حين تغتال الصعوبات الاقتصادية والمالية الأحلام الوردية وتبعثرها بلا اتجاهات محدودة، فتتوه وتتوه معها الطموحات والآمال، وتغيب الرؤيا المستقبلية وتسود ضبابية أقرب الى السوداوية ف"لا نور في آخر النفق"، ولا حل في الأفق. وتطرق الضرورات الحياتية بيد من حديد على المخيلات لتستنبط حلولاً، وأين الحلول؟ ففرص العمل غير متوافرة بالشكل المطلوب وإن توافرت لا تفي بالحاجات والضرورات وتبقى تراوح في إطار اللقمة و"الهدمة" والعيش البسيط، والحياة صاخبة هادرة تحتاج الى الكثير من الامكانات والى الكثير من الجهد والتعب، بل والنضال. كثيرة هي الأبواب الموصدة، وكثيرة هي الأحلام المشرعة للريح. والمستقبل مرهون بأمل أن يأتي الحل. تلك هي علامات القلق المرتسمة على وجوه الكثير من الشباب الذي ما انفك يناطح الصخر لإيجاد بارقة أمل بغد أفضل ومستقبل مأمون. لذا، لم يجد هؤلاء الشباب ضالتهم سوى بالسفر وايجاد الفرصة الممكنة لتحقيق أبسط الأحلام. وضمان السفر أيضاً ليس بالأمر السهل فكان الأمل بالاقتران بالفتيات المغتربات واللواتي يحملن الجنسية هو الحل الأمثل والأفضل اجتماعياً ومستقبلياً، وما يعني لهم ذلك من انتعاش للآمال وإمكان تحقيقها من خلال هذا الزواج الذي سوف يضع حداً للأرق والقلق الطويل والممتد، والذي لا يجدون له حلاً في موطنهم. وبدا هنا الحل وكأنه عصا سحرية بين أيديهم، ولا بد من أن تفعل فعلها في البحث عن فتاة المغترب، حيث لم تعد تحدها شروط مسبقة، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو عمرية. وكل ما يتوجب توافره هو جنسية أو حتى إقامة في بلد ما لتصبح فيزا للدخول في هذا البلد. ولكن على رغم ما سبق ذكره، هل يمكن أن يصبح الزواج من فتيات المغترب مجرد فيزا سفر للشباب؟ علماً أن هذا الأمر يحمل في طياته انانية مفرطة ومصلحة شخصية مسبقة. هل يمكن أن يقدم الشاب على الزواج المبني سلفاً على مصالح خاصة وإن كانت النية به خيرة؟ ألا يعني الزواج بهذه الطريقة التنازل عن أمور جد أساسية كالتوافق الفكري والنفسي أساساً للحياة المشتركة؟ ألا يعني أن الزواج بهذه الطريقة المبيتة فيها النية سلفاً، اجحافا بحق الفتاة وإن لم يفصح الشاب عن نياته؟ وبالمجمل هل الدوافع وراء كل ذلك تبرر الزواج بتلك الطريقة التي أقل ما يقال انها مجحفة بحق الاثنين؟ على رغم أن كل ما قيل سابقاً لا يجزم مطلقاً بعدم وجود زيجات موفقة وناجحة ولكن ذلك محكوم بالحظ ربما وبالمصادفة أحياناً. والهمّ الرئيسي هو لفت الانتباه الى عدم جعل تلك الميزة التي تملكها الفتاة العربية المغتربة، سبباً رئيساً لاختيارها من قبل الشباب الذين تقطعت بهم كل السبل لتحقيق مستقبل آمن ومشرق في وطنهم ليبحثوا عن ذلك خارج الوطن. ويتجلى ذلك بصورة عروس في يدها جنسية بدل باقة الورد. وأمام هذا الواقع القاسي