يملك الفنان المسرحي والتلفزيوني والإذاعي والسينمائي محمود ياسين رصيداً كبيراً من النجاحات والجوائز والأعمال المهمة، لكن له أيضاً بعض السلبيات والإخفاقات. رحلته مع السينما بدأت بظلم شديد ولكن مع المسرح كانت حلماً وفي التلفزيون بدأت لافتة ومهمة. فنان صاحب بصمة، رصيده 150 فيلماً و50 مسلسلاً و30 مسرحية وعشرات الأعمال الإذاعية. عين سفيراً للنيات الحسنة لمكافحة الفقر والجوع، ومديراً للمسرح القومي ورئيساً للجان تحكيم الكثير من المهرجانات التلفزيونية والسينمائية، كما كرّم في مهرجانات القاهرة والإسكندرية والمهرجان القومي للأفلام الروائية ومهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون. والوقوف أمام نجم بقامة ياسين لتحليل وشرح مشواره الفني نقدياً يحتاج إلى دقة وإلى إلمام كامل بمعظم تفاصيل حياته، وقد حاولنا أن نرسم لمشواره الفني صورة منصفة إلى حد بعيد. ولد محمود ياسين في 19 شباط (فبراير) عام 1941 في مدينة بورسعيد شمال القاهرة، تزوج من الفنانة شهيرة المعتزلة حالياً وله ابن هو الفنان عمرو ياسين وابنة هي الفنانة رانيا ياسين. درس في بورسعيد حتى المرحلة الثانوية قبل أن ينزح إلى القاهرة ويتخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1964، وعقب تخرجه التحق بالعمل في المسرح القومي، وظل مبدعاً على خشبة القومي إلى أن عاد إليه بعد سنوات بعقد شخصي مع وزير الثقافة فاروق حسني ليكون مديراً له من خارج البيت الفني للمسرح، وشهدت الفترة التي قضاها ياسين في القومي أزهى عصوره بتلك المسرحيات التي فاقت نجاحاتها أي عروض أخرى. قدم ياسين للقومي عدداً من الأعمال المهمة في عهده مثل «أهلا يا بكوات» في أول مرة، والتي اضطلع ببطولتها أيضاً عقب انسحاب الفنان عزت العلايلي من العرض كما قدم «البهلوان» من بطولة يحيى الفخراني، ووضعت على شباك القومي لافتات «كامل العدد» للمرة الأولى في المسرحيتين. وقد بدأت رحلته في البطولة من خلال مسرحية «الحلم» من تأليف محمد سالم وإخراج عبد الرحيم الزرقاني، بعدها بدأت رحلته الحقيقية على خشبة المسرح القومي، والذي قدم على خشبته أكثر من 20 مسرحية طوال مشواره الفني أبرزها «وطني عكا»، «عودة الغائب»، «واقدساه»، «سليمان الحلبي»، «الزير سالم»، «ليلة مصرع غيفارا»، «ليلى والمجنون» و «الخديوي». وقد كان لنبرات صوته الحادة، ووسامة مظهره، وأدائه المختلف المتميز، دور مهم في لفت الأنظار إليه كممثل على المسرح أولاً ثم في السينما بعد ذلك. بداية سينمائية اللافت في مسار محمود ياسين مع السينما أن علاقته بها بدأت بظلم شديد لها من جانبه، ففي بداياته الأولى لم يكن يدرك أهمية هذا الفن الساحر ومدى تأثيره على المجتمع وفي الناس، لأنه أساساً كان يرى نفسه فناناً مسرحياً حتى إنه بدأ مشواره السينمائي بأدوار صغيرة من خلال أفلام «القضية 68» و «شيء من الخوف» و «حكاية من بلدنا» حتى جاءته فرصة البطولة الأولى من خلال فيلم «نحن لا نزرع الشوك» مع شادية وإخراج حسين كمال. ومن ثم اختارته فاتن حمامة للوقوف أمامها في فيلم «الخيط الرفيع»، ثم توالت أعماله السينمائية ليصل رصيده لأكثر من 150 فيلماً، كان أخرها «الوعد» مع روبي، و «عزبة آدم» مع فتحي عبد الوهاب، و «الجزيرة» مع أحمد السقا. إلا إن ياسين الذي وصف ذات يوم بأنه الأكثر عملاً بين أبناء جيله لأنه كان يقف أمام كل نجمات السينما في آن واحد مثل فاتن حمامة التي اختارته للمرة الأولى لبطولة فيلم «الخيط الرفيع» وبعده «أفواه وأرانب» بات الأكثر اختياراً لدى كل نجمات السينما، فعمل مع نجلاء فتحي في 14 فيلماً رومانسياً مثل «اذكريني» و «الشريدة» و «سونيا والمجنون»، ومع نبيلة عبيد التي اختارته في أول بطولاتها المطلقة في المرحلة الثانية من مشوارها السينمائي في نهاية حقبة السبعينات فقدمته بطلاً أول في أفلام «وسقطت في شهر العسل»، و «ولا يزال التحقيق مستمراً»، و «أيام في الحلال»، و «الشريدة»، وكذلك ماجدة وميرفت أمين ونادية لطفي ونادية الجندي وسميرة أحمد ورغدة وآثار الحكيم وإلهام شاهين. كما مثّل أمام أشهر المطربات في أفلام غنائية مثل نجاة ووردة وعفاف راضي. وأسهم محمود ياسين في عجلة الإنتاج السينمائي وكان رصيده 9 أفلام كمنتج. التقى محمود ياسين مع نادية الجندي في أكثر من خمسة أفلام مثل «الباطنية»، و «وكالة البلح «، و «شهد الملكة»، و «عالم وعالمة»، وللأسف كانت تلك الأفلام تدور في فلك واحد تقريباً، وهي أفلام المخدرات التي راجت في تلك الفترة، وقد استغلت الجندي ياسين كورقة رابحة في تلك الفترة وحاولت أن تثنيه عن أفلام أخرى كثيرة. أفلام التنازلات ولم تكن أفلام نادية الجندي هي التي أخذت من رصيده فقط بل كانت هناك أفلام أخرى أيضاً في الاتجاه السائد نفسه، ولم ينتبه ياسين إلى إن التكرار وعدم التجديد والبحث عن أدوار جديدة ومجاملة بعض المنتجين من أصحابه هي نفس الأسباب التي أبعدته عن القمة سنوات أخرى، وتلك السنوات التي ظل ياسين يبحث لها عن مخرج للعودة مجدداً إلى العرش تارة بإنتاجه الخاص بعدما تراجعت إيرادات بعض أفلامه وتارة أخرى بالبحث عن نجمات أخريات ومخرجين آخرين من أجل التجديد وصولاً إلى فيلمه «قشر البندق» الذي أنتجه لضرب عصفورين بحجر واحد، وهما أن يختبر ياسين بقاءه في دائرة النجومية السينمائية أولاً، وأن يقدم ابنته رانيا ياسين كوجه جديد للمرة الأولى، وفي دور مهم ولافت ثانياً. ولكن «قشر البندق» هذا لم يحقق الإيرادات المتوقعة رغم أن ياسين حشد له كل ما من شأنه أن يحقق إيرادات في السينما من كوميديا وغناء ودراما واستعراض وألحان ونجوم كان هو وزميله حسين فهمي على رأس القائمة. وباختصار إن محمود ياسين لم يتغير ولكن السينما التي تغيرت على حد قوله بالفعل، وأنا اتفق معه تماماً في هذا الرأي، والذي قد نشتم بالفعل من رائحته الصدق؛ لأن أفلام تلك الفترة التي طغت عليها أفلام المقاولات كانت أسوأ ما تعرضت له السينما المصرية طوال تاريخها وكانت أشد خطراً من أفلام المخدرات والجنس. وفي اعتقادي أن أدواراً مهمة لمحمود ياسين كما هي في أفلام مثل «قاهر الظلام» و «العذاب امرأة « و «سونيا والمجنون» قد تكون أهم من دوره في فيلم سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة من خلال فيلم «أفواه وأرانب» والذي حقق نجاحاً كبيراً في عام 1979 ووقتها كان ياسين يشارك أيضاً نبيلة عبيد في فيلم «وسقطت في بحر العسل»، ولكن