"سيدة المسرح في سورية" أو "نجمة الشاشتين والمسرح" جملتان اختصرت بهما الفنانة منى واصف تاريخ حياتها الفنية واستعاضت عنهما باسمها، الذي تختصر وجودها فيه، ألا وهو "أم عمار". "منى واصف، احفظوا هذا الاسم سيكون له شأن في الفن". هكذا قال عنها أحد النقاد منذ ما يزيد عن ربع قرن، وهكذا كان، حلّت منى واصف "سفيرة الأممالمتحدة للنيات الطيبة في سورية". إلا أنها سرعان ما جعلت من منصبها منطلقاً لنشاطات إنسانية واجتماعية ولكن طبعاً من غير أن تهمل الفن لحظة. هنا حوار معها: بين السفراء المختارين حالياً توجد السيدة صفية العمري التي كسرت القاعدة وأثبتت للجميع أن المرأة قادرة على تأكيد حضورها أينما وُجدَ الرجل وأنت حذوت حذوها، فماذا تقولين في ذلك؟ - لي أن أقول أنني كنت أشعر بداخلي أنني سفيرة لوطني وبلدي سورية قبل اختياري لهذا المنصب الذي اعتبره نقطة نجاح أخرى في مسيرة حياتي الشخصية والفنية، وكنت دائماً اتساءل في قرارة نفسي عندما عُين الفنان دريد لحام سفير اليونيسيف للطفولة في سورية ثم شمال افريقيا وبعد ذلك تم اختيار الفنان جمال سليمان لهذا المنصب سفيراً لقضايا الانفجار السكاني، لماذا لم تتبوأ المرأة أي منصب كهذا سوى السيدة صفية العمري مع أن منظمة الأممالمتحدة وهي كمؤسسة عالمية لا تفرق النسوة عن الرجال وعندما اختاروني أيقنت ذلك. ما هي الخطط التي وضعتها من أجل الارتقاء بمستوى المرأة في الوطن العربي؟ - أن منصبي الجديد كسفيرة يساعدني جداً في محاولة جادة لتمكين المرأة من التعليم والحق في المراكز القيادية أي في ترشيح نفسها على سبيل المثال الى البرلمان وخاصة في الكويت فلقد تقلدت المرأة الكويتية منصب مدير الجامعة ووكيل الوزارة وبدأت أخيراً بالمطالبة بحقوقها السياسية كالدخول الى البرلمان. إلا أن ظروفاً مختلفة حالت دون ذلك لتحفظ بعض النواب على هذه الحقوق بمرافقة ظروف أخرى كتصور البعض أن المرأة خلقت للبيت فقط وليس للعمل السياسي والميداني وهكذا فهذا المنصب له اتجاهات عدة يمكن أن يتشعب بحسب النية الحسنة التي ستؤدى وإعطاء النظرة والرأي الصحيح. قلت مرة أنك لا تحبين السلطة وفي مقابل ذلك تمنيت أن تلبي دور شجرة الدر ودور أنديرا غاندي، والشخصيتان صاحبتا سلطة، كيف تفسرين ذلك؟ - الشخصيتان متميزتان بعضهما عن بعض على رغم الاختلاف الكبير بينهما، وإذا كنت قد تمنيت هذا فلأن هاتين الشخصيتين ظلتا في طموحي ولم تتحققا ولكني ما زلت أسمع صراخ "منيرة" في مسلسل "أسعد الوراق" وأعشق "لوسي" في مسرحية جان بول سارتر "موتى بلا قبور" وأحب شخصية "دورين" في مسرحية "طرطوف" وشخصية "جينفيكا" في مسرحية "حرم سعادة الوزير". وعلى رغم أنني أنتهي من الشخصية بعد أدائها إلا أنها عندما تذهب تترك شيئاً في نفسي لأن أكثر أدواري كانت حزينة وشرسة وحنونة في الوقت نفسه. ولكنني أحاول تجاوز هذه الشخصية الى شخصيات مقاومة وأرجو أن لا أتهم بالنرجسية وحب الانتقام. كنت دائماً تعطين في أدوارك انطباع المرأة القوية المتسلطة والمتحكمة في شؤونها وشؤون غيرها، هل أنت كذلك في حياتك خارج أضواء الكاميرا؟ - صحيح أنني أسعى لتشخيص هذه الأدوار أي أدوار المرأة القوية القادرة على التحكم. ولكني خارج الأضواء وفي حياتي العادية أعرض عن هذه الشخصيات لأعود الى بيتي وابني عمار وزوجي الذي أعتبره الأب والزوج الحنون. أنا إنسانة عادية تؤدي واجباتها في بيتها وعليها مسؤولية كأي امرأة تؤديها على أكمل وجه، كما أنني أقرأ كثيراً وأسقي ورود منزلي واتصل دائماً للاطمئنان على صديقاتي خوفاً من المرض الذي أبكي عنده كثيراً. وهكذا أنا في انتقاء أدواري، إذا لم يقدم المرأة كعمل فأنا أرفضه. ما السبب في هجر أكثر الممثلين المنصة المسرحية الى التلفزيون مع أن المسرح أبو الفنون وسيد الموقف عند الفنان؟ - لأن التلفزيون له متعته الخاصة له وانتشاره الذي يضعف الممثلون أمامه. هذا إضافة الى المردود المادي الأكبر. ولكن ما زال وسيبقى المسرح أبا الفنون وله القيمة الأولى بين الفنون كلها وله الريادة منذ آلاف السنين. قلت مرة "لست راضية تمام الرضى، ولكن المكانة التي وصلت إليها تجعلني "مطمئنة"! ما المكانة التي ستصل إليها منى واصف كي تكون راضية عن فنها؟ - أتمنى أن أستطيع تقديم المزيد من الأعمال الفنية المتطورة، أما أين أقف فلا أتصور أنني سألت نفسي هذا السؤال. المهم أنني أسير وإلى الأمام فهاأنذا قدمت منذ ولادة المسرح في الستينات مسرحيات عدة، في حين لم يكن في سورية سوى ثلاث مجموعات رئيسية في دمشق وهي: فرقة المسرح العسكري، وندوة الفكر والفن والمسرح القومي. وفي ذلك الوقت كانت نقلة نوعية في تاريخ المسرح السوري أي ولادته، وكان المسرح القومي مدرستي الأولى في المرحلة المتطورة منه التي يمكن أن نسميها الولادة الثانية للمسرح حيث تجاوز مفهوم الفن التجاري. كيف تنظرين الى واقع المسرح في المرحلة التي تبوأت فيها أعمال البطولة؟ - إضافة الى المسرح القومي هناك ندوة الفكر والفن التي أصبحت الفرقة الدرامية التابعة لوزارة الإعلام، وقد صقلت تجربتي المسرحية التي أعتبرها أغنى التجارب في مسيرتي الفنية. وقد اعتزلت لمدة عام واحد وعدت لأتابع هذه المسيرة في المسرح القومي الذي كنت بطلته على مدى عشرين عاماً. وقدمت فيه ثماني وعشرين مسرحية باللغة الفصحى، وهي من الأعمال الصعبة ومن الأعمال العالمية حتى أن آخرها كان مسرحية "حرم معالي الوزير" التي أعيد عرضها ثلاث مرات. ولكن النظرة الشاملة الى المسرح في تلك المرحلة كانت قد تجاوزت المسرح التقليدي في سورية وكانت كما قلت بإشراف وزارة الإعلام أو مؤسسات تربوية وثقافية أو الجامعة، ولهذا الانطباع أثر كبير في تكوين تجربة المسرح السوري وصقله ضمن بوتقة التجارب الفنية، وفي تلك المرحلة كان يختار المخرجون فنانين للسينما والتلفزيون وشرطهم الأول أن يكون هذا الفنان قد نضج مسرحياً. ماذا عن تجربتك مع الشاشة الكبيرة، السينما، وخصوصاً في فيلم "الرسالة" الذي قال عنه النقاد أنك قد وصلت به الى العالمية؟ - هذه التجربة الفنية كانت حصيلتي مع الشاشة الكبيرة عشرة أدوار في عشرة أفلام أعتز بها وأشعر أنني أديت فيها بشكل صحيح ومتقن، سواء مع القطاع الخاص والعام وكان هذا في بدايات عام 1966 في فيلم "سلطانة" وهو فيلم من إخراج رضا ميسر ثم عملت مع الثنائي دريد ونهاد ثم تفرغت للعمل في المسرح والتلفزيون. وكانت هذه الأفلام: "الرسالة" من إخراج مصطفى العقاد وإنتاجه، "وجه آخر للحب" إخراج محمد شاهين وهو زوجي، "اليازرلي" إخراج قيس الزبيدي، "بقايا صور" إخراج نبيل المالح، "آه يا بحر" إخراج محمد شاهين، "الطحالب" إخراج ريمون بطرس، "قتل عن طريق التسلل" إخراج محمد شاهين، "الشمس في يوم غائم" إخراج محمد شاهين. وهذه كلها من إنتاج المؤسسة العامة للسينما. أما فيلم الرسالة فقد كان لي دور "هند" في النسخة العربية وفي النسخة الأجنبية كانت "ايرين باباس". وبالطبع الدور مختلف وخصوصاً طابع الانتقام، وما يهمني في هذا الفيلم أنني أوصلت ما أردت الى المشاهد مهما كانت الصعوبات ولكن وهذا رأيي أن هذه الأفلام وغيرها من ذات المستوى ممكن وبسهولة أن توصل إنتاجنا إلى العالمية، وعندها فقط نستطيع أن نرشح أنفسنا ليس لأوسكار واحد بل لعدة أوسكارات، وهنا أستدرك لأقول أن هاجسي كان الأوسكار لأن نوعية الأفلام التي قدمتها لا تقل أهمية عن الأدوار التي مثلتها الفنانات اللواتي حصلن عليه. هل حققت لك الشاشة الصغيرة انتشاراً أكثر من المسرح وخصوصاً أن الفضائيات قد غزت الناس وأزاحت مكان السينما والمسرح لتتصدر المكانة الأولى؟ - إن للتلفزيون مكانة مميزة في مسيرتي. وأعترف أنه حقق لي الانتشار الأوسع. فقد لعبت أمام الكاميرا للشاشة الصغيرة أدواراً منوعة ومختلفة عن المسرح كما في "الدبابير" و"زيارة السيدة العجوز" و"الزباء" و"شبكة العنكبوت" و"زمن الحب" و"وحوش المصاطب" و"عيلة أكابر" و"دليلة" و"الزئبق"... وجميعها تركت آثاراً في نفوس المشاهدين وكذلك "الخنساء" و"الذئاب" و"الشعلة" و"عذاب" و"وادي المسك" و"جواهر" و"الخشخاش" و"مربط الفرس" و"الميراث" و"الزمن المر" مع ممثلين من لبنان وسواه، وكلها ساهمت مساهمة فاعلة في انتشاري. كان حلمك أن تكوني أديبة منذ طفولتك، لماذا لم يتحقق هذا الحلم؟ - أعتقد وبعد هذه المسيرة وهذه السنين الطويلة من عملي كممثلة وقد أصبح عندي هذا الكم من القراءات من الأدب العالمي وفي شتى أنواع الأدب أنني لن أصل الى مكانة هؤلاء الأدباء ولكني أستطيع أن أمثل ما كتبوا، ومع هذا ما زلت أعشق هذا الحلم القديم، حلمي وحدي.