في وقت يحتدم الجدال داخل اوروبا، وعبر الاطلسي، حول الاطعمة المعدّلة وراثياً، Genetically Modified Food التي تعتبرها جماعات البيئة من المخاطر الحدقة بمظاهر الحياة كافة على الارض، ظهر تقرير علمي مقلق حول الخطورة العالية لهذه الاطعمة. اجرى البروفسور الالماني هافز هينريتش كاتز، وهو من المراجع البارزة في علم البيولوجيا الحيوانية، بحثاً استمر لمدة اربع سنوات، خلص فيه الى نتيجة خطرة مفادها ان جينات Genes الاطعمة المعدلة تقدر على القفز فوق "الحواجز" التي تفصل الانواع الحية عن بعضها بعضاً. ويعني الامر قدرة تلك الجينات، التي تنتجها آليات الهندسة الوراثية، على الانتقال من النبات الى الحيوانات. ويكمن وجه الخطورة في انتقال الجينات من الاطعمة المعدلة وراثياً الى البكتيريا الموجودة طبيعياً في جسم الانسان، مما يغير في تركيبها وعملها. مخاطر عبور الأنواع الحية ومن المعروف ان الجسم الانساني يحتوي على نحو 600 نوع من البكتيريا "المتصالحة" مع الانسان والتي تسهم طبيعياً في عمليات هضم الاطعمة وتكوين الفيتامينات، كما انها تعطي الجسم وامعاءه مناعة حيال البكتيريا الضارة. ويرى بروفسور كاتز ان تناول الاطعمة المعدّلة يؤدي الى "عبور" جينات غريبة الى داخل تلك البكتيريا "المتصالحة"، مما يفتح المجال لتحوّلها بكتيريا ضارة تسبب الامراض وانواع الالتهابات الخطرة، بالاضافة الى فقدان وظائفها الاصلية. وبحسب دراسة كاتز، التي ستنشر قريباً، تؤدي الاطعمة المعدّلة الى اطلاق سلالات جرثومية لم يعرفها جسد الانسان، ولا غيره من الانواع الحية، في تاريخ تطورها، مما ينذر بتفاعلات غير معروفة النتائج ومحفوفة بالمخاطر الجمّة. وأقر وزير الزراعة البريطاني نيك براون أهمية بحث بروفسور كاتز ودلالالته العميقة. ووجّه الوزير نصيحة الى مجموعة من المزارعين البريطانيين الذين خالطت البذور المعدّلة محاصيلهم، باتلاف تلك المحاصيل. تذكّر أبحاث البروفسور كاتز، بتلك التي أجراها عالم البيولوجيا الألماني أرباد بوستازي 1996 حين أثبت أن تناول البطاطا المعدّلة جينياً أدى إلى حفز نمو الأورام السرطانية في أحشاء الفئران. حينها عمدت الشركة التي موّلت ابحاث بوستازي إلى "طمسها" عن الإعلام، وأقالته ومنعته من الوصول إلى المعلومات التي جمعها أثناء أبحاثه معتبرة إياها ملكاً للشركة. وتعتبر النتائج التي توصل إليها كاتز وبوستازي إسهاما جاداً في النقاش المستعر بين ضفتي الأطلسي على الأطعمة المعدّلة. نقاش الجينات في المصالح الدولية ويصرّ الأميركيّون الذين تهيمن شركاتهم على سوق الأطعمة المعدلة، على غياب الدليل العلمي إلى ضررها. ويعطي العدد الأخير من مجلة "فورين أفيرز" Foreign Affairs، ذات الوزن في الأوساط السياسية الأميركية، نموذجاً عن التوجه الأميركي في هذا الشأن. وأفردت "فورين أفيرز" محورها الرئيسي لموضوع "حروب الطعام العالمية"، وعالج روبرت بارلبيرج، الأستاذ في العلوم السياسية من جامعة هارفرد، موضوع الثورة الهندسية الوراثية للأطعمة في المقال الرئيسي. وكرر المقولات الأميركية الرسمية عن غياب الدليل العلمي إلى ضرر الأطعمة المعدّلة، وأرجع الاحتجاج الأوروبي، وخصوصاً لجماعات البيئة من أحزاب "الخضر" و "غرين بيس"، إلى مزيج من الحساسية القومية والتنافس الاقتصاد والمخاوف غير المبررة والآثار التي ترتبت على أزمات "أوروبية" ... مثل مرض جنون البقر وتلوث الدجاج البلجيكي وغيرهما. ولربما استلزم الرد على مختلف الحجج والمداخلات الواردة في هذا المقال المهم، الدخول في موضوع الأطعمة المعدّلة من زاوية واسعة، وتذكّر الدروس المستفادة من إرغام شركة مونسانتو Monsanto الأميركية على وقف إنتاج حبوبها المميتة ترميناتور Terminator تحت ضغط الاحتجاج المشترك من جماعات البيئة ودول العالم الثالث وخصوصاً الهند، وغير ذلك من المواضيع الشائكة في هذا الملف المعقّد.