فيلم فاتن حمامة تفوق على فيلم نبيلة. وإذا كان ياسين ينفي قبوله العمل تحت بند المجاملة، فإن هذا قد حدث وأكثر من مرة في مشواره واصفاً بالمجاملة عند الفنان بأنه كمن أمسك بسكين وظل يمزق في جسده ومشواره الفني على حساب ما هو آت منه وما آل إليه. أعمال تلفزيونية إن اتجاه محمود ياسين إلى التلفزيون في السنوات الأخيرة تاركاً وراءه فراغاً سينمائياً في مشواره الفني لم يكن بسبب سوء اختياراته أو أن العمر قد تقدم به، والسينما بحسب كلامه تدور في فلك الشباب، إلا إننا نرى في هذا المنحى أيضاً أن بداية ياسين من خلال التلفزيون كانت قوية جداً، ويعتبر مسلسل «الدوامة» من أفضل أدواره على الإطلاق، والعمل التلفزيوني قد يكون فيه مساحة أكثر للاختيار. فعندما خرجت السينما من مسارها الصحيح اتجه محمود ياسين إلى الشاشة الصغيرة، والتي حققت له لحظات إمتاع حقيقية في الأداء والمواضيع التي يقدمها ربما لم تتح له في السينما، فقدم حتى الآن أكثر من 50 مسلسلاً أبرزها «الدوامة» و «الطريق إلى القدس» و «بابا في ثانية رابع» و «التوبة» و «الأبواب المغلقة» و «العصيان» بجزأيه الأول والثاني و «سلالة عابد المنشاوي» و «سوق العصر» و «رياح الشرق» الذي كان مؤلفاً له و « أبو حنيفة النعمان» و «جمال الدين الأفغاني» و «ابن سينا» و «الأفيال» و «ثورة الحريم» و «عابد المنشاوي» و «ماما في القسم» آخر مسلسلاته مع سميرة أحمد وغيرها من الأعمال المتميزة. عشق ياسين أيضاً للأعمال التلفزيونية قد أعطاه الاطمئنان الكامل على بقائه في دائرة الضوء نجماً وبطلاً مطلقاً بعكس السينما لو كان قد وجد من خلالها كانت ستمنحه أدواراً صغيرة حتى لو كانت مهمة ومؤثرة. ومحمود ياسين له أدوار تلفزيونية عظيمة منذ دوره اللافت في حلقات «مسافر بلا طريق» الذي لعب فيه دور الشاب فاقد الذاكرة وأيضاً الدور الصعب الذي قدمه في حلقات «الأبله». أثرى محمود ياسين الحياة الفنية بعشرات الأدوار الصعبة والأعمال اللافتة، وهو من نوعية مارلون براندو وانتوني كوين وغريغوري بيك ومحمود المليجي ورشدي أباظة وعماد حمدي. نوعية تستطيع أن تتشكل وتتلون وتجيد في كل الحالات ولكن وضعوه في قالب واحد. صحيح هو قالب جيد وهو الحائر القلق المتوتر الباحث عن شيء. لكن ليس هذا هو محمود ياسين الذي سجن في مثل هذا الدور لسنوات بلا ذنب اقترفه سوى أنه نجح في تجسيد هذه الأدوار وحققت تلك الأفلام إيرادات فبحث المؤلفون عن نفس التيمة ونفس الشخصيات، واختار المخرجون نفس الفنان وبنفس الشكل والملامح والملابس أحياناً حتى إنني كنت أعتقد أنهم كانوا يبحثون عن نفس الشخصية تقريباً حتى يضمنوا نجاح الفيلم ما دامت الأفلام السابقة قد نجحت. إن سبب استمراره على شاكلة الدور الواحد كثيراً هو أنه كان يحقق رقماً مهماً في التوزيع لدى المنتجين والموزعين. وإن ظل بعض نجوم الفن المحليين والعالميين سجناء لأدوار معينة كشرير محمود المليجي ودون جوان رشدي أباظة، فإن محمود ياسين استطاع أن يكسر جدران هذا السجن تارة بالكوميديا كما في فيلم «أنا وابنتي والحب» وتارة أخرى بالرومانسية كما في فيلم «رحلة النسيان» و «الشيطان امرأة» و «العاطفة والجسد» و «غابة من السيقان».