طبيعي ان يعتكف وزير الاعلام الاردني الدكتور طالب الرفاعي احتجاجاً على تدخل رئيس الوزراء السيد علي ابو الراغب شخصياً لإحباط اصلاحات اعلامية كان بصدد اجرائها. ومفهوم ايضاً احتمال استقالة الرفاعي بعدما وجه ابو الراغب ضربة لصدقيته بإلغائه قرارات في صلب صلاحياته. إذ كيف يمكنه الاستمرار في وظيفته بعدما بات معروفاً للجميع انه ليس صاحب قرار في ما يخص وزارته؟! تعيد قضية اعتكاف الرفاعي الى الاذهان استقالة وزير الاعلام الاسبق ناصر اللوزي في حكومة رئيس الوزراء السابق السيد عبدالرؤوف الروابدة في العام الماضي. فاللوزي كان بصدد اجراء اصلاحات اعلامية ليبرالية احبطها الروابدة، وهو بالضبط ما فعله ابو الراغب اخيراً بالرفاعي. وفيما استند الرفاعي في قراره اجراء تغييرات في صحيفة "الرأي" الحكومية الى سياسات اصلاحية يفترض ان تكون الدولة تبنتها، جاء قرار ابو الراغب تعطيل قرارات الوزير لأسباب غير مفهومة، إلا اذا صح ما يتردد عن وجود اعتبارات شخصية وراء العودة عن قرار التغيير. ولعله من المؤسف حقاً ان معارضي التغيير في "الرأي" لجأوا، في سياق تبرير معارضتهم قرار وزير الاعلام تعيين الزميل جورج حواتمة رئيساً لتحرير الصحيفة، الى إثارة نعرات طائفية مرفوضة لدى اعلى المرجعيات في الدولة. الاكيد هو انه ليس في مصلحة الاردن او حكومته ان يستقيل الرفاعي، الذي يمثل احد الوجوه الليبراليه الاساسيه في الحكومة، مع ما يبعثه ذلك من رسائل سياسية تتناقض مع توجهات العهد الجديد. وليس في مصلحة الاردن او حكومته تعطيل خطة الاصلاح الاعلامي الذي يعد مدخلاً للإصلاح السياسي برمته. فالاصلاحات الاقتصادية، التي يجري التركيز عليها حالياً، لا يمكن ان تأتي ثمارها بمعزل عن تحرير الاعلام في شكل يعزز حرية التعبير والشفافية والمساءلة التي هي في صلب العملية الديموقراطية واساس الثقة بين المجتمع والدولة. ولهذا، فإن احباط التغييرات المطلوبة في الاعلام الوطني هو احباط لبرنامج الاصلاح بعناوينه الاوسع والاشمل، وبالتالي، الغاء مسبق للفوائد التي قد تترتب على تحرير الاقتصاد. لا يزال في الامكان اعادة سكة الاصلاح السياسي الى مسارها. فالحكومة ستواجه في الاسابيع المقبلة استحقاقات تشريعية امام برلمان لن يكون متعاوناً كثيراً معها بعدما انحازت الحكومة الى تكتل نيابي فيه ضد آخر خلال انتخابات رئاسة مجلس النواب. كما ستواجه الحكومة بداية العام المقبل استحقاق رفع اسعار مشتقات النفط بعدما ارتفع سعر النفط المورد من العراق، مما سينعكس على مختلف القطاعات الشعبية ويزيد من عمق الازمة الاقتصادية. كما ان الاردن سيستضيف القمة العربية المقبلة في آذار مارس المقبل وسط اجواء اقليمية مشحونة. ولذلك فالحكومة ستكون بحاجة الى اعلام يتمتع بقدر اكبر من الحرية والمهنية والصدقية، ويستطيع التفاعل مع الاحداث بشكل يمكن ان يقنع الرأي العام بأن الحكومة تفعل كل ما تستطيع، وفي ظل ظروف صعبة، لتحسين اوضاع المواطنين ومواجهة تحديات المرحلة. تخطيء الحكومة إن هي اعتقدت أن الاعلام الرسمي، بحاله الراهنة، يمكن ان يقنع احداً...