تجنبت الحكومة الأردنية الجديدة التي شكلها علي ابو الراغب الاحد الماضي رفع التوقعات بحلول سريعة للمشاكل السياسية والاقتصادية التي تعاني منها المملكة. بل انها سعت منذ اليوم الاول من مباشرتها العمل الى التركيز على أن نتائج الاصلاحات التي ستنفذها وفقا لكتاب التكليف الملكي، ستحتاج سنوات عدة قبل ان تأتي ثمارها على أرض الواقع. وجاءت الرسالة التي وجهها الملك عبدالله الثاني لتؤكد ضرورة عدم التسرع في الحكم على اداء الفريق الحكومي الجديد قبل مرور وقت كاف للإفساح في المجال للإصلاحات التي تستهدف الانسجام مع مبدأ اقتصاد السوق، لتنعكس على الأوضاع العامة. وتزامن مع تشكيل الحكومة الجديدة، التي غلب عليها الطابع التكنوقراطي - الليبرالي، حملة اعلامية غير مسبوقة اخذت صورة لافتات ضخمة في الطرق، واعلانات في الصحف باللغتين العربية والانكليزية، تظهر صور اردنيين واردنيات من مختلف الاعمار، وتحمل شعارات من نوع "على قدر أهل العزم..."، مع كلمة "الاردن" والراية الاردنية في الخلفية. ونشرت صحيفة "جوردن تايمز" الناطقة بالانكليزية اعلاناً أمس ظهر فيه شاب في العشرينات وإلى جانبه شعار "عليك بالأفكار الكبيرة" بالانكليزية، وكلمة "الاردن" بأحرف كبيرة في الخلفية. وبدت الحملة الاعلامية التي يقول مسؤولون انها تهدف الى "رفع معنويات" المواطنين وتعميق ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بالفخر، وكأنها تتزامن مع تشكيل حكومة الملك عبدالله "الاولى"، على اساس ان الحكومة السابقة كانت بمثابة حكومة انتقالية في مرحلة تعزيز اركان الحكم بعد الانتقال الدرامي للسلطة بعد غياب الملك حسين. وترافق مع حملة "رفع المعنويات" حملة اعلانية لتسويق الاردن سياحيا وجذب الاستثمارات ورسم صورة حديثة للمملكة كمقر لتكنولوجيا المعلومات. وتقول مصادر مطلعة إن القصر يقف وراء هذه الحملة غير المألوفة لإستنهاض الهمم وتجاوز الشعور العام بالاحباط الذي تعمق خلال عهد حكومة رئيس الوزراء عبدالرؤوف الروابدة الذي اقيل يوم الاحد الماضي. ويتفادى ابو الراغب، الذي يعتبر من المقربين للملك شخصياً، رفع التوقعات في شكل قد يؤدي الى مزيد من الاحباط في حال عدم إحراز تقدم ملموس على صعيد تحسين الوضع الاقتصادي او السياسي من خلال اجراءات اشار اليها العاهل الاردني في كتاب تكليف الحكومة الجديدة. وكان ابو الراغب ابلغ النواب في لقاء عقده معهم مساء الاثنين الماضي ان إدعاء الحكومة بإمكان اجتراح المعجزات سيغرقها في مستنقع من الاحباط". وأكد ان برنامجه، الذي يتضمن تحقيق المساواة بين المواطنين ورفع نسبة النمو الاقتصادي وتعديل قانون الانتخاب وبيع حصص الحكومة في الصحف الرسمية وتحويل ملكية الاذاعة والتلفزيون الى القطاع الخاص، يحتاج الى سنوات وليس اشهرا لتحقيقه، وانه يجب الا يتوقع احد بأن يكون هناك ثورة بين ليلة وضحاها، بل "عملية اعادة هيكلة تدريجية منظمة". ويجمع المراقبون ان كتاب التكليف الملكي الذي حدد إطار عمل الحكومة الجديدة، تضمن تنفيذ برنامج اصلاحي طموح جدا من عناوينه الرئيسة: "حفظ الوحدة الوطنية وتطبيق القاعدة الدستورية التي تنص على المساواة وتكافؤ الفرص"، و"صوغ قانون انتخاب عصري يتيح تمثيل شرائح المجتمع وتأكيد ضرورة ممارسة المواطنين حقوقهم الانتخابية"، و"الضرب بيد من حديد على يد العابثين بمصالح المواطنين، والتصدي للترهل والتسيب والفساد والمحسوبية والشللية والمزاجية في المناصب العامة". كما دعا الملك الى "التأسيس لإستقرار الحكومات والوزارات بعيداً عن تحريضات الصالونات السياسية والصحف للرأي العام بحجة مرور مئة يوم على تشكيل الحكومة". إلا ان المراقبين لا يتوقعون ان يصبح الصبر من سمات الاردنيين او صحافتهم او برلمانهم، خصوصا في سنة انتخابية. كما ان الفصل بين السلطتين الاشتراعية والتنفيذية لا يساعد الحكومة على العمل بمعزل عن المناكفات النيابية المعروفة. فمجلس النواب، الذي لا يزال ابو الراغب احد اعضائه كان من بين العوامل الاساسية التي اطاحت حكومة الروابدة بعدما وقع غالبية اعضائه على مذكرة تطالب بإقالة الحكومة، وهو ما اعتبر بمثابة سحب الشرعية السياسية عنها. وكان رئيس الوزراء الجديد احد قادة "مذكرة نيسان" الشهيرة. وعلى رغم ان الاوساط النيابية ترجح ان يحصل ابو الراغب على تأييد ما لا يقل عن 50 نائباً من اصل ثمانين في الجلسة الاستثنائية المتوقع عقدها الشهر المقبل، إلا أن الاشهر المقبلة ستشهد تصعيدا ضد الحكومة كلما اقترب موعد الانتخابات النيابية المتوقع اجراؤها في خريف العام الجاري، ما لم تتم الدعوة الى انتخابات مبكرة. ومن الطبيعي في هذا السياق ان يكون الروابدة من بين النواب الأكثر مناكفة للحكومة، مسلحاً بمعرفة عميقة لتفاصيل العمل الحكومي، الى جانب نواب يشعرون بالغبن بعدما ساهم تحالفهم مع ابو الراغب في إطاحة حكومة الروابدة من دون ان يحقق أي منهم مكاسب من تحالفه هذا والذي بدا انه افاد ابو الراغب شخصيا دون غيره. وفي هذا السياق، لا تبدو حكومة ابو الراغب مؤهلة في شكل كاف، بتركيبتها التي طغى عليها التكنوقراط والبيروقراط، لمواجهة التحديات والمناكفات التي ستواجهها داخل البرلمان وخارجه. إذ ان غالبية الفريق الاقتصادي 14 وزيرا من 29 يملكون كفاءات اقتصادية وفنية لا خلاف عليها، لكنه يفتقر الى الخبرة في مجال العمل العام، فضلا عن سيطرة مؤسسات اعلامية في الدولة كان الروابدة استقطبها خلال رئاسته الحكومة. وليس معروفا عن اي من نواب رئيس الحكومة - عوض خليفات وصالح رشيدات وفارس النابلسي ومحمد حلايقة - امتلاكه موهبة التعامل مع المعارك السياسية التي تتطلب استقطاب الرأي العام والدفاع عن سياسات الحكومة وتسويقها. وفيما يعتبر وزير الاعلام، طالب الرفاعي، من الشخصيات التي تتمتع بإحترام كبير في مختلف الاوساط السياسية، إلا انه يفتقر الى الخبرة الكافية في مجال الاعلام. غير ان بعض المراقبين يرون في "التعددية" التي يمثلها فريق الحكومة، والدعم الملكي الكبير المتوقع لها، غطاء سياسيا كافيا لتنفيذ جزء من برنامجها الاصلاحي الطموح بقدر مقبول من الخسائر. وبما ان الحكومة نفسها تسعى الى خفض التوقعات، فإن احدا على اية حال، لا يتوقع منها "ثورة بيضاء" على الوضع القائم، رغم ان ما تضمنه كتاب التكليف الملكي، يرقى الى مستوى الدعوة الى ثورة من هذا اللون.