قرر مجلس ادارة صحيفة "الرأي"، الاوسع انتشاراً في الاردن، حجب شخصية "ابو محجوب" الساخرة عن القراء، عقاباً لصاحبها رسام الكاريكاتير الزميل عماد حجاج الذي تجرأ اخيراً على القيام بواجبه في انتقاد شركة الهواتف الخليوية الوحيدة في احدى رسوماته. ورغم انه تمت اجازة الكاريكاتير الساخر من رئيس التحرير المسؤول، إلا ان حجاج تعرض للعقاب بوقفه عن العمل لمدة شهر مع اعادة النظر في عقده مع الصحيفة، فيما لم يتحمل رئيس التحرير اي مسؤولية تجاه مهنته وزميله وقراره! المؤسف اكثر هو ان الحكومة تملك اكثرية الاسهم في الصحيفة، وهي المسؤولة الاولى والاخيرة عن قرارات مجلس الادارة الذي يعين بقرار منها. ومؤسف اكثر ان هذه الحكومة، وليس غيرها، كانت التزمت لدى تشكيلها توجيهات ملكية طالبتها بتعزيز حرية التعبير والشفافية من خلال تحرير الاعلام في إطار اصلاحات ديموقراطية كلفت بها. وفيما كنا ننتظر البدء بتطبيق هذه الاصلاحات بعد شهرين من تشكيل الحكومة التي دفعتنا الى التفاؤل، نفاجأ بالحكومة تتنصل من مسؤولياتها وتسكت على ملاحقة ومعاقبة ابرز الاعلاميين في المملكة لمجرد انه صدق كلامها عن حرية التعبير والاصلاحات المقبلة، فقام بواجبه الوطني والمهني في انتقاد الاحتكار والانغلاق والتخلف من حوله... ما يشهده الاردن اليوم هو اول امتحان حقيقي لصدقية الحكومة في توجهاتها المعلنة لتنفيذ الاجندة الملكية الاصلاحية، في مواجهة القلة من اصحاب مراكز القوى المناوئة للإصلاح، والمتخندقين ضد اي تغيير يعتبرون انه يمس مصالحهم الشخصية. وتأتي استقالة الدكتور خالد الكركي، رئيس مجلس ادارة الصحيفة اول من امس احتجاجاً على وقف حجاج عن العمل، تأكيداً على ان قرار وقفه جاء لإعتبارات لا علاقة لها بالصحافة او بادائه المهني او الشخصي. وإذا تمسكت الحكومة بموقفها الحالي المتنصل من المسؤولية المباشرة، فسيترتب عليها اعلان من هو "المسؤول" عن اول خرق فاضح لحرية التعبير في عهدها، خصوصاً انها ستقدم قريباً على تعيين رئيس جديد لمجلس ادارة الصحيفة بوصفها المالك الاكبر لأسهمها. فهل سيكون خيار الحكومة المقبل اكثر انسجاماً مع شعاراتها مما هو عليه الوضع حتى الآن؟.. لأن احداً لن يصدق أن الحكومة بعيدة عن قرار يتعلق بإحدى مؤسساتها، فإن الحكم النهائي على حقيقة التزامها برنامج الاصلاح السياسي سيعتمد على طبيعة قرارها ووجهته في غضون الايام القليلة المقبلة. ولعله من المثير للسخرية ان "حجّاج" عوقب لأنه وقف الى جانب برنامج الاصلاح الحكومي لخصخصة الاعلام وكسر الاحتكارات، فيما بدت الحكومة كأنها غير متمسكة به، اقله حتى هذه اللحظة. ليس من قبيل المزايدة مطالبة الحكومة بالإنحياز لبرنامجها السياسي والاقتصادي الذي استحقت الثقة على اساسه. إلا ان عليها مساعدة نفسها ودعم من يعملون معها في مواجهة خصوم الاصلاح من داخل مؤسسات الدولة وخارجها. وهي تعرف أن الاصلاح يحتاج الى ادوات اصلاحية تدير مؤسسات الدولة في شكل ينسجم، بدلاً من ان يتناقض، مع سياساتها المعلنة. وعكس ذلك، فإن عليها التخلي عن شعاراتها المرفوعة لئلا يتورط حجاج أو غيره بتصديقها، فيدفعون الثمن