"وحدها الأنظمة الديكتاتورية والقمعية والمعادية للسوفيات هي التي قررت أن تتغيب" أما بقية أمم العالم فقد "سارعت الى الحضور، متجاهلة النداءات الاميركية وشتى ضروب الوعيد والتهديد. وعلى ذلك النحو تمكنت موسكو في اليوم التاسع عشر من تموز يوليو 1980، من أن تفتتح ألعابها الأولمبية الدولية، وسط احتفالات هائلة ووسط تدابير أمنية استثنائية. كانت تلك هي الألعاب الأولمبية الأولى التي تقام في عاصمة اشتراكية، وحتى أسابيع قليلة قبل افتتاح الألعاب كانت ايديد السوفيات على قلوبهم، إذ ان الدلالات كافة كانت تشير الى أن دولاً ولجاناً أولمبية عدة سوف تقاطع الألعاب الموسكوفية. في النهاية كان عدد الدول المشاركة ثمانين دولة، وعدد الرياضيين المشاركين أكثر من خمسة آلاف وستمئة رياضي. ولقد ظلت موسكو حتى فترة طويلة بعد ذلك تردد أن أهم ما في الأمر هو أن ثلاثة أرباع الدول التي كانت حازت العدد الأكبر من الذهبيات والفضيات والبرونزيات في دورة مونريال السابقة 1976 قد شاركت، ما يعني أن الرياضة، في النهاية انتصرت على المقاطعة الامبريالية، وان واشنطن اخفقت جزئياً في حملتها التي كانت بدأت تشنها منذ بدايات ذلك العام. مهما يكن في الأمر، فإن "اخفاق" واشنطن كان جزئياً، وكذلك كان "انتصار" موسكو نسبياً. فالحال ان تلك الدورة الأولمبية كانت واحدة من أسوأ الدورات، الى جانب دورة ميونيخ 1972 التي شهدت العملية الفدائية الفلسطينية الشهيرة، ودورة مكسيكو سيتي 1968 التي شهدت مجزرة الطلاب على أيدي قوات الأمن. ولكن لماذا خاضت واشنطن تلك الحملة ضد ألعاب موسكو الأولمبية؟ ببساطة، وبحسب قول واشنطن، بسبب الغزو الذي قامت به القوات السوفياتية الى الأراضي الأفغانية قبل ذلك بأشهر قليلة. ففي أواخر شهر كانون الأول ديسمبر 1979 دخلت القوات السوفياتية افغانستان لتساند الحكم الشيوعي المنقلب هناك، وبعد أسبوع أعلن الرئيس الأميركي جيمي كارتر فرض حظر على موسكو وعقوبات عدة. وفي 20 كانون الثاني يناير، طالب كارتر بنقل الألعاب الأولمبية المقبلة من موسكو، إن لم تنسحب قوات الجيش الأحمر في أفغانستان خلال شهر واحد. طبعاً لم يستجب السوفيات للانذار، وأصر سيد الكرملين ليونيد بريجينيف على أن لا علاقة بين الأمرين. وهكذا وجدت واشنطن نفسها في حيرة، خصوصاً أن اللجنة الأولمبية الدولية لم تسع الى نقل الألعاب العتيدة من موسكو. وقررت واشنطن، عند ذاك، أن تقوم بحملة لمقاطعة الألعاب الأولمبية، بادئة مساعيها في الضغط على الدول الصديقة لها والدول المحايدة. ولما كان يوم 24 أيار مايو هو الموعد النهائي للرد على دعوة موسكو الموجهة الى شتى دول العالم ورياضييها، للمشاركة في الألعاب، كان على الاميركيين أن يتحركوا في سرعة. وكان مما يزيد من صعوبة الأمر بالنسبة اليهم، أن المشاركة في الألعاب ليست رسمية أي عن طريق الحكومات، بل عن طريق اللجان الأولمبية ذات الاستقلالية النسبية في اتخاذ القرار. وهكذا كان على واشنطن ان تعمل على اتجاهات عدة. فمثلاً، لئن كانت روماولندنوكانبيرااستراليا وافقت على المقاطعة فإن لجانها الأولمبية رفضت ذلك، فكان أن رفضت روما منح موظفيها الرياضيين اجازات تمكنهم من المشاركة. ورفضت كانبيرا مد لجنتها الأولمبية بالمساعدات الضرورية، وكذلك كان حال لندن. في الوقت نفسه رفضت فرنسا، الرسمية والرياضية، الاستجابة الى المقاطعة، فيما استجابت اليها وكان هذا مفاجئاً بالطبع الصين التي كان يفترض بتلك الدولة أن تسجل عودتها المظفرة الى الألعاب الأولمبية، بغد غياب. وهكذا اختلط الحابل بالنابل، وطلب الزعيم بريجينيف من معاونيه التصدي للحملة مهما كلف الأمر، حتى ولو ارتفعت الميزاينة المخصصة للألعاب أربع مرات عن الرقم المخصص لها. وارتفعت بالفعل إذ ان موسكو راحت تسد النقص في بعض الميزاينات الأولمبية. وكان من نتيجة هذا كله، في نهاية الأمر، أن أقيمت الألعاب مفتتحة يوم 19/7/80، بمشاركة القسم الأكبر من الدول. وسيقول المعلقون ان كل ذلك الهيجان السياسي نسي اعتباراً من ليلة الافتتاح، حيث انصرف الرياضيون الى هواياتهم ومبارياتهم. أما واشنطن فإعتبرت نفسها منتصرة. واما موسكو فقد ردت بعد 4 سنوات لكن تلك حكاية أخرى. الصورة: بريجينيف، حرب رياضية مع واشنطن.