في جوانب كثيرة منه على شبابنا خصوصاً في تأكيدهم أنهم مجبرون على انتهاج هذا النهج والتفكير بهذه الطريقة، توجهنا بقلقنا وتساؤلنا للكثير من الشباب، وكأننا وضعنا ملحاً على الجرح أو فتقنا الجراح وكان الآتي: محمد سطيح 25 عاماً قال: بكل صراحة وأمانة أعتقد أن غالبية الشباب ينتظر بفارغ الصبر قدوم المغتربين الى الوطن ولدى غالبيتهم نية خاصة تجاه من لديه فتيات بعمر الزواج يريدون تزويجهم من شباب الوطن لاعتبارات عدة عند الأهل، ويعتبر ذلك بالنسبة الينا فرصة ذهبية للفوز بعروس تشكل لنا بشكل أو بآخر الفرج لأن الوضع صعب جداً والدخل لا يكفي شخصاً بمفرده فكيف اذا أراد تكوين بيت وأسرة؟ وطالما أن كل ذلك غير ممكن فكان علينا أن نتجه بتفكيرنا الى الفتيات المغتربات لأنهن بكل بساطة يمكن أن يفتحن أمامنا آفاق المستقبل الذي نتمناه بأقل قدر من المعاناة. وبرأيي أن الأمر لا يعدو كونه تحقيق معادلة ايجابية للطرفين، ذلك أن المصلحة مشتركة والخير يعم على الجميع وأعتقد أنه لا بد من أن يوجد عند الفتاة الحد الأدنى مما يرغب به الشاب وهذا ممكن جداً. أحمد مصطفى خالد 26 عاماً قال: حقيقة، الموقف صعب ويحتاج الى وقفة مع الذات. ولكن الواقع أصعب، لأنه لو فكر الشاب بالعقل والمنطق والقلب معاً، لما أمكن له تحقيق أي منهما ضمن الظروف المتاحة. وبصراحة لم يعد ممكناً لأي شاب منا أن يفكر التفكير الرومانسي أو يحلم الحلم الوردي، وأن يعيش قصة حب حالمة ويكتب الشعر ويتغزل بعيني فتاته وابتسامتها وشعرها المسترسل المنسدل على كتفيها كشلال، وما الى ذلك، لأنها هي نفسها لم تعد تقنعها هذه الأمور ما لم تكن مقترنة بأمور أكثر أهمية خصوصاً عندما تصبح المسألة مسألة زواج، فالعقل والمنطق والواقع، فرضت علينا الاتجاه الى استنباط حلول في هيكليتها العامة ايجابية وان لم تحقق كل ما يرغب به الشاب او الفتاة ضمن الأحلام ولكن الواقع شيء والحلم شيء آخر، لذلك ففرصة الاقتران بفتاة المغترب تروق لغالبية الشباب الذين تخلوا حتى عن فكرة الزواج من باب عدم الامكانات، وكثير لا يرى ضيراً في هذا الزواج الذي سيحقق مصلحة اجتماعية لأطراف عدة تشمل العائلات في المغتربات والذين ما زالوا يحملون تراث وقيم الوطن ويرون في زواج بناتهم راحة واطمئناناً لهم، وفي الوقت نفسه حلاً لأزمة الشاب. وأعتقد انه سيكون زواجاً ناجحاً ومميزاً بكل معنى الكلمة، لأن ما ينغص حياة الأزواج هو قلة الامكانات وضيق ذات اليد، مما يرمي بظلاله حتماً على أكثر علاقات الحب شفافية. وسام صبح 24 عاماً قال: أظن أن الحديث في هذا الأمر لم يعد يشكل حرجاً للشاب، بل بالعكس بدأ يأخذ حيزاً مهماً من تفكيره، بل أصبح يلح على تفكيره وخصوصاً عندما يقترب موعد قدوم المغتربين الى وطنهم ويبدأ الشاب في البحث والتقصي خصوصاً اذا كان محظوظاً ولديه