ثارت أسئلة حول جورج بوش الإبن بعد سقوطه في امتحان تلفزيوني عن الشؤون الخارجية، أشرت اليه في حينه فلا أعود إليه، وانما أقول ان جهل بوش لم يفاجئ العارفين، فليس في ماضيه أي اهتمام خارجي، والامتحان التلفزيوني لم يفعل سوى تسليط الضوء على الموضوع، فقد كان محافظ تكساس خلط قبل ذلك بين سلوفينيا وسلوفاكيا، وقال عن اليونانيين انهم اغريقيون. بوش الإبن، الذي يتقدم سائر المتنافسين الجمهوريين على الترشيح للرئاسة، يدرك نقطة ضعفه هذه لذلك فقد أحاط نفسه بفريق قوي من المستشارين، بينهم الجنرال كولن باول، الذي يقال ان بوش الإبن يريده وزيراً للخارجية معه اذا فاز بالرئاسة، وديك تشيني، وزير الدفاع السابق، وجورج شولتز، وزير الخارجية في أيام رونالد ريغان، وبرنت سكوكروفت، رئيس مجلس الأمن القومي في ولايتي جيرالد فورد وبوش الأب، وكوندوليزا رايس، وهي أكاديمية من جامعة ستانفورد تدربت على يدي سكوكروفت، وأصبحت الآن مرشحة لرئاسة مجلس الأمن القومي. ومع ان مجال خبرتها الاتحاد السوفياتي السابق، فاللوبي اليهودي والمنظمات اليهودية الاميركية طوقتها بعد اختيار بوش الإبن لها مستشارة. وهي تحدثت في المؤتمر السنوي للوبي ودعت الى معاقبة الشركات الروسية التي تبيع ايران تكنولوجيا صواريخ. وكنت أشرت الى رايس في مقالي السابق عن بوش الإبن والشؤون الخارجية، وسجلت معها بول وولفوفيتز، وكيل وزارة الدفاع السابق، وريتشارد بيرل، مساعد وزير الدفاع السابق. وأزيد اليوم اسم السفير ريتشارد ارميتدج، وهو من أركان وزارة الدفاع السابقين ايضاً، الا انه جيد بقدر ما وولفوفيتز وبيرل سيئان. ما هي اهتمامات بوش الإبن "الخارجية"؟ وضعت الكلمة الأخيرة بين هلالين صغيرين لأنني وجدت بعد البحث ان هذه الاهتمامات تنطلق من سياسات محلية، وباختصار، فهو يريد: - إقامة نظام دفاع يستطيع وقف هجوم بالصواريخ على اميركا. - انفاق المزيد على تطوير أسلحة جديدة. - زيادة أجور العسكريين، وهي أجور زادتها ادارة كلينتون كل سنة. - عدم ارسال قوات اميركية في مهمات انسانية خارجية، إذا لم يكن من ضمن هذه المهمات مصلحة اميركية. - الصين. الواقع ان الصين هي الشأن الخارجي الوحيد الذي يتعرض لجدل منذ الآن داخل فريق بوش الإبن. ويقف وولفوفيتز وبيرل موقفاً متشدداً من الصين، الى درجة السعي الى احتوائها على أساس انها تشكل أكبر خطر على القوة الاميركية في القرن القادم. غير ان رايس تبدي براغماتية كبيرة في التعامل مع الموضوع، ما يعني التخفيف من حدة موقف الصقور، أو تحييده. الصين تستطيع الدفاع عن نفسها، لذلك وجدت نفسي وأنا أعود الى موضوع بوش والشؤون الخارجية أقف مرة أخرى امام وولفوفيتز وبيرل، فهذان صهيونيان مع ميول ليكودية، وعندما كانا في الإدارة اشتهرا بتأييد اسرائيل بشكل مفضوح وجرأة. وولفوفيتز قال في مقابلة صحافية أخيراً انه تجنب الشرق الأوسط وهو في وزارة الدفاع لأن مواقفه المؤيدة لاسرائيل تختلف عن مواقف الوزير كاسبر واينبرغر "ولم أر رأي الإدارة حول الشرق الأوسط، وكنت سألغي لبنان من حسابنا قبل زمن طويل، فأنا يهودي، ولكل هذه الأسباب شعرت بأن تدخلي في هذه السياسة غير مفيد وغير مقبول وغير حكيم". إذا كان وولفوفيتز سيئاً من وجهة نظر عربية فبيرل اسوأ منه. بيرل، مثل وولفوفيتز وعدد كبير من أنصار اسرائيل المتطرفين، يمارس السياسة لخدمة اسرائيل قبل أي شيء آخر، وهؤلاء ليسوا جمهوريين أو ديموقراطيين، وانما ينتقلون من حزب الى آخر، ويحاولون اختراق الإدارة وكلاء عن اسرائيل. وكان ستيفن براين سلم وفداً اسرائيلياً زائراً صور قواعد عسكرية سعودية، في قضية مشهورة فضحها الصديق مايكل سابا، وأوقف براين عن العمل في وزارة الخارجية، وعمل اللوبي اليهودي كله لإنقاذه. وكانت النتيجة أنه انتقل الى عمل أهم وأخطر في وزارة الدفاع تحت رعاية بيرل الذي اعتبره مايكل سابا رأس العصابة الاسرائيلية في الإدارة في حينه. والنتيجة ان بوش الإبن استقبل بعض النشطين السياسيين العرب من ولايته تكساس في نيسان ابريل الماضي، فقامت عليه حملة يهودية - اميركية لم تهدأ حتى ضم ليكوديين معروفين الى فريق مستشاريه. مع ذلك، يمكن القول ان باول في الخارجية ورايس في مجلس الأمن القومي، وارميتدج في "الجناح"، امر مطمئن. ثم ان بوش الإبن من ولاية نفطية لها مصالح لا تلتقي مع أهداف اللوبي اليهودي. ننتظر لنرى، فحملة انتخابات الرئاسة الاميركية بعيدة سنة عن الانتخابات نفسها، ولا بد ان تتغير أمور كثيرة قبل تشرين الثاني نوفمبر القادم.