الأعزاء في جريدة "الحياة" الغراء نشرت جريدتكم بتاريخ 22، 23، 24 نيسان ابريل 2000 حواراً مع عصام المحايري، أجراه نزار سلوم في دمشق. ونظراً للمغالطات التاريخية التي وردت في هذا الحوار أورد لكم، في ما يلي، رداً على مجمل ما جاء على لسان عصام المحايري ... - لست هنا بصدد الدفاع أو تبرئة أحد، وإنما صوناً للحقيقة وإنارة المسؤولين الذين ساقوا هذه التهم. وقبل البدء بنقد الاستنتاجات الفردية لحضرة الأمين عصام المحايري، لا بد لي أن أوضح، ومن مفهوم عقائدي، أن كتابة مذكرات فردية حول أحداث حزبية منفردة بالاستنتاج ولإنسان ملتزم ومسؤول في الحزب السوري القومي الاجتماعي، فهذا لا يعبر عن مفهوم قومي، وإنما يعبر عن مفهوم الإنسان الفرد، نقيضاً عقائدياً لعقيدة الإنسان المجتمع. وهذا اجتهاد لنظرية قديمة جديدة تمجد الشخص وتجعله محور الوجود. ومن ضمن هذا الرد استنتاج حضرة الأمين عصام المحايري، وهو يتهم وبوضوح حضرة الأمين جورج عبدالمسيح واسكندر شاوي بتدبير اغتيال العقيد عدنان المالكي. وهنا لم يتنبه الأمين عصام أن الحقائق وبعد 45 عاماً قد تجلت وبوضوح عما تم تدبيره لمحاولة اغتيال الحزب السوري القومي الاجتماعي وأن التهمة بالاغتيال قد ألصقت بشخص استشهد ولم يعد يستطيع الكلام. ولم يكن العقيد المالكي عضواً في حزب البعث، بل إن الواقع هو حليف لحزب البعث، وإن حماسته قد فترت منذ هزيمة شقيقه رياض في انتخابات 1954، واعتبر العقيد أن حزب البعث لم يمنح شقيقه الدعم الكامل. وبالمقابل فقد عين المالكي في هيئة الأركان ضابطين مناهضين للبعث هما أمين النفوري وأحمد عبدالكريم. وإن ما كتبه شقيقه رياض عام 1972، في كتابه "على درب الكفاح والهزيمة" يؤكد أن هناك مؤامرة خارجية - داخلية طالت عدنان المالكي والحزب القومي سوية. - إن التحقيق في مقتل المالكي مثلاً أظهر أنه أصيب بطلقين من الرصاص، الأول نافذ والآخر غير نافذ، وأن فوهة دخول الطلقين في اتساع سبعة مليمترات، في حين وجدت غلافات فارغة لرصاصتين من عيار تسعة مليمترات، ولم يأت التحقيق على ذكر الرصاصة غير النافذة التي ظلت في جسد المالكي، لمعرفة عيارها هل هو تسعة مليمترات المطابق لمسدس يونس عبدالرحيم أو مخالف له، وما إذا كانت تسببت في الوفاة. والتحقيق في ذلك الأمر الهام يجب أن يكون من بديهيات الأمور. وقد أفاد شهود في محاضر التحقيق أن مسدس يونس عبدالرحيم روكب فخرطشه، وقد يكون ذلك دفاعاً عن النفس أمام مطلق النار، فخرج مظروف من عيار تسعة مليمترات مملوء وجده التحقيق على الأرض. ومن السهل تدبير أي شاهد أو أكثر ليشهد أن يونس عبدالرحيم صوب مسدسه الى صدغه وأطلق النار على نفسه. - لم يأت الطبيب الشرعي، ولا النائب العام المساعد محمد الجراح، في المحضر الفوري للتحقيق، على ذكر الوشم، أو الشعر المحروق المفترض وجودهما عند مكان دخول الرصاصة في رأس المنتحر، إذا كان إطلاق الرصاص من مسافة قريبة جداً. كما أنه لم يذكر شيئاً عن وجود المظروف الفارغ للرصاصة الرابعة، وهي الرصاصة المفترض أن يكون قد أطلقها يونس على صدغه عند الافتراض بأن الرصاصتين الأولى والثانية أطلقتا على المالكي والثالثة مليئة بفعل روكبة المسدس. - وقد ذكر التحقيق أن يدي يونس عبدالرحيم وفخذيه كانت ملطخة