بدأ الفنان يوسف شعبان رحلته الفنية منذ مطلع الستينات، وواصل عطاءه على امتداد ما يقارب نصف قرن، في رحلة فنية تميزت بالتنوع والغنى قدم خلالها مجموعة من الأدوار المختلفة. "الحياة" التقته وسألته عن مشواره السينمائي وأهم أدواره ومسؤلويته كنقيب للممثلين. هل ظهورك بطلاً سينمائياً، بداية الستينات، بوجود كوكبة من النجوم، عثر نجوميتك السينمائية؟ - نعم. فبعد تخرجي في معهد الفنون المسرحية عام 1963، وجدت "حائط صد" من الفتيان الأوائل من مثل فريد شوقي ورشدي أباظة وأحمد رمزي وأحمد مظهر وكمال الشناوي وشكري سرحان وحسن يوسف وغيرهم. وكان صعباً على وجه جديد اختراقه، وإن كان يتمتع بالوسامة والقبول. فلم أجد أمامي إلا أدوار الشر التي كان يهرب منها النجوم خوفاً على نجوميتهم. وعلى رغم هذا، كان اعتذار رشدي أباظة عن دور "البلطجي" في فيلم "المعجزة" سبب بطولتك السنيمائية الأولى أمام فاتن حمامة وشادية؟ - رشدي أباظة لم يعتذر عن الدور، لكنه طلب أجراً مرتفعاً فرفض المنتج واستعان بي، لأن أجري كان قليلاً على رغم إنني كنت مرشحاً في الشريط نفسه لدور الولد الوسيم خطيب فاتن حمامة، وقد أدّاه بعد ذلك عمرو الترجمان. وأثناء تمثيلي الدور وقعت عقود ثلاثة أفلام، أدواري فيها شريرة. وبعد عرض "المعجزة" نجح جداً وبدأ اسمي يتردد بقوة في الوسط الفني! عامي 1963 و1964 قمت ببطولة 13 فيلماً. كيف استطعت أن تمثلها جميعاً؟ - كنت سعيداً بنجوميتي السينائية، وكان تصوير الفيلم لا يتطلب أكثر من شهر ونصف شهر. وكانت أدواري مرحة وبسيطة واسمي مطلوباً. على رغم بدايتك، كبطل سينمائي في غير فيلم، لم تستمر في أدوار البطولة. لماذا؟ - لأكثر من سبب، أهمها اثنان. الأول ان السينما، في نهاية الستينات وهي مرحلة انتشاري الكبير، كانت تمر بظروف صعبة وعثرات. اضافة الى تحكم الموزع الخارجي بها، ما أثر فيَّ كنجم جديد، وكان آخر أفلامي المهمة، في تلك المرحلة "ميرامار". والسبب الثاني ان مخرجين كثراً "حبسوني" في أدوار الشرير. فأعدت ترتيب أوراقي، وقررت ألا أمثل إلا كل ما هو جيد، وركزت على التلفزيون. كيف تنظر الى شخصية الانتهازي "سرحان البحيري" في "ميرامار" للمخرج كمال الشيخ؟ - "سرحان البحيري" ليس انتهازياً. هذا مفهوم سطحي للدور. لكنه شاب، مثل أي شاب، يملك طموحات وأحلاماً ووجهات نظر، لكنه يصطدم بواقع يسلبه أحلامه ويدمر طموحاته. والدليل أنه قطع شريان يده وانتحر لأن في داخله انساناً شريفاً. إلا أن الظروف دفعته الى الانحراف. وهذه الصيحة أراد أن ينبه الكاتب نجيب محفوظ، من خلالها، المجتمع كله الى ان اهمالنا الشباب وعدم اعطائهم دوراً ايجابياً في المجتمع وعدم توافر المستقبل الملائم لأحلامهم، سيدفعهم الى الهاوية ويجعلهم "حرامية". وهذا ما حدث ل"سرحان البحيري". من أدوارك السينمائية الجريئة والمهمة جداً، دورك في فيلم "حمام الملاطيلي" اخراج صلاح أبو سيف حيث جسدت شخصية الرسام "رؤوف" الشاذ جنسياً. كيف استطعت تأديته؟ - هذا الدور لن يموت على الاطلاق وسيظل حياً، ما بقيت السينما. وتأكد ان ما من ممثل سيمكنه القيام به، أو يجرؤ على قبول دور مشابه له على الاطلاق. ففي تاريخ السينما المصرية الماضي لا أحد جرؤ، وفي المستقبل لن تجد من سيجرؤ، على أداء دور كهذا! كان الدور صيحة تنبه الأسر العربية الى أن تهتم بأطفالها ولا تتركهم للخدم. وقد مثل لي نوعاً من الاستفزاز: هل يقل الفنان المصري قدرة عن الفنان الغربي في أداء مثل هذا الدور، خصوصاً أن كثراً من الممثلين العالميين أدوه، من مثل بيتر أوتول وهمفري بوغارت ورود شتايغر وغيرهم، ونالوا عنه جوائز عالمية. وسعدت جداً عندما علمت أن المخرج يوسف شاهين درّس أدائي في هذا الدور، الطلبة في معهد السينما. هل خفت من أداء هذا الدور؟ - بالعكس تحمست له. أولاً لإيماني بأن الجمهور واعٍ ويدرك أن هذا تمثيل. وثانياً لأن المخرج صلاح أبو سيف قال لي ان الدور عرض على المخرج يوسف شاهين، لكنه رفضه، وانه يحتاج الى ممثل جيد جداً. استفزني فنياً بكلامه، فقدمته. قلت في أحد أحاديثك انك تحب تجسيد أدوار الشر. لماذا؟ - لأنها تتطلب قدرات وامكانات أكثر مما تستلزمه أدوار الفتى الأول. ولأنني بدأت بها مشواري السينمائي. لكن الفنان حسين رياض أشفق عليّ لأنه كان يعلم أن هذه الأدوار كثيراً ما تكون ثانوية بعد أدوار البطولة، فقال لي: "انت ممثل جيد وستثبت وجودك سواء في أدوار الشر أو الخير، ولكن قلل من مثل هذه الأدوار لأن الجمهور يصدق أن الممثل الشرير، شرير في الطبيعة". لكنني لم أتنبه الى هذا الكلام إلا بعد مدة. قدمت مجموعة من الأفلام اللبنانية مثل "أمواج" و"قطط شارع الحمرا" و"عالم الشهرة" وغيرها. ما تقويمك لها؟ - هذه الأفلام قدمتها عندما هاجرت مع مجموعة من زملائي الى لبنان حين حدث تخريب للسينما المصرية بتطبيق المبادئ الاشتراكية، حتى ان القائم على "ستوديو جلال" كان "شيوعياً" فأجّر مخازنه ل"الغلال"، فلم يكن بد من الهجرة. احتضننا لبنان، وكانت السينما فيه ناشئة، وقدمنا مجموعة من الأفلام الجيدة، هي أفضل من أفلام كثيرة نمثلها الآن. من أدوارك التي حصلت من خلالها على جائزة للمرة الأولى في مشوارك السينمائي، دور "فرج السمسار" في "وصمة عار". هل كنت تتوقع الجائزة؟ - لم أتوقع حصولي على جائزة، ويبدو انني مثلت الدور جيداً، فنلتها. لكن الدور الذي كنت أتوقع أن أحصل من خلاله على جائزة أفضل ممثل دور "رؤوف" في فيلم "حمام الملاطيلي". وكانت تنظم العملية مؤسسة السينما ففوجئت بالمسؤول الأول عنها يقول لي بصراحة "انت تستحق الجائزة لكن خوفنا الكبير من إعطائها لممثل جسّد دور شاذ جنسياً منعنا من ذلك". عندها أحسست كم نحن متخلفون وحزنت جداً. في فيلم "مولد وصاحبه غياب" قدمت مشهداً ساخراً من فيلم "اللص والكلاب" لماذا؟ - لم نكن نقصد السخرية اطلاقاً، لكن المخرج أحب أن يضيف روح الفكاهة على الشخصية فكان هذا المونولوج. وفيلم "اللص والكلاب" من كلاسيكيات السينما المصرية. من الأفلام التي توليت بطولتها وأثارت انتقاد الكثيرين "موت سميرة"، عن القضية التي اتهم بها الموسيقار الراحل بليغ حمدي... ما الدافع الى قيامك بهذا الدور؟ - معرفتي الوطيدة بالراحل بليغ حمدي وأسرته، إذ كان زميلي في مدرسة التوفيقية وجاري في شبرا، وأعرفه أخلاقياً جيداً. وذهلت للتهمة النكراء التي وجهت اليه والتي لم تكن صحيحة والتي في ضوئها حكم عليه وشُرّد خارج مصر وعانى خمس سنوات حتى "حكم ببراءته". مشكلة بليغ كانت في داخلي، أحملها كصديق لفنان كبير أسعد الملايين سنين طويلة. وعندما عرض عليَّ سيناريو الفيلم رفضته، لأنه كان مكتوباً من وجهة نظر ضد بليغ، وطلبت من المؤلف أن يغير الشخصية ويصلحها. حدث التغيير وأديت الدور، وكان فرصة ان أظهر الحقيقة للناس. وفي نهاية الفيلم قدمت مونولوجاً أقول فيه "أنا عملت فيكم إيه علشان تعملوا كده فيَّ". وكان تبرئة تامة وإنصافاً للموسيقار بليغ حمدي. قدمت شريطاً بعنوان "الضياع" لماذا أقدمت على تمثيله؟ - لا أتذكر هذا الشريط وأعتقد انه إحدى السهرات التلفزيونية التي كنا نمثلها ويسوقها بعض المنتيجين للدول العربية على أنها أفلام. وهذه الخديعة كانت من أسباب فقدان الثقة بالفيلم المصري. تتولى الآن منصب نقيب الممثلين... ما الأسباب التي دفعتك الى الترشح اليه؟ - ليست المرة الأولى أمارس العمل النقابي، ففي العامين 1973 و1974 كنت عضواً في مجلس ادارة النقابة الى جانب مجموعة من كبار ممثلي مصر مثل فريد شوقي وكمال الشناوي وسميحة أيوب وصلاح ذوالفقار. وسبب ترشحي أخيراً غيرة على النقابة ومستواها، خصوصاً ان اموراً كثيرة حدثت أخيراً شوهت صورة الفنان، واستاء كثر من الفنانين منها. فتحدث الى بعض الزملاء في أمر ترشيح نفسي الى عضوية النقابة واقتنعت بالفكرة وضحيت لأن العمل النقابي يتطلب الكثير من الوقت والجهد وهو في النهاية تطوعي. وأتمنى أن أحقق احلامي حيال كل أبناء مهنتي.