النفط يتراجع وسط تلاشي مخاوف تعطل الإمدادات وارتفاع المخزونات    شركة تطوير مطار الملك سلمان الدولي توقع مذكرة تفاهم مع هواوي لتوفير حلول الطيران الذكي    تعليم مكة يدشن الأعمال التطوعية في المسجد الحرام    برنامج "أمل" السعودي في سوريا.. ملحمة إنسانية ونبض حياة    قضاة الفلبين يختتمون الدورة القضائية بجامعة الإمام    نائب أمير مكة يشهد تخريج 19,712 طالباً وطالبة في جامعة المؤسس    لقاء نخبوي لتعزيز الشراكات التقنية بين السعودية والأردن    وزير الثقافة يلتقي وزير السياحة والثقافة والفنون بجمهورية بنين في جدة    العاهل الأردني والرئيس الفرنسي يبحثان هاتفيًا المستجدات في غزة والضفة الغربية    بحضور 100 مشارك.. محاضرات توعوية لطلاب القطيف حول مخاطر المخدرات    «مسام» يتلف 1749 قطعة غير منفجرة من مخلفات الحرب في اليمن    القادسية يجدد عقد مدربه ميشيل    «كلاسيكو» الخميس يجمع الأهلي بالنصر    4 حالات لاسترداد قيمة حجز حجاج الداخل    السعودية" أرجوان عمار" تتوج برالي أبوظبي باها 2025    زحام «النفق» يؤخر الطلاب عن اختباراتهم    التعاون يتعادل مع الوكرة القطري في ذهاب ثمن نهائي أبطال آسيا    كنز نبحث عنه    منطلق حوار للحد من تفشي الطلاق    الحلم النبيل.. استمرار للمشروع السعودي    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    5 خرافات عن العلاج بالإشعاع    دوري روشن بين السيتي والريال!!    رئيس وزراء باكستان: المملكة صديق موثوق.. ندعم سيادتها وسلامة أراضيها    تحقيق أممي في وفاة موظف محتجز لدى الحوثيين    حكومة سورية جديدة "متعددة الأطياف".. مطلع مارس    الصندوق السعودي للتنمية يحصد جائزة المساهمة المجتمعية المميزة    إعلاميو "الأوفياء" يطمئنون على الحداد    والدة إلياس في ذمة الله    آل الفريدي وآل أبو الحسن يتلقون التعازي في فقيدهم " إبراهيم "    الكناني يدشّن مهرجان «نواتج التعلم» في متوسطة الأمير فيصل بن فهد بجدة    صنع في باكستان    600 شركة عالمية تفتح مقراتها الإقليمية في المملكة    نادية العتيبي سعيدة بالتكريم    "تعليم شرق الدمام" يحتفي بالفائزين في تحدي القراءة    أمير الرياض يكرم الفائزين في أولمبياد الإبداع العلمي    سعوديات يبدعن في مستقبل التصميم    نسرين خبيرة تكنولوجيا الغذاء    أمريكية تعتصم أمام منزل خطيبها الباكستاني    "الأوقاف" تدشّن منصة "أوقاف للخدمات الرقمية"    صلاح يتألق وإيفرتون يفسد فرحة ليفربول بهدف درامي في الوقت القاتل    للمرة الأولى.. حلبة جدة تحتضن سباق فورمولا إي    في ملحق يوروبا ليغ.. بورتو وروما الأبرز.. وألكمار يستضيف غلطة سراي    «طبية الملك عبدالله».. إنجازات نوعية    النصيحة السعودية للإقليم!    الفرع الافتراضي.. قصة نجاح!    جدلية العلاقة بين السياسة والاقتصاد!    المدينة والجرس: هنا لندن أو هناك أو... في كل مكان!    حصالة ليست بها قيمة    «فلسطين أرض عليها شعب.. ليست لشعب بلا أرض»    تعب التعب    التأسيس وتحقيق رؤيتنا المثلى    محافظ الأحساء يكرّم الفائزين بجائزة تميّز خدمة ضيوف الرحمن    أمير منطقة جازان يزور هروب ويلتقي أهالي المحافظة    جامعة الملك عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة ال ( 54 )    رأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة.. أمير المدينة: رفع مستوى الجاهزية لراحة المصلين في المسجد النبوي    سلمان بن سلطان: القيادة تولي اهتمامًا بتنمية المحافظات    مملكة الأمن والأمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الغيب ومعانيه بين الحضارتين الإسلامية والغربية
نشر في الحياة يوم 21 - 07 - 2000

يحتل الغيب مساحة واسعة في الدين الإسلامي، فهو يشمل الإيمان بالله والملائكة والبعث واليوم الآخر والجنة والنار والجن الخ...