قريبة، فذلك سيجعله سعيداً ويجعل من الأمر أسهل وأيسر. والحلم يتسع ويكبر كلما زادت درجة القرابة، وبصراحة ما يدفعنا الى ذلك هو الخروج من مأزق الواقع الحالي والمستقبلي الذي يبدو أننا لا نستطيع أن نفعل حياله شيئاً، والزواج أو التفكير بمثل هذا الزواج مشروع خصوصاً أن الفتاة بالنهاية عربية وتعي معنى الزوج والبيت والأسرة والالتزامات الأسرية مهما عاشت في الغرب، اضافة الى القيم المزروعة والتي حتماً تنمو وتكبر ضمن اطار العائلة المنسجمة في اللغة والدين والانتماء الى الوطن، الى جانب القدرة على التكيف والتي اعتبرها الآن سمة من السمات والتي تأخذ صفة العقلانية، لذلك كل شيء ممكن تحقيقه وهذا الزواج كأي زواج آخر ممكن أن ينجح وممكن أن يفشل وأرى أن فرص نجاحه متوافرة، خصوصاً إذا توافرت له الشروط الصحية النقية غير الملوثة بالقلق والهم اليومي والركض المتواصل لتأمين أدنى متطلبات الحياة. محمد خالد 27 عاماً، قال: حين تتراكم السنون على كاهلنا ولا نجد في جعبتنا سوى فوارغ أحلام ونكسات أمل، وصخرات قاسية تتحطم عليها طموحاتنا ماذا نفعل؟ فكثير منا أصبح لا يجرؤ حتى على التفكير الطبيعي الذي من حق كل شاب وفتاة أن يفكرا ويخططا له، ليس لأننا رافضون ذلك، بل بالعكس فنحن بأمس الحاجة الى ذلك، ولكن ليس بوسعنا تحقيقه، إذاً الاستغناء عنه أرحم. وبالتأكيد يبقى للانسان الأمل الدائم في البحث الدؤوب عن حلول لمحاولة انتشالنا من بين أنقاض أحلامنا المتحطمة على صخرة الواقع، وربما وجدنا ضالتنا أو أصبح لدينا بصيص أمل في البحث عن فتاة المغترب والتي تملك المفتاح السحري لمستقبلنا وهو الجنسية. وبالتأكيد ليس ذلك سهلاً علينا، ولكن ليس بالامكان الا الاتجاه بتفكيرنا الى ذلك، ولا أتصور الأمر سيئاً، بل ربما يكون زواجاً مثالياً أو أقل ما يمكن أنه مريح ومقبول خصوصاً اذا توافر للطرفين الود الكافي والاحترام المتبادل لخلق حياة جيدة، وأتمنى أن أحظى بفتاة لديها امكانات فسح المجال لي لننطلق ونحقق ما نصبو اليه. أخيراً، ماذا يمكن الاضافة بعد كل هذه الشهادات؟ هل يمكن القاء اللوم على الشاب المرتجفة أوصاله من مستقبل ضبابي لا ملامح له أو تعابير واضحة يستند إليها؟ هل يقال عنهم انهم انتهازيون، بل أكثر من ذلك، يسعون وراء مصالحهم الشخصية ويتسلقون على أوراق ثبوتية لفتاة كل مواصفاتها أنها تحمل جنسية؟ أم أنهم معذورون أمام واقع قاسٍ مرير للكثير منهم فإما أن تتحقق أحلامهم الطبيعية في الحب والزواج وتكوين الأسرة، أو تنفلت مشاعرهم وتشتت هنا وهناك بمجانية غير مرضية له ولغيره؟ إذا كان الخلاص للكثيرين بإيجاد فتاة "الجنسية"، فكم يمكن أن يكون عددهم، وما هو الحل بالنسبة للآخرين الكثر الذين ما زالوا يبحثون في زوايا الحياة عن نار يشعلون بها شموع طموحاتهم المغتالة أمام واقع صعب؟