الابنة "غير الشرعية" للرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران مازارين بانجو دخلت عالم "الاحتراف الروائي" مع صدور روايتها الجديدة "زين أو إعادة الفتح". ولعل القضية التي أثيرت حول هويتها كابنة غير شرعية لرئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق والضجة التي رافقت قضيتها ساعدتاها على اكتساب جمهور كبير من القراء. هنا قراءة في ظاهرتها ولقاء معها: مازارين بانجو، ابنة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، بل ابنة الرئيس الذي أحب النساء وربطته بكثيرات منهن علاقات حب وهيام قبل رئاسته وخلالها. لكن علاقته القوية والسرية لسنوات كانت مع والدة مازارين آن بانجو التي تنتمي الى المجتمع الفرنسي المرموق، وتتولى إحدى المسؤوليات في متحف "موزيه دورسي" اكتشفها العالم عندما كانت تسير مع ابنتها، وراء زوجة ميتران الشرعية دانيال وأولادها في جنازة الرئيس الراحل الذي كان أمضى إجازته الأخيرة قبل وفاته معها ومع ابنتها ابنته مازارين في مصر. ظلّت مازارين طوال أعوام سراً في حياة ميتران، ولم يكشفه إلا في العام الأخير من ولايته الرئاسية، عندما سمح لمجلة "باري - ماتش" بالتقاط صور له ولابنته غير الشرعية، في مطعم باريسي كان يحتفل فيه بعيد ميلادها. مازارين شابة جميلة، تشبه والدها فرانسوا ميتران شبهاً كبيراً على رغم نعومة ملامحها. ومنذ وفاة والدها توجهت مازارين بعدما درست الفلسفة نحو الكتابة وألفت روايتين كانت أخيرتهما "زين أو إعادة الفتح" التي صدرت حديثاً عن دار "جوليار". وتتناول قصة زين وهي ابنة منفيين سياسيين سوري وفلسطينية هاجرا مع أولادهما الى فرنسا. تسرد الرواية ذكريات العائلة في سورية والأراضي الفلسطينية ولبنان في أسلوب روائي أليف وبسيط. تدرس مازارين العربية في "المعهد الفرنسي للغات الشرقية"، والسؤال هو: هل تدرس العربية حباً بالعربية أم لترسيخ علاقتها بالشاب المغربي الذي تحبه ويحبها؟ أم أنها تدرسها تبعاً لعلاقتها بالعالم العربي وخصوصاً مصر التي زارتها مع والدها مراراً وهي استوحته في روايتها الجديدة؟ هذه الأسئلة وسواها أثرناها خلال لقائنا. وفيه تحدثت مازارين بحرية. تقول مازارين: "اخترت العالم العربي لأسباب عاطفية ذاتية، فأنا أعشق البلدان العربية وأحب كل ما يتعلق بها". وتضيف "عندما أذهب في نزهة الى قرى سورية ومناطقها أشعر كأنني أقرأ ملخصاً لتاريخ الإنسانية نظراً الى الحقبات التاريخية المتراكمة في مكان ضيق نسبياً". وتتابع: "إن سورية من الناحية الجغرافية بلد رائع في مناظره وتعدده، ودمشق مدينة أعشقها وخصوصاً من الناحية الإنسانية. فهي تتسم بلطافة العيش وفنه، وأنا أشعر بذلك عندما أتمشى في شوارعها وأتردد على مطاعمها. واللافت أنها مختلفة جداً عن مدن المغرب التي أحبها كثيراً أيضاً!" وتعترف مازارين أنها تشعر بالبهجة حين تتردد على المطاعم الشعبية، على رغم ما تخفيه من بؤس وقسوة، "لكن يبدو لي أن ثمة فلسفة مهمة وهادئة للحياة قياساً الى الزمن، وهذا جو رائع". وعن كيفية تعرفها على هذا العالم، وعمّا إذا كان عبر صديقها المغربي، تقول مازارين إن لديها الكثير من الأصدقاء