"شهر زاد" صوت من عمق مصر، يمتاز بعمق الأصالة والقوة والإحساس، منحت ملايين المستمعين العرب المتعة السمعية. نشأت في أسرة متوسطة الحال لأب تاجر يعشق الغناء ويهوى الاستماع الى أساطين الغناء في عصره مثل سيد درويش ومحمد عثمان وصالح عبدالحي. ورثت عن ابويها حب الغناء، فعشقت أم كلثوم، وكانت تردد أغانيها لزملائها في المدرسة. وفي السنوات الأخيرة احتجبت عن الأضواء والحفلات، لكنها في الحوار التالي تؤكد أنها لم تبتعد عن الفن، وإنها انتهت قبل أيام من تقديم عدد من الأغاني في سلطنة عمان، وانها في انتظار الحفلة المناسبة التي تتناسب واسمها وتاريخها الفني لتحييها. كيف كانت بدايتك الفنية؟ - بدايتي الفنية كانت من خلال عشقي لأم كلثوم المطربة التي تتلمذت فيها، وهي أهم أسباب تعلقي بعالم الغناء، وكنت حريصة على الاستماع الى حفلاتها الشهرية من خلال المذياع، وأردد أغانيها باستمرار، وأنا مؤمنة إيماناً غريباً بصوتها. وفي أحد الأيام دعتني زميلة لي في المدرسة لحضور حفلة عيد ميلادها. وقالت لي ان كبار الفنانين سيحضرون الحفلة، إذ أن والدتها ممثلة، وفعلا وجدت أنور وجدي وزوزو شكيب وزكي طليمات، وفي الحفلة غنيت "يا طول عذابي" لأم كلثوم، وبعد انتهائي من الغناء، عرض عليّ المخرج المسرحي زكي طليمات تمثيل وغناء دور البطولة في أوبريت "العشرة الطيبة" على مسرح الاوبرا مع كارم محمود وحسين رياض، ورفض والدي في البداية فكرة احترافي الفن لكن طليمات أقنعه، وحضرت أم كلثوم حفلة الافتتاح، واعجبت بصوتي واستدعتني لتحيتي ووقفت أمامها مبهورة، وقالت لي صوتك حلو يا شهر زاد. هل شهرزاد هو اسمك الحقيقي؟ - نعم، ولهذا الاسم قصة، فأثناء حمل والدتي بي قرأ أبي للمرة الاولى حكايات ألف ليلة وليلة، وأعجب جداً بها، وتمنى ان يطلق على المولود القادم اسم شهر زاد او شهر يار، وحين وضعتني والدتي سماني بهذا الاسم. لحن لك الملحن رياض السنباطي الأغنية الأولى في مشوارك الفني، كيف التقيت وهذا العملاق؟. - تعرفت الى السنباطي قبل احترافي الغناء، وقبل تقديمي لأوبريت "العشرة الطيبة" من خلال شقيقي "شفيق" الذي كان يدرس العود في معهد الموسيقى العربية، وكان صديقاً للسنباطي، وفي أحد الأيام ذهبت معه الى المعهد وهناك التقيت السنباطي، وعرف من شقيقي إنني أجيد فن الغناء فطلب ان يسمعني فغنيت له "النوم يداعب جفون حبيبي"، و"يا طول عذابي" فأعجب بصوتي وقال لي حين تكبرين سألحن لك، وبعد فترة واثناء تمثيلي لأوبريت "العشرة الطيبة" حضر السنباطي وطلبت منه أن يلحن لي أغنية لامتحان الاذاعة فقدم لي لحن "أول ما جيت في الميعاد" كلمات حسين السيد ونجحت بهذا اللحن وبدأ أسمي يشتهر ويتردد في الوسط الفني. في بداية حياتك الفنية قدمت مجموعة كبيرة من الأوبريتات مثل "العشرة الطيبة" - "البروكة" - "ليلة من ألف ليلة" وغيرها... ما مواصفات الصوت الذي يغني هذا النوع؟. - لا بد أن يكون صوتاً قوياً ومدرباً على الغناء الشرقي والغربي، فمثلاً بعدما وقعت عقد غناء أوبريت "العشرة الطيبة" التحقت بمعهد الموسيقى العربية لدراسة السوليفيج على