كما انه كانت للولايات المتحدة كارثتها الخارجية في فيتنام، غرق الاتحاد السوفياتي في ذلك الحين بدوره، في وحول آسيوية، في افغانستان هذه المرة، فكان هناك تدخله العسكري الاول والاخير. القوات السوفياتية التي وصلت افغانستان قبل غيرها، كانت تلك التي ارسلت، جواً، يوم 26 كانون الاول ديسمبر 1979، وتلتها قوات اخرى راحت تصل يومياً تقريباً، حتى وصل العدد خلال ايام قليلة الى مئة الف جندي توزعوا في مناطق افغانستان الجبلية الوعرة. وكان ذلك اول تدخل عسكري سوفياتي، عن طريق قوات المشاة، خارج بلدان المنظومة الاشتراكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. على الفور انتظمت في وجه ذلك الغزو السوفياتي جماعات "المجاهدين" المسلحة التي كانت تحارب كيفما اتفق باسم الاسلام وضد الشيوعية، قبل ان تحصل على مساعدات دولية ولا سيما من قبل الولاياتالمتحدة الاميركية التي وجدت من مصلحتها، في ذلك الحين، ان تتحالف مع الاصولية الاسلامية ضد السوفيات. مهما يكن في الامر، فان المجاهدين، حتى من قبل التدخل العسكري السوفياتي المباشر، كانوا اطلقوا على بلدهم اسم "فيتنام السوفيات" موحين بأن موسكو سوف تغرق في وحول هذا البلد تماماً كما سبق لواشنطن ان غرقت في وحول فيتنام. والحقيقة ان هذا حدث حقاً، ونال الاتحاد السوفياتي في ذلك البلد واحدة من اقسى هزائمه، الهزيمة التي ستساهم ليس فرطه وحده، بل في فرط المنظومة الاشتراكية كلها. ولكن الامور لم تكن وصلت الى هذا الحد في ذلك الحين. كان الامر اشبه باللعب على مسرح مغلق. وموسكو حين تدخلت، انما كان تدخلها في ذلك الحين لنصرة فريق شيوعي على فريق آخر من بين حكام افغانستان. فالواقع ان الرئيس الماركسي نور محمد طرقي كان منذ انقلابه على رفاقه في العام 1978 وتبوئه السلطة قد حاول ان ينشئ دولة شيوعية ذات مركزية، ولكن في بلد يعيش لامركزية تقليدية منذ قرون وقرون. فكان ان نجح فقط في استفزاز الاصوليين الاسلاميين. وهكذا كانت النتيجة ان انقلب عليه نائبه حفيظ الله أمين وقتله. غير ان امين لم يكن اكثر نجاحاً من سلفه في تعزيز حكمه. وهكذا تمكن المجاهدون من السيطرة بسرعة على ثلاثة من اصل ال28 اقليماً التي تتألف منها افغانستان. وراح المجاهدون يتقدمون ما ادى الى اغاظة السوفيات الذين لا يريدون ابداً خسارة دولة تشكل لهم صمام امان بين حدودهم وبقية بلدان القارة الآسيوية. وكان واضحاً ان السوفيات مغتاظون من امين كذلك، لذلك عمدوا قبل توجيه قواتهم الى المناطق النائية الى التوقف في كابول حيث اسقطوا امين وعينوا بابراك كارمال مكانه. على الفور جاء رد الفعل الاميركي غاضباً، وراحت واشنطن تقود حملة معارضة عالمية للتدخل السوفياتي، وفرضت حظراً على تصدير القمح الى الاتحاد السوفياتي ما وضع العلاقة بين واشنطنوموسكو على شفير الهاوية. ووصل ذلك الى ذروته حين قاطعت 59 دولة بقيادة الولاياتالمتحدة الالعاب الاولمبية الصيفية في موسكو. غير ان ذلك كله ظل هيناً امام الهزائم الميدانية التي احاقت هناك بالسوفيات في حرب طالت تسعة اعوام وفقد هؤلاء خلالها 15 الف جندي وجرح لهم 30 الفاً. وأدى ذلك كله الى انهيار سمعة الاتحاد السوفياتي وساهم، كما اشرنا، في انفراطه.