انهيار اسهم الشركات الالكترونية الأخير مرّ في الأسواق المالية كغيمة صيف. وبدلاً من الحديث عن حجم الخسائر فتح المحللون الباب على مصراعيه للحديث عن الأرباح المتوقعة من المبادلات الالكترونية في أسواق جديدة غير تقليدية لم تكن متوافرة قبل وجود الانترنت. وهنا نتحدث عن أرقام بآلاف البلايين تتناقلها مؤسسات قد لا تتجاوز مساحة مقرها بضعة أمتار مربعة أي مساحة غرفة صغيرة ولكنها متصلة جيداً بالشبكة العالمية. ميدان المعاملات التجارية الجديد يسمى اصطلاحاً "B2B" Business to Business أي من شركة الى شركة. وعلى رغم حداثة هذا الميدان الالكتروني التجاري إلا أنه نجح في تسجيل مبيعات بلغ حجمها العام المنصرم 7،406 بليون دولار. وتتوقع شركة "فورستر ريسيرش" الأميركية ارتفاع حجم المبادلات في العام 2003 الى 1800 بليون دولار، وفي العام 2004 الى 2700 بليون دولار. في حين تذهب توقعات مبالغ بتفاؤلها الى 7300 بليون دولار في العام نفسه. هذا النمو الصاروخي يضاف اليه التفاؤل المفرط جعل شركات "B2B" بمنأى عن تراجع أسهم الشركات الالكترونية التي تستهدف المستهلك الفرد مباشرة. وأثبتت شركات "B2B" امكانية كبيرة في مواجهة النواقص البنيوية في أسواق وورش العمل التقليدية وكفاية في خفض نفقات عمليات البيع والمناقصات مما زاد الانتاجية وقلّص عدد العمليات الادارية المعقدة. وأحصت مؤسسة "مورغان ستانلي" 700 شركة تتعاطى عمليات بيع بين الشركات وتوقعت أن يرتفع هذا الرقم الى 2000 شركة بنهاية العام الجاري والى 5000 بنهاية العام 2002. وتوفر هذه الشركات خدماتها لشركات أخرى بحاجة الى سلع أو مواد أولية لإتمام مشاريعها. مثلاً لشراء مصابيح لورشة بناء، المتعهد لم يعد بحاجة لاستدراج عروض والاتصال بمنتجين، بل يكتفي بزيارة أحد مواقع ال"B2B" على الشبكة العالمية ويضع طلباً للمصابيح، حتى ترده لوائح بأسعار ونوعية وكميات المصابيح المتوافرة. وبنقرة زر يسجل طلبيته ويسدد الثمن وتكون المصابيح في طريقها الى ورشته في عملية لا تستغرق أكثر من دقائق معدودة. وسجلت شركة "جنرال موتورز" الاميركية أكبر عملية شراء في صناعة السيارات عبر "B2B" عندما ابتاعت ما قيمته 147 مليون دولار من المطاط لتغليف أسطح السيارات من الداخل. وشارك في المناقصة الالكترونية 18 شركة تقاسمت اربعة منها العرض. وقال المدير الاعلامي في الشركة دايفيد بارناس ان الشراء عبر الانترنت وفر نحو 95 في المئة من كلفة معاملات الشراء. وقررت شركتا "فورد" و"دايملر كرايزلر" انشاء سوق الكترونية للمواد الأولية يبلغ حجم المبادلات فيه سنوياً نحو 240 بليون دولار. ويعزو المحللون ميل شركات صناعة النقل البري والبحري الى انشاء أسواقهم الخاصة الى رغبتهم في أن يكونوا السباقين لسن قوانين المعاملات عبر أسواق ال"B2B". والفائدة المباشرة التي سجلتها شركات السيارات الأميركية عبر التجارة الالكترونية هي انتفاء حاجتها إلى الوسطاء خلال تسوقها للمواد الأولية، بوجود نحو 37000 مورد مستعدون للعمل عبر الشبكة العالمية. ويقول ألبرت بانغ المحلل الاقتصادي في شركة "IDC" الأميركية ان الشركات الأميركية وفرت في العام 1999 أكثر من 200 مليون دولار لتحولها الى الشراء الالكتروني. ويؤكد ان هذا الرقم مجرد بداية ويتوقع ان يرتفع في العام 2003 الى 103 بليون دولار. شركة "جنرال الكتريك" الاميركية الأكبر في العالم في الصناعات التقليدية بحجم مداخيل سنوي بلغ العام الماضي 112 بليون دولار وب340 ألف موظف موزعين عبر أكثر من مئة دولة في العالم، انتهت مطلع العام الجاري من وضع استراتيجية الكترونية تطبقها في كل عملياتها الصناعية والتجارية، من تسريع محرك نفاث الى شراء حافظات للأوراق. ولم تكتف "جنرال الكتريك" بتطوير نظم المعلومات الخاصة بها، بل لجأت الى شركات برامج اخرى لمساعدتها في هذه المهمة. ويقول المحلل