وامتدح القرآن الكريم المؤمنين بالغيب فقال ]ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون[ البقرة، 1- 4، وكانت قضية البعث أبرز القضايا الغيبية التي أثار المشركون النقاش والتساؤل حولها، فتساءلوا مستغربين: كيف يبعث الله الأجساد بعد أن تبلى وتصبح تراباً؟ فرد القرآن عليهم. إن الله الذي خلق الأجساد أول مرة قادر على أن يبعثها مرة ثانية، وقد تردد هذا البرهان أكثر من مرة في سور القرآن الكريم فقال ]وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون. أو آباؤنا الأولون. قل إن الأولين والآخرين لمجموعون الى ميقات يوم معلوم[ الواقعة، 47- 50، ثم ضرب الله لهم المثل من خلقهم الأول فقال ]نحن خلقناكم فلولا تصدقون. أفرأيتم ما تمنون. أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون. نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين. على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون. ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون[ الواقعة، 57- 62، وقال ]وقالوا أئذا كنا عظاماً ورفاتاً إئنا لمبعوثون خلقاً جديداً. أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلاً لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفوراً[ الإسراء، 98- 99، وذكر القرآن قصة حوار بين أبي بن خلف والرسول صلى الله عليه وسلم حول البعث، فبعد أن جاء بعظم رميم وهو يفتته ويذروه في الهواء وهو يقول: يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا؟، قال صلى الله عليه وسلم: "نعم، يميتك الله تعالى، ثم يبعثك، ثم يحشرك الى النار".
وقد حكى القرآن تلك القصة، فقال ]وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال: من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم[ يس، 78- 79، وبيّن القرآن الكريم أن الخلق الثاني أهون من الخلق الأول كما هو معلوم من البداهة، قال ]وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه[ الروم، 27، وأوضح القرآن الكريم أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس، وهي آيات مبثوثة بين أيدي الناس وظهرانيهم، فهذا يؤكد أن الذي يخلق الأكبر يمكن أن يخلق الأصغر قال ]لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون[ غافر، 57.
وبعد أن انتشر المسلمون في الأرض واختلطوا بالأمم والشعوب الأخرى برزت مشكلتان من قضايا الغيب في كتب العقائد: مشكلة حشر الأجساد ومشكلة صفات الله.
وأنكر الفلاسفة حشر الأجساد، وهذه إحدى القضايا التي كفّر الغزالي الفلاسفة بها، إضافة الى تكفيره لهم على قولهم بقدم العالم، أما القضية الأخرى التي برزت من قضايا الغيب ولم تكن مثارة عند نزول الإسلام فهي قضية صفات الله: مثل قضية كلام الله سبحانه وتعالى وعلمه ونزوله واستوائه الخ...، وجاءت هذه المشكلة من تداخل الفلسفة مع أمور العقائد، وإثارة أسئلة لم يعرفها المسلمون عند نزول الإسلام من مثل التساؤل: هل صفات الله عين ذاته أم غيرها؟ وتولّدت عن جواب السؤال السابق ثلاثة مواقف: أولها موقف يقول بتعطيل الصفات، وثانيها موقف يقول بتأويل الصفات، وثالثها يقر بصفات الله من دون تشبيه وتجسيم، ويقف على رأس الفريق الثالث مالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وابن تيمية وابن القيم الخ...