يد الفنان الإيطالي "برونيتي" عازف التشيللو في فرقة الأوبرا المصرية القديمة، وعلى يديه تعرفت إلى أصول فن الغناء الغربي، لدرجة أنه طلب مني أن أسافر معه إلى إيطاليا، وتدربت على الغناء الشرقي على يد الشيخ "بدوي ناصر" الذي علمني عبر تدريباته الصوتية كيف أبحر بأدائي أعلى الصوت وأسفله، كما أنني أحفظ أجمل ما في التراث الغنائي العربي. وقد أختفى فنّ الأوبريت من حياتنا الغنائية أولاً لأنه مكلف مادياً جداً، ثانياً، لاختفاء الصوت الغنائي القوي المدرب الدي يستطيع أن يغني كل ليلة لمدة طويلة ولا يتعب!!. أهم المحطات الغنائية في مشوار شهر زاد الغنائي؟. - المحطة الأولى ألحان رياض السنباطي لي، والتي بلغت مايزيد على 20 لحناً، منها "يا ناسيني" و"اديتي من وقتك ساعة" و"حكاية المنديل" و"كدابين" و"في ضي القمر" و"مش بإيدي" وغيرها، وأيضاً ألحان محمد عبدالوهاب، فغنيت له "في ضل الورد" و"في القلب هنا"، وبعدها لحن لي فريد الأطرش أغنيتين هما "إديني ميعاد" و"خلي بالك مني". المحطة الثانية هي ألحان محمود الشريف وهو صاحب اللحن الأول والذي غنيته في حفلة على الهواء من مدينة كفر الشيخ في أوائل الخمسينات، وهو لحن "بعت لك جوابين" ثم لحن لي الكثير من الألحان مثل "أحب اسمك" و "أحلى الذكريات" وغيرها. ثم التقيت بأحمد صدقي الذي لحن لي مجموعة من الأغاني مست أوتار القلوب مثل "سألت على البخت" و"جاني مرسالك" و"3 وصفات" و"في قلبي حكاية" وغيرها من الألحان. المحطة الثالثة والأخيرة ألحان آخر جيل العمالقة من الملحنين مثل كمال الطويل والموجي وبليغ حمدي وعبدالعظيم محمد ومنير مراد ومحمد سلطان وحلمي بكر. ذكرتكثيرا من الملحنين. لكن من منهم اعطاكِ الاجمل في مجال الألحان في مشوارك الفني؟. - رياض السنباطي بالتأكيد، فلا أنسي انه وقف الى جواري كثيراً في مشواري الفني، وفي مقدمة اغنية "ياناسيني" جاء للاستديو وعزف خلفي على العود صولو منفرداً لمدة ثلاث دقائق، وهذا لم يحدث مع احد من قبلي او من بعدي، حتى ام كلثوم نفسها استغربت ذلك، واتصلت به بعد سماع الأغنية، وقالت له "لأول مرة تعزف بنفسك على العود في مقدمة الاغنية"، فقال لها "يبدو ان حظ شهرزاد حلو!"، وهذه الاغنية كانت جواز السفر لي للدول العربية وبسببها ايضا لحن لي عبدالوهاب!!! كيف حدث ذلك؟! - بعد النجاح المدوي الذي احدثته اغنية "ياناسيني" طلب الموسيقار محمد عبدالوهاب من زوجي عازف التشيللو الشهير الراحل "محمود رمزي" ان يراني، وبالفعل ذهبت اليه اثناء بروفات إحدى اغانيه" وهنأني على نجاح اعنية "ياناسيني" وطلب مني ان يلحن لي!! فقلت له هذا شرف كبير وبهذا اللحن أكون وصلت للقمة، فقال لي اذا وجدت كلمات جميلة ومناسبة ارسليها لي.. وبعد ايام قليلة ارسلت له اغنية "في ظل الورد" ونجحنا معا ثم لحن لي "في القلب هنا".. خلال الحوار جاء اسم ام كلثوم كثيرا، ما ذكرياتك معها؟!. - ام كلثوم كانت ومازالت هي الفنانة الوحيدة التي أتعلم منها فن الغناء، وذكرياني معها كثيرة، فمثلا ام كلثوم كانت السبب في زواجي من عازف التشيللو الاول في فرقتها "محمود