بالدم، ما يدل على احتمال إصابة يونس بطلقين من الرصاص، وليس بطلق واحد. وقد يكونان هما اللذان وجد غلافاهما فارغين من عيار تسعة مليمترات على الأرض. وهنا يؤكد أحد المتفرجين للرفيق اسماعيل بدّور ويقول ما زلت أذكر منذ أربعة وأربعين عاماً أنني التفتُّ الى الخلف إثر إطلاق النار وشاهدت الرائد أكرم الديري وبيده المسدس يرغي ويزبد. - إن وجود فتحتين في جسم المالكي كل منهما بقطر سبعة مليمتمرات مقابل وجود المظروف الفارغ لرصاصتين من عيار تسعة ملم، يؤكد أن القاتل ليس الشهيد يونس عبدالرحيم، ولسبب واضح ان مسدس الشهيد يونس هو من عيار تسعة ملم، وأن استخدام الشهيد يونس لمسدسه هو بمواجهة مطلقي النار، وليس باتجاه اغتيال العقيد المالكي. - إن ترويج إشاعة إطلاق الشهيد يونس للنار على صدغه هو مجرد إشاعة فقط ولسبب واضح أيضاً هو أن التحقيق لم يثبت وجود دلائل لمثل هذا العمل، بل أكد أن الذي قتل يونس عبدالرحيم هو أحد أفراد الشرطة العسكرية. - إن ترك صفين من المقاعد الفارغة بين العقيد المالكي ويونس عبدالرحيم، والذي تم فرزه الى هذه النقطة، وهو المعلن لهوية انتمائه الحزبي، يوحي أن هناك شيئاً مدبراً سلفاً، ذلك مع تناقض الكثير من إفادات الشهود، ومؤكد أن هناك مؤامرة حيكت لاغتيال العقيد المالكي، ومنها لاغتيال الحزب السوري القومي الاجتماعي وقد استقال قاضي التحقيق صلاح يوسف آغا وكلف مكانه الرئيس محمد الجراح. وما يزيد من التأكيد على هذه المؤامرة المدبرة داخلياً وخارجياً هو ما تم نشره أخيراً في كتاب "مرآة حياتي" لسيادة العماد أول مصطفى طلاس، وتحت عنوان "مصرع النسر" لكشف الأسباب الحقيقية لمقتل عدنان المالكي. - في صفحة 466: "أكاد أسأل هل قتل القاتل يونس عبدالرحيم أم ألقي القبض عليه حتى يجيء الخبر كقصف العمر، لقد صرعه فوراً أحد مساعدي الشرطة العسكرية بطلقين مباشرين وجههما الى رأسه". - وفي الصفحات 472- 477: "ومن هو المستفيد من مقتل عدنان المالكي؟ إن المحقق طرح السؤال ولكن الجواب انحصر في ما وفي من قدم له وليس بما تقدم هو إليه أو إليهم. وهنا وقع المحقق أو أوقعوه أسيراً للفكرة الثابتة التي أدخلوها في روعه والقائلة إن الجريمة عقائدية ارتكبها الحزب السوري القومي ثأراً لماضٍ أو طمعاً لمستقبل وبناء عليه حاول المحقق أن يسأل من قتل القاتل؟ وجاء الجواب مع وسام على طبق من الفضة، قتله أحد رجال الأمن بعد ثانيتين أو ثلاث، وبدلاً من أن يكسروا يد هذا الأحد من رجال الأمن على هذا الحماس الوطني المشكوك فيه فإنهم رقوه فوراً وكوفئ ولم يتمكن المحقق من استجوابه ليتعرف الى باعثه على إفراغ مسدسه في دماغ القاتل". - ربما حاول المحقق أن يسأل من هو المستفيد من إخفات صوت القاتل... لكنه بقي أيضاً بلا جواب. ذلك أن امرأة القيصر هي فوق الشبهات، ومن يستطيع أن يسأل رجل الأمن عبدالحميد السراج، وهو بمثابة زوج القيصر، أو من يسأل مرؤوسه أكرم ديري، أو سواهما من القياصرة، لماذا أحد عناصرهم قتل القاتل على الفور؟ - كان الرائد عبدالحميد السراج رئيساً للمكتب الثاني، ذلك المكتب الذي قاد أجهزة الأمن المختلفة وبقوة. وخلال أربع ساعات تمكن هذا الرائد النشيط من إلقاء القبض على ما يزيد عن التسعين شخصاً من قياديي هذا الحزب. فكيف عرفت المخابرات أن الحزب هذا هو وراء عملية الاغتيال في حين أن القاتل لم يبح بشيء لأنهم لم يتركوه يبوح؟ - لقد اغتيل العقيد المالكي وسط صراع مرير بين تكتلات سياسية وعسكرية مختلفة في الجمهورية الشامية، وصراع بين الولاياتالمتحدة وروسيا، ما يوحي أن ذلك الاغتيال كان ضمن نتائج ذلك الصراع في حفلة الكوكتيل التي أقيمت في نادي ضابط حامية دمشق، بمناسبة عيد الجلاء في 17/4/1955، أي قبل حادث الاغتيال بخمسة أيام، شاهدت زوجة الملحق العسكري الأميركي العقيد المالكي وهو يتدفق شباباً وحيوية فهمست في أذنه أن يتنبه لنفسه فحياته مهددة... - وهناك حصان آخر دخل الميدان وبقي يركض الى آخر الشوط حتى كاد ينقطع نفسه، ولم يتوقف حتى توقف نفس المالكي، وربما هو الذي أحرز الفوز بالجائزة. هذا الحصان الأسود هو محمود رياض سفير مصر في سورية أواسط الخمسينات. لقد أصرّ محمود رياض على العقيد المالكي بوجوب حضور المباراة. والظاهر أن المالكي ما أحب حضور هذه المباراة، واعتذر لمن كلفه برعايتها من الوسطاء حتى قطعوا الأمل، فلجأوا الى محمود رياض، في ربع الساعة الأخيرة وفتح الهاتف على منزل العقيد .... - لا يوجد أي تأكيد أو تبرير لاتهام الأمين عصام أن الحادث مدبر من قبل الأمين جورج عبدالمسيح واسكندر شاوي، بل العكس. كيف يمكن أن يقبل الأمين عصام إفادة رفيقين معتقلين في السجن وتحت الضغط الذي يعرفه أنه من الممكن الإفادة بما يريدون، حتى يتخلصا من العذاب المرير الذي يتعرضان إليه. ويوجد أساليب كثيرة كانت تستخدم لفرض مثل هذه الإفادات، وهذا اللقاء المدبر. - بل يوجد هناك مآخذ كبيرة على الأمين عصام منها أنه أعطى دلالات واضحة واستنتاجات خاطئة، أثناء محاكمته، حين سئل عن تصرف اسكندر شاوي أجاب: "يجوز يكون مطلع" على تدبير الاغتيال، ورداً على سؤال آخر قال: "مفروض وبجوز أن يكون عمَّا يترقب الاغتيال". - وفي ما يتعلق بجورج عبدالمسيح قال: قد يكون جورج عبدالمسيح قد توقع حملة تفتيش، فوافق على إخفاء هذه الأوراق أوراق حزبية، وقال: ولكن إذا صح أن القتل كان بتدبير قوميين، ونظراً لأن القاتل من العسكريين القوميين، فإن صلته تكون إما بأصدقائه القريبين الشخصيين أو بالجهاز الذي يتصل بالعسكريين، وهو جهاز عمدة التدريب المؤلف من رئيسه السابق الأمين عبدالمسيح، وعميده الحالي غسان جديد، ووكيل العميد اسكندر الشاوي" وقال: إن الذين يعرفون الأمين عبدالمسيح يعرفون أنه يتخذ أحياناً كثيراً من القرارات الكبيرة من دون أن يعود الى السلطات المختصة الإفادات أعلاه وردت في محضر التحقيق رقم 27 مع عصام المحايري. وعلى أثر هذه الإفادات والاستنتاجات التي نشرت في الصحف، أخذ المجلس الأعلى قراراً، وفي منزل الأمين أسد الأشقر، وقرر وقف الأمين عصام المحايري عن ممارسة حقوق الأمانة، نظراً لتجنيه على المسؤولين الحزبيين وبالتالي على الحزب، ولضعف استنتاجاته. وكان جوابه للرسول المحامي المرسل إليه لتبليغه قرار الحزب: - إنني ما اتهمت الثلاثة إلا لكونهم فارين، ولا يمكن أن تطالهم يد الطغيان. - وهنا يظهر وبوضوح التناقض مع ما كتب عصام المحايري أنه في إحدى جلسات المواجهة مع الديري والسراج حول وجود تنظيم للعسكريين، نفى وجود هذا التنظيم ... باريس - أحمد علي تق