العرب اللندنية "اليوم نحن نشهد محاولات لأن يكون زواج الدين، كما يفسره البعض، والسياسة زواجا كاثوليكيا لا رجعة فيه ولا انفصام له، بمثل حال أوروبا القروسطية، ولكن أما آن الأوان لأن يكون هذا الزواج إسلاميا." مما يُتندر به من حكايات تاريخية حقيقية، ومن باب "شر البلية ما يُضحك"، أنه في عشرينات القرن المنصرم، ترشح المفكر المصري وأحد أعلام التنوير العربي وأحد الآباء الروحيين لليبرالية المصرية ومؤسس حزب الأمة المصري وأستاذ الجيل كما لُقب لاحقا، أحمد لطفي السيد (1872- 1963) لانتخابات البرلمان المصري عن دائرته الانتخابية في محافظة "الدقهلية"، وكان نجاحه مضمونا لما للسيد من صيت حسن في دائرته، ولما لعائلته من مكانة وأرومة طيبة في تلك الدائرة، ولم يكن هناك أي نصيب ولو ضئيل لمنافسه في الانتخابات أن يفوز، فما كان من هذا المنافس إلا أن يلجأ "للضرب تحت الحزام" كما يُقال، فأشاع بين الفلاحين، وهم الأغلبية الساحقة من أهل الدائرة، بأن أحمد لطفي السيد، ويا للهول، يؤمن بالديموقراطية وبالتالي فهو ملحد لا يؤمن بخالق لهذا الكون. والديموقراطية في النهاية انتهاك لشرع الله، ومن محرمات الدين الحنيف، وتحث على العهر والفساد ومساوئ الأخلاق وكل الموبقات. بل إن منافس "أستاذ الجيل" أشاع بين الناخبين من الفلاحين البسطاء جملة سجعيّة خفيفة الوزن والموسيقى، وجدت طريقا سريعا إلى آذان الفلاحين وقلوبهم مفادها أن ديموقراطي تعني: "أن مراتي تبقى مراتك، ومراتك تبقى مراتي"، فهاج الفلاحون وماجوا، رغم أنهم يُمارسون مظهرا من مظاهر الديموقراطية وهو الانتخابات، ولكنها العاطفة، وخاصة الدينية، والجهل اللذان إذا اجتمعا كانا مرتعا لكل طامع متربص، وذريعة لكل ناعق ووصولي متحذلق، ومطية لكل ماكر لسانه يلهج بذكر الرحمن، فيما قلبه ينبض بكل همزات الشيطان، كما هو حال الكثير من الوعاظ و"الدعاة" هذه الأيام. المهم، عندما سُئل السيد عن حقيقة كونه ديموقراطيا، أجاب بأنه كذلك بكل فخر واعتزاز، فكان أن سقط في تلك الانتخابات سقوطا مدويا، بل وأُحرق مقره الانتخابي، وفاز منافسه بمقعد البرلمان. بطبيعة الحال، وكما كان الحال مع مأساة الفيلسوف الإغريقي سقراط (470 ق.م- 400 ق.م)، أو الراهب والمفكر الإيطالي جيوردانو برونو (1548- 1600) مثلا، نحن نعرف اليوم من هو أحمد لطفي السيد، ونعرف من هو سقراط وبرونو، فيما لا نعرف شيئا عن منافسه في تلك الانتخابات، بمثل ما أننا لا نعرف شيئا عن القضاة الذين حكموا على سقراط بتجرّع السمّ حتى الموت، أو أولئك الذين حكموا على برونو بالموت حرقا، إلا أن بحثنا في أرشيفات التاريخ الدقيقة من أجل بحث أكاديمي دقيق، وهذا ليس من شأننا هنا. شعارات منزوعة "دسم" الدين ما أشبه الليلة بالبارحة في عالم العرب، بل أكاد أقول إنها لا تزال البارحة في هذا الركن المعتم من أركان العالم، كعتمة الوجه الآخر للقمر، والذي لا يريد الزمن فيه أن يتحرك، ولا يريد الليل فيه أن ينجلي، إذ مازال امرؤ القيس يصيح في بيدائه بألم ومرارة: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي، بصبح