وأصبح الجواب الذي احتذاه أولئك الأئمة في مجال الصفات هو جواب مالك بن أنس عندما سئل عن الآية: ]الرحمن على العرش استوى[ طه، 5 كيف استوى؟ فأجاب: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". واستشهد ابن تيمية على وجهة نظره بأن التعطيل والتأويل اللذين ارتبطا بمشكلة صفات الله جاءا نتيجة تداخل الفلسفة مع أمور العقائد الدينية، ودلل على ذلك بأن الصحابة سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم أسئلة عن قضايا عدة منها: الأهلة، والمحيض، والخمر، والساعة، والروح، واليتامى، وذي القرنين، والأنفال الخ... ولم يسألوه عن أية صفات من صفات الله مما يؤكد أنها لم تكن موضع إشكال عندهم، وأن الإشكال طارئ نتيجة أمور جديدة، وهي تداخل الأمور الفلسفية مع أمور العقائد الدينية كما ذكرنا.
وربما كانت إشكالية الغيب في عصرنا الحاضر أكبر نتيحة قيام الحضارة الغربية على التجربة الحسية وحدها من جهة، واعتبارها الغيوب الدينية جزءاً من الخرافات عاشت عليها الشعوب القديمة من جهة ثانية، وقد بلورت الحضارة الغربية موقفها المعادي للغيوب الدينية عموما في ضوء معاداتها للدين خصوصاً، والذي جاء نتيجة التصادم بين رجال الكنيسة ورجال العلم في القرون الوسطى، وأثر موقف الحضارة الغربية من الغيوب في بيئتنا الإسلامية على امتداد القرنين الماضيين، ولم يقتصر على الغيبين: صفات الله واليوم الآخر كما كان في العصور السابقة، بل تعداه ليشمل أي حديث غيبي عن معجزة أو واقعة أو خلق الخ...، واحتاج العلماء من أجل التوفيق بين الحضارتين: الغربية والإسلامية الى إعمال مبدأ التأويل، وظهر هذا واضحاً في ما كتبه محمد عبده في "تفسير المنار"، فقد أوّل الجن بالميكروب، وأوّل النفاثات في العقد التي جاءت في قوله ]ومن شر النفاثات في العقد[ بالنمّامات والنمّامين الذين يسعون بالإفساد بين الناس، وأوّل طير الأبابيل بأنه من جنس البعوض والذباب، وأوّل حجارة السجيل بأنها من جراثيم الجدري أو الحصبة، وأوّل كل تلك الأشياء التي وردت في قوله ]ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل[ الفيل، 1 - 4.
وسار على منهج محمد عبده كثيرون من الكتاب الذين تناولوا كثيراً من الأمور الدينية والتاريخية، ومن أبرزهم محمد حسين هيكل في كتاب "حياة محمد" حيث أوّل كثيراً من الأمور الغيبية التي وردت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لتتفق مع معطيات الحضارة الغربية، ولكن السؤال الذي يرد في النهاية: هل استطاعت المدرسة التوفيقية التي دشنها محمد عبده أن تحل الفجوة بين قضية الغيوب في الحضارة الإسلامية وإنكار الغيوب في الحضارة الغربية؟ الحقيقة أنها لم تستطع، لأن قيام الحضارة الغربية على عالم الشهادة وحده من جهة، وإنكارها عالم الغيب من جهة ثانية موقف خاطئ جاء نتيجة ظروف خاصة مرت بها الحضارة الغربية وهي ظروف الصراع بين رجال الكنيسة ورجال العلم كما رأينا، وهذا الموقف لا يقتضي مسايرة الحضارة الغربية والتوجه الى تأويل الغيوب في حضارتنا الإسلامية، بل يقتضي تعديل موقف الحضارة الغربية من قضية الغيوب، وهو ما حاوله البعض كما فعل الكسيس كاريل عندما أقر بالمشكلة في كتاب "الإنسان ذلك المجهول"، وعندما رسم خطوات للعلاج بغض النظر عن حجم هذه الخطوات، المهم أنه بدأ التوجه الصحيح.
* كاتب فلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.