في مؤسسة "ادوارد جونز وشركاه" المالية وليام فايالا ان "ذكاء خطوة جنرال الكتريك لا يعود الى كونها قررت الاعتماد على الانترنت، بل لأنها اعتمدت مئات الطرق للتعامل مع الشبكة". ويضيف "ان شركة بهذا الحجم تستطيع تحمل تكاليف اعتماد اكثر من طريقة او خطة بعضها سيفشل بالتأكيد لكن البعض الآخر سيصيب نجاحاً من دون شك". ورأت "جنرال الكتريك" ان تعداد سلعها على الشبكة لا يكفي وحده لبناء قاعدة من الزبائن الالكترونيين. ففي ميدان التسويق التقليدي قد تستغرق عملية بناء الثقة مع المستهلك ثلاثين عاماً وقد تخسرها في ثلاثين ثانية. أما في التسويق الإلكتروني الثلاثون ثانية كافية للخسارة والربح معاً. لذلك عمدت الشركة الاميركية الى بناء مواقع تفاعلية يستطيع من خلالها المستهلك الاستفادة من منتوجات وخدمات "G.E" ومتابعة تفاصيل عمليات النقل والتوضيب والاتصال بخبراء الشركة التقنيين لمواجهة أي خلل فور حدوثه. وألغت الشركة التقسيم الجغرافي لمنتوجاتها وخدماتها واعتمدت تصنيفاً أساسه السلعة. وأتاحت المواقع التفاعلية الاستفادة من تقنيات دوائر انتاج مختلفة في عمليات الصيانة. فقبل عصر الانترنت كان اصلاح عطل في محرك نفاث يستغرق نحو اسبوعين لتحديد نوع العطل وطلب بدل للقطعة التالفة وتجربة المحرك. أما الآن فإن العملية تتم في يوم واحد بعد تصوير المحرك من الدخل عبر تقنية مماثلة لآلات التنظير الطبي. ويقيم المدير التقني في "جنرال الكتريك" كريس فوسلييه الاستراتيجية الالكترونية لشركته بالقول "انها جعلت العمل عابراً للزمان والمكان وأصبح بإمكاننا العمل 24 ساعة يومياً وسبعة أيام في الأسبوع من أي مكان في العالم". ولم تقتصر أسواق تجارة ال"B2B" على المؤسسات التجارية الخاصة إذ انضم اليها الكثير من المؤسسات الاميركية الرسمية ومن بينها وزارة الدفاع البنتاغون التي اشترت العام الماضي سلعاً بقيمة 50 مليون دولار عبر الشبكة وتتوقع ان يرتفع الرقم في العام الحالي. ولكن هذا الرقم يبقى متواضعاً مع حجم مشتريات البنتاغون السنوي والبالغ 28،54 بليون دولار في الفترة نفسها. وتقتصر مشتريات الوزارة الاميركية عبر الشبكة على أنظمة معلومات وقطع غيار لأجهزة الكومبيوتر. وبالاضافة الى البنتاغون بدأت "ادارة الخدمات الحكومية" ادارة متخصصة بمشتريات الحكومة الاتحادية باعتماد برنامج للتجارة الالكترونية لسلع وخدمات محددة. وارتفعت نسبة عدد السلع المشتراة الكترونياً العام 1999 30 في المئة في حين ارتفع حجمها 50 في المئة أي ما يعادل نحو مليون دولار يومياً حتى أيلول سبتمبر الماضي. ويوجد حالياً أكثر من 29 ألف شركة متصلة الكترونياً بإدارة الخدمات الحكومية تتلقى منها بصورة تلقائية طلبيات لسلعها وخدماتها. لكن هذه السوق الناشئة والمتوقع لها أن تكون السوق الأساسية أو مصدر الأرباح التجارية الأول على شبكة الانترنت تواجه مشكلات هي ذاتها التي تواجهها شركات الانترنت الأخرى من مواقع تجارة تجزئة الى محركات بحث أو حتى شبكات اخبارية، ألا وهي الأمن الالكتروني. وعلى رغم انضمام مؤسسات رسمية تعتمد سبل حماية شديدة التعقيد الى مجال تجارة ال"B2B" لا تزال هذه التجارة مصدر قلق للكثير من الشركات. ومن بين وسائل تبادل المعاملات المالية الأمينة المتوقع اتباعها على الشبكة "الشك الالكتروني" الذي بادرت الى اطلاقه "خدمة الادارة المالية" التابعة لوزارة المالية الاميركية. واستخدم الشك لأول مرة في العام 1998 من خلال برنامج تشارك فيه خمسون شركة لها معاملات مالية مع الحكومة الأميركية. أما الوسيلة الثانية فهي تتيح للشركات التسويق ب"محفظة الكترونية" وهي عبارة عن معلومات مالية مدققة تدخل مع المستهلك الى كل موقع يزوره وتسمح بتسديد ثمن الطلبية بنقرة زر من دون الحاجة الى تعبئة استمارات مالية مطولة عند كل عملية بيع أو شراء. منير الخطيب [email protected]