وما الإصباح منك بأمثل"، وكأن مئات القرون لا تفصلنا عن زمن الشاعر الضليل، والملك الشريد ذي القروح، وهي لا تفصلنا كثيرا بالفعل، فقد لبسنا قشرة الحضارة، وارتدينا مسوح الرهبان السوداء، وعمائم الشيوخ البيضاء، وبشوت "الدعاة" الشهباء، ولكن ما زالت الروح جاهلية والقلوب صخرية والعقول وثنية. ويبدو أن لكل قوم من لغتهم نصيب، إذ من الملاحظ أن اللغة العربية لا يوجد فيها فعل يدل على المستقبل، إذ أن كل الأفعال فيها تنقسم إلى ماض ومضارع وأمر، فأما الماضي فقد عرفناه، وأما المضارع فهو ليس إلا امتداد للماضي، وأما الأمر فهو الفعل السائد في كل الأحوال، منذ أيام أمراء المؤمنين، وحتى أيام زعماء الخلق أجمعين. "الضرب من تحت الحزام"، وخاصة عندما يمتزج الدين بالسياسة في تركيبة شديدة الانفجار، جربتها أمم وجماعات من قبل فاتعظت وعادت إلى عقلها، هو ديدن السياسة في عالمنا المعتم هذا، منذ أن رُفعت المصاحف على أسنّة الرماح، وحتى صيحات سفك الدم الحرام في أرض السواد وبر الشام وخراسان وبلاد ما وراء النهر، باسم الجهاد ولأجل رب معبود كم من الجرائم ترتكب باسمه وهو من كل ذلك براء، مرورا بويلات صفين وكربلاء، وصيحات "إن الحكم إلا لله" و"يا لثارات الحسين"، وشعارات "الإسلام هو الحل"، و"الإسلام دين ودولة، سيف ومصحف"، مجرد صيحات عالية الصوت، وشعارات خلابة العنوان، ولكن كلها خاوية المضمون، منزوعة "دسم" الدين، رغم أنها كلها تتمسح بالدين. وكما فعل خصوم أحمد لطفي السيد، وفعل خصوم غيره على مر تاريخ العرب والمسلمين، فإن شيئا لم يتغير، وكأن شمس العرب واقفة عند نقطة معينة، كما توقفت الشمس من أجل يوشع بن نون في تلك القصة التوراتية. فاليوم، وكما في الأمس، فإن مستخدمي الدين مطية من أجل أغراض غير دينية في أعماقها، يستخدمون ذات السلاح الذي استخدمه منافس لطفي السيد في الانتخابات، واستخدمه أعداء سقراط من المدافعين عن آلهة الأولمب، والمنافحون عن سلطان الكنسية وسلطانهم أيام برونو، فهذا علماني وذاك ليبرالي وهذا حداثي والآخر تغريبي، وكل هؤلاء وأولئك هم من الزنادقة والكفرة ومحبي نشر الفاحشة في كل مكان، فالعلمانية والليبرالية والحداثة والتغريب وغيرها، ما هي في الخاتمة إلا دعوة للإباحية والفجور، وكأن تلك الدول التي تبنت العلمانية منهجا، وتلك الأمم التي قالت بالليبرالية فلسفة حياة، وتلك المجتمعات التي سارت في طريق الحداثة من أجل تحسين حال الإنسان والمكان، ليست إلا مواخير للزنا، وبارات لمعاقرة الخمور، وأوكار لممارسة الرذيلة والجريمة وإدمان السموم البيضاء منها والخضراء، في ذات الوقت الذي هم فيه من المستهلكين لكل ما تنتجه العقول والسواعد في تلك الديار، وفي الوقت الذي لا يجد فيه هؤلاء مكانا آمنا للجوء إليه والتمتع بحقوق الإنسان فيه حين يُضامون إلا في تلك الديار، وهم الفارون بأرواحهم من بطش إخوتهم في الدين، أو الباحثين عن الرزق بعيدا عن "ديار المسلمين" التي ندرت فيها اللقمة، لا لشح في مورد أو قلة في عطاء السماء الكريم، ولكن لفساد عمّ وانتشر حتى أكل الأخضر واليابس، وأهلك