العرب، وأن مشاعرها تجاهه ظهرت بفضل أصدقاء مغاربة مسيَّسين ومتعلقين ببلدانهم وأدبهم. وترى أن "هناك تضامناً عربياً حقيقياً حول كل ما هو على صلة بالقضية الفلسطينية، سواء كان الشخص مغربياً، جزائرياً، لبنانياً أو سورياً". وتستأنف: "نخوض دوماً نقاشات عن الشرق الأوسط ومسيرة السلام، وأنا شغوفة بهذه المواضيع. حتى أصدقائي من غير العرب هم أشخاص يرتبطون بشكل أو بآخر بالعالم العربي وبما يحصل فيه من الناحية السوسيولوجية". وتذكر أن الصدف جعلتها تلتقي بالكثير من الأشخاص، المهتمين بالثقافة العربية "مما فتح أمامي أبواباً عدة وقد زرت المنطقة وعشقتها، كما زرت في الصيف الماضي بيروت وتنزهت على "الكورنيش" وفي سورية تجولت في حلب ودمشق وتدمر وآسف أني لم أزر الأردن وفلسطين". وعن تلميحها في روايتها الى اختلاف ظروف المرأة في البلدان العربية والغرب، توضح مازارين الى أنه "في هذا الموضوع ثمة أمور كثيرة ينبغي القيام بها، وعلى رغم أنني لست من النساء المتحمسات، إلا أن لدي بعض الميول لهذا التيار. والواقع أن من يدخل عالم العائلات العربية يجد أن السلطة في يد النساء اللواتي يعملن ويقمن بكل الأعمال المنزلية". وعما إذا كان الرئيس الفرنسي الراحل ساهم أثناء فترة رئاسته التي استمرت 14 سنة في اطلاعها على العالم العربي، تجيب مازارين: "لا ليس تماماً، لأنه كان يفصل تماماً، بين عمله السياسي وبين حياتنا العائلية. طبعاً كنت أوجه إليه الكثير من الأسئلة، لكنه كان يصر على فصل عمله عن علاقتي به". وتضيف أن "اهتمامي بهذه المنطقة لم يأت عبر والدي، على رغم أنه كان يعشقها أيضاً والدليل زياراته المتكررة لمصر، وحبه للأمكنة ذات الجمال الأسطوري فيها، وإعجابه بدول عدة في المشرق". وتؤكد مازارين أن حبها لهذه الدول "لم يأت عبر السياسة، بل عبر محبّة والدي لأماكن معينة فيها، وعبر أصدقائي العرب الذين يهتمون بما يحصل بين إسرائيل والعرب، فوالدي من جهته غذى لدي حب هذه الدول من طريق العاطفة وليس من طريق السياسة". وتخبر أنها تدرس العربية لأنها لغة جميلة جداً، ولأنها تحب الخط العربي، "ولكي أتمكن من السفر الى هذه البلدان وأرى أنه على رغم الاختلاف بين العربية العامية والفصحى، تتيح الثانية لمن يدرسها مطالعة الصحافة والتنقل أينما شاء". وعمّا إذا كان تأليفها لروايتيها يشكل بالنسبة إليها خروجاً من السرية، وانتقاماً للأعوام التي أمضتها في الظلّ، تقول مازارين "أردت الكتابة دوماً، ولا أظن أنني أسعى لأي انتقام في حياتي الخاصة. كانت الرغبة في الكتابة تسكن أعماقي دوماً وهذا ليس له علاقة بما عشته". وتضيف: "عندما أنشر رواية أسعى الى استعادة بعض من اسمي الذي سُرق مني مثلما سُرقت صورتي. الصحف الفرنسية تنشر صوراً لي من دون موافقتي، لذا أسعى عبر كتاباتي الى استرجاع اسمي". وتضيف: "أنا أستعيد هويتي الخاصة واسمي عبر تقديم ما أكتبه للقراء ولكن هذا لا ينطوي على نية انتقامية". وعما إذا كان والدها قد غذى رغبتها في الكتابة، هو الذي كان يتذوق الأدب، تجيب مازارين بالإيجاب "كنا نتحدث دوماً وتلقائياً عن الأدب، وكنت أعطيه ما أكتبه ليقرأه وهو يقدم لي الكتب التي