باريس - أ ف ب - روى بيار تورلييه، سائق الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، مذكراته في كتاب صدر أمس في باريس تحت عنوان "القيادة على اليسار" تناول فيه بالخصوص علاقته الشخصية بالرئيس وحياة هذا الأخير الصاخبة بدءاً بنشاطه السياسي وعلاقاته بأصدقائه وانتهاء بخلواته النسائية. وبيار تورلييه، قائد سيارة، لا يحمل رخصة قيادة ويقود على اليسار، كان مطلع الستينات قريباً من المنظمة السرية المسلحة التي ناهضت الرئيس شارل ديغول في شكل عنيف، وشارك في وضع القنابل في أنحاء باريس معارضة منه لرغبة ديغول منح الجزائر استقلالها. ولعل أهم ما يكشفه تورلييه هو الجانب الآخر الحميم من ميتران في علاقته بعائلته وأصدقائه الذين كان يحرص على لقياهم مهما كانت الظروف، على عكس تعاطيه مع المحيطين به في العمل السياسي، إذ اتسمت علاقته معهم بالقسوة والتعالي، مرغماً الجميع على الاعتراف بأنه الرئيس وان كلمته هي الأولى، إلى درجة أنه هو من اختار الرئيس الحالي جاك شيراك لخلافته بعدما يئس من معسكر اليسار، ومن انتقادات مساعده ليونيل جوسبان رئيس الحكومة الحالي. ويخصص السائق اليساري جزءاً من الكتاب للكلام على النساء وعلى المغامرات النسائية للرئيس، الذي كان معروفاً عنه أنه "دون جوان". ومن أطرف ما يرويه انه قضى مرة سهرة في منزل إحدى الناشطات في الحزب وانتهى الأمر بعد سهرة ممتعة إلى السرير، لكن جرس الهاتف رن في ساعة متأخرة من الليل، فارتبكت السيدة وطلبت منه مغادرة المكان فوراً. ولما كان تورلييه فضولياً أراد معرفة من هو هذا الزائر المهم الذي حرمه متعة ليلته، ليكتشف بعدما وصل زاوية الشارع انه ميتران نفسه الذي كان وقتها لا يزال أميناً عاماً للحزب الاشتراكي. كما يذكر تورلييه ان الرئيس كان يحب ان يحظى بالاعجاب لدى الآخرين لا سيما الجنس اللطيف وكثيراً ما كان يردد: "أحب ان أكون محبوباً ولا يستطيع أحد لومي على ذلك". وكان ميتران يغار على صديقته آن بانجو، ام ابنته مازارين، التي كانت جميلة جداً وتصغره بثلاثين عاماً. كان يعشقها عشقاً كبيراً إلى درجة أنه كان يتخاصم معها في كل مرة عادت فيها من رحلة بدواعي العمل، سائلاً اياها عما إذا كانت التقت معجبين بها. وكان ميتران يتحول أمامها إلى مراهق، حسب ما يروي تورلييه. ويروي تورلييه أيضاً ان ميتران كان لا يرى المرأة أكثر من مرتين أو ثلاث، لكنه عندما كبرت ابنته وازدادت مشاغله السياسية وتفاقم عليه المرض، تحول عشقه للنساء إلى تغزل شفهي، لكن عشيقاته السابقات كثيراً ما حاولن الالتحاق به. وسواء كان ما يقوله تورلييه صحيحاً أو مفترضاً أو معبراً عن وجهة نظر خاصة، إلا أن المهم هو الجانب الآخر لهذا الرجل الذي حكم البلاد طيلة 14 عاماً، وهو جانب الرجل العادي الذي لا يحب التعقيدات والبروتوكولات. وظل ميتران، مثلاً، فترة طويلة مع كونه أميناً عام للحزب الاشتراكي، يرفض ان يوكل له حراس شخصيون. كما ظل يرفض ان تزود سيارته الرئاسية لاحقاً بجهاز هاتف ويطلب من سائقه التوقف أمام صندوق للهاتف كلما احتاج لذلك، فيضطر السائق لطلب رقم آخر بعده خشية ان تكتشف مكالمات الرئيس. كان يحب زيارة أسواق الكتب والاثاث القديم. وكان لا يدفع النقود حين يشتري كتباً إلا نقداً. وحين تنفذ تلك النقود فهو يستدين من سائقه، ولم تكن لميتران علاقة بالتكنولوجيا وكان يحب التجول على قدميه في أرجاء العاصمة بعد طعام الغذاء، وهي عادة استمر عليها بعد انتخابه رئيساً. ويكشف الكتاب ان الصحافة والمحيط السياسي المقرب من ميتران ووزارة الداخلية كلها كانت على علم، ومنذ كان ميتران أميناً عاماً للحزب، بقصة ابنته مازارلين وحياته المزدوجة. لكن أحداً لم يجرؤ على كشف هذا السر الشائع إلا بعدما أعلن ميتران أنه لن يترشح لولاية ثالثة. وأخفى ميتران الأمر حتى عن أعز أصدقائه إليه، لكنه كان حريصاً على جلب ابنته من المدرسة كلما استطاع، ويبقى في انتظارها في السيارة أو يرسل سائقه لإعادتها إلى البيت.