البشر ودمّر الحجر، وكل شيء يجري باسم الدين ولأجل الدين الذي اختُزل إلى الدعوة "لتطبيق الشريعة"، والتي اختُزلت بدورها إلى "تطبيق الحدود"، والتي أصبحت في النهاية لا تعني إلا بتر الأطراف وحز الأعناق ورشق الأجساد، وصدى أمر الخليفة والوالي القديم- الجديد: "إليّ بالسيف والنطع يا غلام"، أما مبادئ الإنسان، وقداسة كرامة الإنسان في الدين فقد أصبحت نسيا منسيا، وكأن خالق الأرضين وفاطر السماوات، وهو الذي يسفكون ويبترون ويحزون باسمه، وهو من كل ذلك براء، لا يقول في محكم تنزيله: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا " (الإسراء، 70). فها هي "داعش"، و"النصرة" و"القاعدة" و"حزب الله" و"الإخوان" و"بوكو حرام"، وغيرها كثير من جماعات وعصابات، ترفع الرايات باسم الله، وتفتك بخلق الله ممن لا يعجبها، أو تظن، مجرد ظن، أنه عن الصراط المستقيم قد حاد. بل ها هم "دعاة جهنم" من أصحاب الياقات الذهبية والطرح المنشاة يدعون بالويل والثبور وعظائم الأمور وحز الرقاب لمن خالفهم في الرأي، وكل ذلك يجري باسم الله، والله الرحمن الرحيم من سواد قلوبهم، وعماء بصيرتهم براء. بل إن هذه الجماعات وتلك العصابات تقاتل بعضها بعضا باسم الدين، "وكل منهم يدّعي وصلا بليلى، وليلى لا تقر له بذاك". بل حتى الدول وأصحاب السلطان الذين مكنهم الله في الأرض، يلجؤون إلى الدين و"أحكام الشريعة " كلما أعوزتهم الحيلة، أو أرادوا تبرير ما لا يُبرر من فساد أو ضيم أو عجز عن إدارة سليمة، أو حتى بحثا عن شرعية سهلة وسريعة، فالبسطاء من الناس مثلهم مثل فلاحي أحمد لطفي السيد، مشبوبو العاطفة، فطريو العقل والضمير، ما إن تؤجج هذه العاطفة، وبالأخص إذا كان لها علاقة بالمقدس لديهم، ساروا وراء كل ناعق في الفلاة، وعاوٍ في الخرائب القديمة. فالرئيس المصري الراحل أنور السادات مثلا، استعان بالدين من أجل قمع الخصوم وتكميم الأفواه، بصفته "كبير العائلة" (البحث عن أب)، وبصفته "الرئيس المؤمن" (البطريرك الروحي)، وفي النهاية اغتيل بذات السيف الذي جرده لقتل خصومه: سيف الدين، وعشق ليلى. وما السادات، رحمه الله، إلا مثل، وإلا فإن مثله الكثير ممن سبقوه من الخلفاء والولاة، وممن لحقوه من الزعماء والرؤساء، دون أن يستوعب أحد منهم أن الدرس قد انتهى، وهو الدرس الذي استوعبته أوروبا من قبل حين بدأت نهضتها التي سادت بها العالم في النهاية، ولكن يبدو أن البعض يحتاجون لمشاهدة مسرحية "انتهى الدرس يا غبي"، للفنان محمد صبحي، المرة تلو المرة، على أمل العظة وبرجاء الوعي، رغم الشك بحدوث ذلك. هذه هي العلمانية قبل سنوات عدة تتجاوز الخمس عشرة سنة، إن لم يكن أكثر، كتبت مقالة بعنوان "العلمانية: ليست شرّا كلها"، ضمنتها بعد ذلك كتابا بعنوان "السياسة بين الحلال والحرام"، ذكرت فيها أن الشيخ أبو الحسن الندوي، وهو ليس بيهودي أو نصراني أو وثني، بل مسلم موحد، قال في ندوة نظمتها جمعية المثقفين المسلمين في الهند عام 1991: "لو فقدت البلاد –لا قدر الله- العلمانية والجمهورية واللاعنف، سوف لا تبقى البلاد كما هي.. إن