رمزي"، فبعد ان تعرفت اليه في معهد الموسيقى العربية طلبت منه ان احضر بروفة من بروفات ام كلثوم، واستجاب لطلبي وأخدني اليها، وقال لها: "هذه هي شهر زاد، وهي مجنونة بك ياست الكل"، فقالت ام كلثوم "اعرفها وسيكون لها مستقبل كبير"، لماذا لا تتجوزها؟! رد رمزي ضاحكاً بشرط ان تغني في فرحنا، وفعلا حضرت ام كلثوم فرحنا في منزل رامي وغنت "افرح ياقلبي" و"انا في انتظارك" وكنت اسعد عروس في مصر، لأن ام كلثوم احيت حفلة زفافي!!. لماذا لم تقدمي افلاماً سينمائية مثل بنات جيلك على رغم ظهور صوتك في مجموعة من الافلام مثل "زينب" و"أمير الدهاء" و"امير الانتقام" وغيرها من الافلام؟. - لانشغالي الشديد بالمسرح الغنائي، وتم تعييني موظفة فيه نظير راتب شهري قدره 25 جنيها، هذا بخلاف الحفلات الغنائية التي كنت احييها في مصر والدول العربية. لماذا اطلق عليكم لقب "مطربة الثورة"؟. - لهذا اللقب قصة كتبها الرئيس محمد انور السادات في كتابه "صفحات مجهولة"، وكان ذلك قبيل الثورة مباشرة، حين بدأ الضباط الاحرار مقاومة القصر ورجاله.. ودُعيت للغناء في سلاح المشاة وقالوا لي ان الحفلة ستذاع على الهواء في الاذاعة، وكان معي نجما "ساعة لقلبك"- فيما بعد- الفار وسلطان، وفور انتهائهما من القاء المنولوجات، وصعودي الى المسرح فوجئت بمن يصعد ويسحب ميكرفون الاذاعة من امامي.. فغادرت المسرح غاضبة، وجاء الى حجرتي محمد نجيب وقال لي "يا ابنتي لست انتِ المقصودة"، وفيما بعد ستفهمين ويكفيك شرفاً انك ستغنين امام 8 آلاف ضابط، هنا فقط صعدت الى المسرح واستقبلني الضباط بعاصفة من التصفيق، وفيما بعد كتب انور السادات القصة في كتابه، وقال "ان حيدر باشا هو الذي اصدر الامر بعدم اذاعة الحفلة في الاذاعة، ولم تفطن شهرزاد الى ان هناك حركة في الجيش ضد القصر، وأن هذا الإجراء مقصود به مسائل سياسية". وبخلاف هذا الحفل كنت المطربة الوحيدة التي كانت الشؤون المعنوية تطلبها لتغني للجنود والضباط في اماكن وجودهم من دون ان يعلم احد عن هذه الحفلات وايضا كنت اول من غنى لانتصاراتنا في 1973 اغنية "سمينا وعدينا" ورغم هذا لم يتذكر احد من المسؤولين عن حفلات تشرين الاول اكتوبر التي تقام كل عام كل هذه الجهود!!. من خلال تقديمك مجموعة من الحفلات في الدول العربية، من الجمهور الذي مازال محتفظاً بذوقه الجميل؟. - الجمهور التونسي جمهور سميع وخطير، وتونس من اعظم الدول التي تحتضن الفن المصري وهي افضل البلاد التي تنصت للاغنية المصرية، وانا المطربة الوحيدة التي غنت في تونس 12 مرة!!. ما الحفلة التي لا يمكن ان تنساها المطربة شهرزاد؟. - كانت حفلة في تونس على مسرح "المنزه" حضرها الرئيس الحبيب بورقيبه وزوجته، ورغم ان المسرح يتسع ل8000 كرسي، الا ان الجمهور الذي حضر فاق ال12000، وفي هذه الحفلة كانت معي راقصة، لكن الرئىس "الحبيب" طلب أن تقتصر الحفلة عليّ فقط.. حتى يستمع الى اكبر عدد ممكن من الأغاني!!. وطلب مني المسؤولون ان انهي فقرتي في الساعة العاشرة والنصف، لأن الرئيس مريض ويجب ألا يسهر، وسبق ان جاء عبدالحليم حافظ ليغني