لو كان كل الطغاة في الحياة مثل "عتريس" لكانت الحياة أجمل كثيراً مما نعتقد؟ و"عتريس" هو أشهر طغاة السينما العربية. إنه بطل فيلم "شيء من الخوف" الذي عاث في الأرض فساداً، ساعتين إلا ربعاً، كرهه فيها الناس، وفرحوا وشمتوا به قطعاً حين رأوا أبناء وطنه قريته الدهاشنة يثورون عليه ويحرقونه بالنار بقيادة شادية السينما وفاتنة الغناء الفنانة شادية، ومعه الشيخ ابراهيم الفنان يحيى شاهين. لكن الطاغية "عتريس" كان، من وجهة نظري، طول الأحداث ضعيفاً وهشاً. وعلى رغم كل ما بذله حسين كمال، مخرج الفيلم، وعبدالرحمن الأبنودي وبليغ حمدي من مجازر موسيقية ومذابح غنائية ضده، فالرجل لا يمثل عشرة في المئة من الطغيان الحق الذي نراه في واقعنا العربي. فبالله عليك هل هناك طاغية إلا إذا كان طاغية "عره" خائباً يتنصل منه زملاؤه الطغاة، طول الفيلم لا يستطيع أن يلمس امرأة يحبها ويعشقها ويهيم بها حباً لمجرد أنها قالت له: "أنا رفضت أن أتزوجك ولا أريدك ولن تنالني بخاطري"؟ يا سلام! من هو ذلك الطاغية الرقيق القلب حتى الهشاشة الذي لا يريد أن ينال إمرأة إلا برغبتها وحبها هنا أشك أن "عتريس" كان عنيناً. فلا يوجد طاغية أبداً تهز شعرة من رأسه مشاعر حريمه الرجال العرب الطبيعيون لا يهزهم هذا أساساً فما بالك بالطغاة، بل "عتريس الطاغية في "شيء من الخوف" يتساوى مع الراحل الجميل رشدي أباظه الذي لم يستطع أن ينال شادية للمصادفة في الزوجة الرقم 13 لأسباب أكثر وجاهة كوميدية من أسباب امتناع الطاغية "عتريس" عن اتيان زوجته. ثم من هو الطاغية الذي يعكر صفو حياته مجرد شيخ صمت زمناً أمام طغيانه وجرائمه يردد أن "زواج عتريس من فؤاده باطل" وإيه يعني! لو كان "عتريس" محمود مرسي العملاق طاغياً حقيقياً لا طاغية سينمائياً، لقال ببساطة "إيه يعني باطل باطل يا سلام وهوه كل ما يفعله حلال وجاءت على الزيجة لتصبح يا حرام باطلاً". لكن "عتريس" كان طاغية سينمائياً تهزه مثل هذه الخطب فتوجس وتربص واهتز وابتز في قريته الدهاشنة هل الدهاشنة مشتقة من لفظ دهشة مثلاً أي قريته المدهوشة؟. تراه بلا حبيب أو صاحب أو حليف واحد. وهذا ينم تماماً عن انه طاغية جاهل بالطغيان ويستحق أن يكون طاغية سينمائياً فقط. فالطاغية، كما نراه ونعرفه في أوطاننا، يحرص على الأصدقاء والحلفاء فمثلاً كان على "عتريس" أن يدفع أموالاً يشارك بها تجار القرية حتى يكسب ودهم ومصلحتهم، وكانوا ساعتها يعلقون صوره في المحال والدكاكين، يدافعون عنه ضد الفقراء التافهين. وكان يمكن أن يغرق عتريس شيخين أو ثلاثة من أساتذة القرية وشيوخها بالمال أو الهدايا أو الحماية، حتى يهتفوا بحياته في المدارس ويلهجوا بالدعاء له في المساجد. ولو كان يفهم في الطغيان حقاً، لمنح عمالاً زراعيين أجوراً عالية في مقابل حرث حقوله حتى يشكروا نعمته ويسكتوا على طغيانه، بل يدعوا الله أن يزيدهم طغياناً! لكن الطاغية السينمائي يتبرأ ويستبرئ منه الطغاة حقاً. وإذا كان المؤلفون ثروت أباظه ومحفوظ عبدالرحمن وعبدالرحمن الأبنودي حرصوا على تقديم قلب "عتريس" الرهيف من أول الأحداث حيث لا يستيجب جده الطاغية الكبير حين يأمره بقتل حمامة. ويبكي ألماً وفراقاً على ذبحها، لم يقولوا لنا ماذا يفعل قلب "عتريس" الرهيف حين كان يذبح أمامه عجل أو بقرة. ثم هل معنى ذلك أن كل رفاق "عتريس" في القرية الذين كانوا يصطادون عصافير بالنبل والحجر صاروا طغاة، وصدروا الى القرى الأخرى!! لا علاقة للحمام ولا للحمامة بالطغيان والاستعداد له... أما انه كان يحب فؤادة، فمن الصعب طبعاً ألا يحب أحد شادية إذا وجدها مصادفة. فماذا لو كانت بطلة الفيلم أمامه؟. لكن الحب لم يكن مرة دليلاً الى "طيبة الولد" أو "رهافة الرجال"، بل ان طغاة العالم كلهم كانت لهم معشوقات وعشيقات هاموا حباً وغراماً بهن، ولم يهز هذا حجراً في طغيانهم. فمن هو المجنون الذي أوهم المشاهدين في مشارق الأرض ومغاربها أن الحب نقيض الطغيان ان الحب وحده هكذا من دون سياسة طغيان في حد ذاته. المهم اني لو كنت مكان "عتريس" في "شيء من الخوف" لكنت طاغية أقوى كثيراً وأخلد أياماً وأسعد حالاً، خصوصاً أن الله "رزقني" بقرية مدهوشة متفرجة ساكتة صامتة. فهؤلاء وحدهم الذين يصنعون الطغاة... ويا ليت "عتريس" كان يحكمنا. فهو يوم المنى الذي يحكمنا فيه طاغية سينمائي أبله مهموم بالتصعيد الدرامي ونهاية الفيلم السعيدة.