العلمانية تشبه شجرة لا تقربها الحيات والعقارب والدويبات السامة الأخرى، وإنها ضمان لسلامة الشعب الهندي وسلامة البلاد" (المصدر: مجلة البعث الإسلامي، العدد9، المجلد 39، جمادى الأولى 1412ه). لو قال هذا القول دون إشارة لقائله، وقرأه واحد من محترفي الصيد في الماء العكر، والذين لا يستطيعون العيش إلا في البرك الآسنة، لقال إن صاحبه علماني خبيث يُريد الدفاع عن الفاحشة ومساوئ الأخلاق باسم الحديث عن سلامة الوطن وصحة المجتمع، ولكن قائله مسلم وشيخ فقيه أيضا، يتحدث عن واقع معين وليس انطلاقا من أطر أيديولوجية، أو هوى ذاتي في هذه الحالة. هذه العلمانية التي يتحدث عنها الشيخ، وما تحمله من ثقافة التسامح والمساواة في ظل القانون وقيم المواطنة وفق مبدأ "الدين لله والوطن للجميع"، هي التي جعلت الهند، ذات الأعراق والديانات والطوائف العديدة واللغات التي تصل إلى 24 لغة، فرس رهان في عالم اليوم، وفي مختلف المجالات سواء العلمي منها أو الاقتصادي أو السياسي، وحيث يصل فيها رجل مثل "زين العابدين عبدالكلام"، المسلم الديانة إلى سدة الرئاسة، في مجتمع أغلبيته الساحقة من الهندوس، بعد أن أشرف على صناعة قنبلتها النووية بدافع حب الوطن أولا، فيما جارتها وتوأمها دولة الباكستان (كلاهما استقل عام 1947)، لا تزال غارقة في مشكلاتها وحروب طوائفها، ولجّة التنظير حول الكفر والتكفير، وتكتظ بجماعات الدم والرعب والإرهاب، ودعاة بتر الأطراف وحز الرؤوس، ناهيك عن الحال في دولة مثل أفغانستان، كانت تحاول السير، بل وتحبو على مدارج الرقي ورفاه الإنسان، حتى اختلط فيها الحابل بالنابل، حين دخلت معادلة الدين والسياسة إلى الحياة الأفغانية بقوة، فضاع الدين ولم تكتسب السياسة. بل ومن أجل ذلك، وهذه نقطة هامة وإن كانت جانبية، نجد أن العمالة الهندية في مختلف أنحاء العالم، وفي منطقة الخليج خاصة، هي الأكثر أمنا وسلما في مجتمعات عملها، يستوي في ذلك المسلم وغير المسلم، لأنهم نشأوا في مجتمع أخرج معادلة مزيج الدين والسياسة شديد الانفجار من حساباته، وذلك كما يؤكد بحث عن العمالة الآسيوية في منطقة الخليج العربي، قدمه "الدكتور عبدالله المدني"، لندوة مجلة "العربي" الكويتية، في يناير/ كانون ثاني، عام 2011، وضمنه كتابه الأنيق "ومضات من آسيا: ما صنعه كومار ولم يفعله عبدالفضيل". هذه هي العلمانية، بعيدا عن تشويه بطاركة الكنائس في كل دين، والتي يصمها "دعاة جهنم" بكل رذيلة وكل نقيصة، فأصبح اسمها، بالإضافة إلى أسماء أخرى، رديف كل عار وعنوان كل شنار، والمسألة في البداية والنهاية ليست إلا دفاعا عن مواقع ومراتب ومكاسب ما أنزل بها الحق من سلطان. قد يُقال إن العلمانية إفراز تاريخي غربي، كان نتيجة تحكّم المؤسسة الدينية المسيحية (الكنيسة) بكل شؤون الحياة، رغم أن المسيحية تفصل ما بين الدين والسياسة، وفق مقولة المسيح عليه السلام: "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"، بينما الإسلام "دين ودولة، سيف ومصحف"، وهي مقولة لحسن البنا، مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين، ويظنها