على المسرح نفسه قبل اسابيع، واستأذن الرئيس منه في تمام العاشرة مساء. لكن في هذه الحفلة سهر الرئيس بورقيبة وزوجته الى الساعة الواحدة صباحاً، وكان لهذه الحفلة صدى كبير في وسائل الاعلام المختلفة في تونس. اين شهرزاد من حفلات هذه الأيام؟. - حفلات هذه الايام لا تناسبني، ولا تناسب اسمي وتاريخي الفني، فأنا اعتدت ان اقيم حفلاتي على مسرح قصر النيل، ويحضرها جمهور يجيد الانصات، لكن ما اشاهده هذه الايام لا يمت للفن وللغناء بصلة. فمعظم حفلات هذه الايام عبارة عن "زار غنائي" الكل يرقص سواء فوق المسرح او تحته، لكن اذا توفر لي الجو والمكان المناسبين لتقديم حفلة ويشاركني فيها صوت من ابناء جيلي او حتى من جيل الشباب امثال هاني شاكر او محمد ثروت فأنا على استعداد تام للغناء، وفي العام الماضي غنيت في حفلة مهرجان الموسيقى العربية السابع على مسرح دار الاوبرا لمدة ساعة واستقبلني الجمهور بحفاوة كبيرة!!. في الفترة الأخيرة لجأ الكثيرون من المطربين من ابناء جيلك مثل محمد رشدي ومحمد قنديل ومحرم فؤاد وشفيق جلال الى إعادة اغانيهم القديمة بتوزيع جيد، هل يمكن ان تعيد شهرزاد أغانيها القديمة بتوزيع جديد؟. - لا يمكن وارفض رفضا تاما إعادة توزيع اغنياتي القديمة، لأن الاغاني التي غنيتها تختلف تماما عن اغاني قنديل ومحرم ورشدي، فأغانيهم معظمها اغانٍ خفيفة يمكن ان يضيف اليها التوزيع، لكن هل اغنيات مثل "ياناسيني- عسل وسكر- وفي ظل الورد" محتاجة لتوزيع؟!.. بالعكس فيها توزيع جبار!!. مارأيك في المطربين الموجودين حاليا على الساحة الغنائية؟. - كل من غنى بعد جيل هاني شاكر والحلو والحجار وثروت لا يصلح للغناء!! ولا حتى "كورس" للمطربين القدامى، ولولا تقنيات العصر الحديث والتكنولوجيا الموجودة حاليا ما تجرأ احد من هؤلاء المدعين وصعد على المسرح وقال على نفسه انه مطرب. مَنْ مِن الملحنين الشباب لفت نظرك؟. - لم يلفت نظري احد، وبعد جيل العمالقة لم يظهر ملحن له بصمة بخلاف عمار الشريعي!!. ما مدى رضاك عن مشوارك الغنائي؟. - راضية تماما عن كل ما غنيته!، لأنني كنت اختار دائما اغنياتي لها معنى وهدف، وكل الاغاني التي غنيتها اخترتها بدقة وبعناية، لذلك هذه الاغاني مازالت تتردد الى الوقت الحالي!!. لماذا لا تعيش الاغاني هذه الايام؟. - لأنها أغانٍ حقيقية!! والاغنية الخفيفة لها وقت وتنتهي فيه مثلها مثل المناديل الورقية تستعمل مرة واحدة، وهكذا هذه الاغاني تسمع مرة واحدة،. لكن الاغنية القديمة دسمة ومليئة بالنقلات، والمجهود المبذول فيها واضح. ما رأيك في المطربين الذين يغنون اغاني عبدالوهاب وام كلثوم وغيرهما من جيل العمالقة؟!. - هذا تضييع لوقتهم ووقت المشاهدين!! لأنهم مهما حاولوا ان يغنوا لن يصلوا للأصل، والحكاية ليست صوتاً جميلاً فقط ولكنها احساس وصدق!!. ما جديدك الغنائي؟. - أغانٍ جديدة لم أغنها من قبل لمحمد الموجي وسيد مكاوي وعبدالعظيم محمد، وهذه الأغاني كنز أحتفظ بها لنفسي الى ان يأتي الوقت المناسب!!. اخيرا.. ما احلامك؟. - ان يعطيني الله الصحة والستر وتأخذ كل مطربة مصرية حقها.