اولاً، عن لفظ Deficit الفرنسي - الانكليزي - الاسباني، الذي يمكن ترجمته الى العربية بحوالي عشر كلمات منها: الانعدام والحاجة والعجز وعدم الكفاية والنُدرة… وهي كلها مفردات لا تؤدي معناها الا جزئياً، فوجب والحالة هذه اقتباسه كما هو في اللغات الثلاث المُشار اليها. ديفيسيت المنطق في قضية اعضاء الوفد الصحافي الجزائري الذين زاروا اسرائيل للاستطلاع وللقيام بتحقيقات على ارض الواقع لإخبار قرائهم موضوعياً بما عاينوا، يتمظهر في المفارقات الآتية: بمناسبة جنازة العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، صافح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود باراك. وخلال زيارة الرئيس الجزائري الاخيرة لفرنسا، التقى يهودها واعلن ان بلاده ستقيم علاقات مميزة مع اسرائيل إثر توقيع السلام مع سورية والفلسطينيين. وكان كتّاب وصحافيون جزائريون قد زاروا اسرائيل في السنوات الماضية اضافة الى وفود رسمية دون ان يثير ذلك ضجّة. فزيارة الوفد الصحافي الجزائري تدخل في هذا المنطق الجزائري الذي كسّر بحكمة تابو مصافحة الاسرائيليين والتحدث معهم وزيارة بلادهم، وهو نفس المنطق المريض الذي كان كسّره المغرب شعباً وملكاً. فالملك الراحل استقبل الاسرائيليين في زيارات سرية وعلنية، رسمية وغير رسمية، منذ ثلاثة عقود. وهو الذي دعا سنة 1958، وكان ما يزال ولياً للعهد ومن بيروت، الى قبول اسرائيل عضواً في الجامعة العربية لإنهاء النزاع معها وحلّ المشكل الفلسطيني. منطق التابو الاسرائيلي كسره اصحاب العلاقة انفسهم، وهم الفلسطينيون الذين يستقبلون الاسرائيليين منذ عقدين قبل توقيع اوسلو. وها هم اليوم يدخلون اسرائيل ويخرجون منها آمنين، ويفاوضون اعداء الامس، ويتبادلون معهم الأنخاب ويلعبون معهم القمار في كازينو اريحا. وسورية التي كانت تعاقب بالاعدام كل اسرائيلي يضع قدمه على ارضها، استقبلت في مطلع العام مبعوث "ايديعوت احرونوت" الذي اجرى لقاءات مع سوريين مدنيين وعسكريين، وقال له جنود سوريون انهم "ينتظرون بكل شوق السلام مع اسرائيل ليحوّلوا معاً الشرق الاوسط الى جنّة". وخلال تشييع الرئيس الراحل حافظ الاسد بث التلفزيون الاسرائيلي مباشرة وقائع الجنازة من مراسله في دمشق. هذا التابو الذي أنهته الوقائع العينية تتمسح به اليوم وكالة الانباء الرسمية الجزائرية التي نعتت اعضاء الوفد ب"الخونة لذاكرة الشهداء عبان رمضان وكريم بلقاسم ومحمد خيضر ومحمد بوضياف". لكن خير من كشف التناقض التاريخي القاتل في ديفيسيت المنطق هذا هو صحيفة "الوطن" الجزائرية الناطقة بالفرنسية، عندما كتبت: "واجب قول الحقيقة كان يحتم على وكالة الانباء الرسمية ان تقول للجزائريين الذين يجهلون تاريخهم ان هؤلاء الشهداء قتلوا بأيدي اخوتهم في السلاح قبل الاستقلال كعبان رمضان، او بعد الاستقلال مثل خيضر وكريم بلقاسم او الرئيس محمد بوضياف الذي اغتاله حارسه الخاص الذي عيّنه له الامن العسكري". السبب الحقيقي لهذه الضجّة هو ما كشفته "الخبر" الجزائرية: "عقلية المؤامرة" التي ما زالت متحكّمة في الأذهان والتي استغلها الرئيس الجزائري الذي ما فتئت هذه الصحافة الجزائرية الحرّة تكشف عجزه عن حل المشاكل التي تأخذ بخناق الجزائر، سواء منها الارهاب الاسلامي او الرعب الاقتصادي والسياسي والتعليمي. ما جعل من الجزائر التي كانت تطمح الى ان تكون "يابان افريقيا" كما كان يقول بومدين، دولة من جنوب الصحراء، نصف سكانها يعيشون، حسب الاحصائيات الرسمية، تحت حد الفقر. على كل صحافي حرّ ان يوجه التحية للصحف الجزائرية "الخائنة" ولوفدها الذي لحقه شرف الخيانة المفترى عليها، في هذا العالم العربي الذي يتكلم اللغة المزدوجة ويكذب على نفسه وعلى العالم.