاسر آل غور قليل الى درجة ألا يكاد يبين، فهو يظل أفضل نسبياً من منافسه الديموقراطي. الفائز والخاسر يؤيدان استمرار العقوبات على العراق ونقل السفارة الأميركية الى القدس، وهاتان أهم قضيتين للعرب في التعامل مع الولاياتالمتحدة. وكنا قرأنا كثيراً وسمعنا عن مساعدي آل غور لو فاز بالرئاسة، مثل نائبه جوزف ليبرمان، ومرشحه المختار لوزارة الخارجية ريتشارد هولبروك، ومستشاره الشخصي في الشؤون الخارجية ليون فيرث، وهذا صهيوني آخر من أنصار اسرائيل، وقد وقف باستمرار موقفاً متشدداً من العراق وايران، ولا ينكر انه صاغ سياسات غور المؤيدة لاسرائيل. في المقابل، بوش أحاط نفسه بنائبه ديك تشيني والجنرال كولن باول والبروفسورة كونروليزا رايس، وربما لا تنشر هذه السطور حتى يكون الرئيس المنتخب أعلن رسمياً تعيين باول وزيراً للخارجية ورايس مستشارة للأمن القومي. غير أن هناك وراء هؤلاء مجموعة مختلطة، تتراوح من وجهة نظر عربية بين الممتاز والسيء جداً. ولعل أخطر اثنين على المصالح العربية هما بول ولفوفيتز، المرشح لوزارة الدفاع، وهو نائب وزير دفاع سابق من أخبث أنصار اسرائيل، وريتشارد بيرل الذي لفت الانتباه اليه في وزارة الخارجية عندما ترأس عصابة من المسؤولين الأميركيين المؤيدين لاسرائيل، وهو احتضن ستيفن براين بعد توقيف هذا عن العمل في وزارة الخارجية عندما اتهمه الداعية العربي الأميركي مايكل سابا بتسليم صور القواعد السعودية لوفد اسرائيلي زائر في واشنطن. ولكن في مقابل هؤلاء، هناك السفير ادوارد جرجيان، وهو خبير بارز في الشؤون العربية، ومثله السفير ريتشارد ارميتاج الذي يعرف المنطقة جيداً، وقد سبق أن كتب مقالات في جريدتنا هذه، وربما أيضاً السفير سام زاخم، وهو جمهوري قريب من أسرة بوش مثل بلاده في البحرين، وامتلك الجرأة عندما اتهمه عضو كونغرس زائر بأنه يؤيد العرب ان رد عليه انه يؤيد اسرائيل على حساب مصالح بلاده. المشكلة في المقارنة بين أنصار اسرائيل المعروفين حول بوش، والمساعدين الآخرين الذين يحاولون أن يخدموا بلادهم لا العرب، ان أمثال ولفوفيتز وبيرل مرشحون لمناصب أهم من تلك التي يتوقع ان يشغلها الآخرون. ثم ان بوش سيضطر الى الاستعانة ببعض الديموقراطيين، لتنفيس غضبهم بعد خسارتهم في المحكمة العليا. ويصبح ولاء مساعدي بوش لبلادهم أو لاسرائيل مهماً لأن الرئيس المنتخب جاهل فعلاً في الشؤون الخارجية، وقرأنا مرة بعد مرة انه زار المكسيك، والرئيس الجديد هناك فنسنت فوكس يعرفه ويريد الاجتماع به. إلا أن الاهتمام بالمكسيك ليس سياسة خارجية، بل داخلية، وهذا من دون أن نعود الى التاريخ، وحقيقة أن الولاياتالمتحدة اقتطعت تكساس من المكسيك، فأساس الموضوع متاخمة الحدود بين الولاية والدولة، ووجود اعداد هائلة من المواطنين الأميركيين من أصول لاتينية أميركية هسبانك في تكساس وتعتبر الاسبانية اللغة الثانية لدى أسرتي الرئيس المنتخب وأخيه جيب بوش، حاكم فلوريدا. أزعم ان الجهل بالسياسة الخارجية ليس سيئاً، فجورج بوش يعرف أنه جاهل، لذلك فهو مستعد أن يتعلم، وفي غضون ذلك سيترك هذه السياسة لأهلها، وهنا يبدو فريقه أكثر توازناً بكثير من الفريق الذي كان آل غور سيملأ به مناصب ادارته. ونزيد سبباً آخر معروفاً للاطمئنان هو أن بوش من ولاية نفطية، وتشيني الذي عمل وزيراً للدفاع كان رئيس شركة نفط عندما اختاره بوش الى جانبه نائباً للرئيس، وهناك صداقات "نفطية" معروفة لبوش الأب، ما يجعل الرئيس الجديد أقرب الى الدول العربية، وأكثر استعداداً لفهم مواقفها. ومهما يكن من أمر معرفة بوش بالشؤون الخارجية أو جهله بها، فهو لا يمكن أن يكون اسوأ من رونالد ريغان عندما فاز بالرئاسة سنة 1980، فهذا الممثل الثانوي كان صاحب أفكار "ثانوية" أو حتى "تيرسو" في السياسة الخارجية، وهو دخل الحكم وقد تقدم في السن، وخرج منه على حافة الخرف، ثم تبين انه مصاب بمرض "الزهايمر"، ومع ذلك فقد كنت اقرأ تقريراً قبل أيام اعتبره "أفضل" الرؤساء الأميركيين المعاصرين. التقرير هذا اعتبر ريتشارد نيكسون وبيل كلينتون أذكى الرؤساء، إلا أن ذكاء كل منهما لم يمنعه من السقوط في فضيحة مدوية أطاحت نيكسون، وكادت أن تطيح كلينتون. ولا خطر البتة ان يواجه بوش مثل هذه المشاكل، فهو سكير تائب متهم بأنه تعاطى المخدرات شاباً، إلا أنه ترك مشاكله وراءه. وهو إذا ترك السياسة الخارجية لأهلها، كما فعل ريغان من دون أن ينام في اجتماعات مجلس الوزراء كما كان هذا يفعل فقد يفاجئ الجميع بحسن أدائه، والولاياتالمتحدة في النهاية دولة مؤسسات ذات استمرارية، لا دولة أفراد.