البعض نصا مقدسا. ولكن اليوم، حتى الإسلام حوّله البعض إلى نوع من الكنيسة المتحكمة بكل شاردة وواردة في حياة المسلم، نافية كل فعل حر وإرادة حرة له، حتى أنها تُدخل النار من تشاء، وتُخرج من الجنة من تشاء، في تشابه كبير مع "صكوك الغفران" التي كانت تُصدرها الكنيسة الكاثوليكية، قبل حركة التصحيح اللوثرية في القرن السادس عشر، رغم أن خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، هو القائل في الحديث الصحيح: "إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر"، (رواه مسلم والنسائي)، وفي رواية أحمد: "ما كان من أمر دينكم فإليّ، وما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به"، وفي رواية أخرى: "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، ولكن يبدو أن البعض يسعى إلى أن يكون فوق مستوى البشر، رغم أن الرسول المصطفى يقول "إنما أنا بشر"، فيفتي في أمور الدين والدنيا معا، ولا أظن أن " الكنيسة " كانت تفعل غير ذلك. وحين الحديث عن السياسة، بجانب أمور أخرى لا يتسع المجال للحديث عنها، فإني لا أظن، بل أؤمن جازما، أنها أمر من أمور الدنيا في الأول والآخر، ولكن بعض الناس لا يريدون أن يعلموا، ولا أقول لا يعلمون. اليوم نحن نشهد محاولات لأن يكون زواج الدين والدنيا، الدين، كما يفسره البعض، والسياسة زواجا كاثوليكيا لا رجعة فيه ولا انفصام له، بمثل حال أوروبا القروسطية، ولكن أما آن الأوان لأن يكون هذا الزواج إسلاميا، يمكن الخروج منه بيسر وسهولة، إذا تبين أنه زواج باطل، أو أنه لا يخدم مصلحة الأسرة ووئامها واستقرارها؟ شيء من الخوف في فيلم "شيء من الخوف"، المأخوذ عن رواية للراحل ثروت أباظة بنفس العنوان، للمخرج الراحل حسين كمال عام 1969، وبطولة الراحل محمود مرسي (عتريس)، والفنانة شادية (فؤادة)، والراحل يحي شاهين (الشيخ إبراهيم)، يتزوج الطاغية عتريس بحبيبته منذ الصغر فؤادة، ولكن فؤادة لا تقبل الزواج منه، بعد أن تجبّر واستبدّ رغم حبها القديم له، فيتزوجها عتريس دون رضاها، وسط صمت أهالي القرية التي أرعبها عتريس، رغم علمهم ببطلان الزواج، إلا الشيخ إبراهيم الذي يُعلن بطلان الزواج، فيقتل عتريس ابنه الوحيد ليلة زفافه، وهنا تثور القرية وتتجه إلى منزل عتريس، وتحرر فؤادة من قبضته، ويفر رجال عتريس طلبا للنجاة، وينتهي الفيلم بموت عتريس محترقا في بيته، ونظرات فؤادة تعكس حزنها لمصير حبيبها القديم، الذي كان طاهرا وبريئا، ولكن حقد جده وتحجر قلبه، والسلطة التي آلت إليه أثملته، فطغى وتجبّر، ودفن كل حس إنساني فطري في أعماقه، وكانت نهايته غير متوقعة. فيلم من أعظم ما أنتجته السينما المصرية، يكاد يصف الحال في كثير من البلاد، وخاصة بلاد العرب والمسلمين، ويصور كثيرا موضوع هذه المقالة. من هو عتريس، ومن هي فؤادة، ومن هو الشيخ إبراهيم، وأين يكمن الدين، وأين تكمن الدنيا، وما هو موقع السياسة في كل ذلك؟ هذه أمور أتركها لكم، فالفن والأدب لا يفسره إلا متذوقه، وإن حاول النقاد النفاذ إلى أعماقه.. طبتم وطاب لكم الدين والدنيا معا..