يحبها". وطالما أمضى ميتران وقتاً طويلاً مع ابنته خصوصاً في المساء خلال رئاسته وخلال العطل. وعن مقارنتها بشخصية زين بطلة روايتها التي ارتبطت بعلاقة غرامية مع يوسف الذي يكبرها أعواماً، وكأنها بعلاقتها به تبحث عن صورة والدها، وما إذا كانت شخصياً، تبحث أيضاً عن صورة الوالد في علاقاتها العاطفية، تقول مازارين ضاحكة: "إننا دائماً نبحث عن والد، فهذه عقدة أوديب الدائمة، ولكن لا يمكنني أن أبحث عن والد آخر، لأنه ما من شخص يمكن أن يأخذ مكان والدي. إنني أبحث عما عشناه معاً وعن صورة أحببتها وهذه أمور من الصعب التخلص منها". وتضيف مازارين أنها لم تتألم لكونها الابنة السرية لميتران، "لأنه عندما يعيش الإنسان في طريقة معينة، لا يعود يسأل نفسه عن طريقة أخرى". وتشير أنها كانت تسمع في المدرسة "أقوالاً قاسية من بعض الأولاد، لكنني اعتدت في سرعة على التكتم حول عائلتي، وأصبح هذا الأمر جزءاً من شخصيتي ولم يتطلب مني جهداً كبيراً". وتذكر أنها عندما كانت تُسأل وهي طفلة عن هوية والدها، كانت ترتبك وتجيب أنه رئيس الجمهورية ثم أصبحت تقول إنه محام وكاتب "وهذا حقيقي، فأنا لم أكن أكذب". وعن والدتها آن بانجو التي عشقها ميتران، قالت مازارين إنها امرأة متشددة ترفض التسويات والبذخ، وتتمسك بالنقاوة "لقد رفضت دوماً الظهور علناً لأن هذا لا يتلاءم مع سلوكها، كما رفضت الظهور عبر وسائل الإعلام للتحدث عن نفسها. لكنها في الوقت عينه امرأة رقيقة وقد تألمت كثيراً من الوحدة. فعندما ينطفئ الحب الكبير ولا يحل مكانه شيء آخر، تكون الأمور صعبة. أمي امرأة مثقفة جداً وتحب عملها في "موزيه دورسيه" جداً". وتذكر مازارين أنها تهتمّ بمؤسسة فرانسوا ميتران، حيث تشغل منصب عضو في مجلس الإدارة الى جانب أصدقاء والدها وأبرزهم الوزيران السابقان ميشال شاراس وروبير بادنكلير وأندريه روسلي. لكن مازارين ترفض الخوض في الفضائح التي تطال أحد أبرز المقربين من والدها، وزير الخارجية السابق رولان دول المعروف في العالم العربي وتقول "لا أستطيع الحكم على هذه القضية لأنني لا أعرف شيئاً عن الملف كما أني لا أعرف رولان دوما جيداً، فوالدي لم يعرّفني إليه ولم التقه إلا بعد وفاته. وأعتقد أنه ذكي ولامع جداً". وعن علاقتها بدانيال ميتران والجزء الآخر من العائلة، تقول "نحن لا نلتقي كثيراً بسبب انهماك كل منا بعمله وليس لدينا ماض مشترك، لذا نحن لسنا مجبرين على تأسيس عائلة، لكن علاقاتنا ودية ولبقة". وعن المفاجأة التي مثلها ظهورها ووالدتها للمرة الأولى وراء دانيال ميتران أثناء جنازة الرئيس الراحل، تقرّ مازارين أن هذا الأمر تطلب جهداً كبيراً من الزوجة دانيال. ولكن في الوقت عينه لم يكن الوضع جديداً عليها، إذ كانت تعيش ووالدي على هذا النحو منذ زمن، وكانا متفقين على الالتزام بقدر كبير من التسامح سواء كان ذلك في الحياة أو في الموت". وتؤكد أنها لم تحقد في يوم من الأيام على والدها، وأنها فخورة جداً لاحتفاظها بذكراه. من جهة أخرى، تصف مازارين صديقها المغربي بأنه "لامع جداً، وكذلك عائلته، اثنان من أجداده كانا في المقاومة ضد الفرنسيين وما زلنا نلتقي دوماً فهو الآن صديقي الحميم".