ارتدى الجدل حول اوضاع الصحافة في المغرب طابعاً سياسياً وقانونياً ومهنياً في غضون تعرض بعض الصحافة إلى المنع ومحاكمة صحافيين في منازعات قضائية. وبينما كانت حكومة رئيس الوزراء المغربي عبدالرحمن اليوسفي تلح على اعتبار اصلاح المشهد الاعلامي قضية محورية ذات ارتباط بمؤسسات الاذاعة والتلفزيون، انفلت الوضع نحو طرح اشكالات لها علاقة بحرية التعبير والرأي ومسؤولية القضاء وآفاق ممارسة المهنة. في ظرف وجيز، منعت السلطات عددين من اسبوعيتي "لوجورنال" و"الصحيفة" من التداول، وعزت ذلك إلى نشر مقابلة مع زعيم جبهة بوليساريو محمد عبدالعزيز، لكنها بررت اللجوء إلى قرار المنع انه اتخذ على "مضض" في اشارة إلى التزامها حرية الصحافة، لكن الموضوع تجاوز ذلك نحو تغيير مسؤولين مركزيين في قناة التلفزيون الثانية بسبب ما وصف انه "خطأ مهني" استناداً إلى ان القناة قدمت قراءة في الصحيفة التي نشرت المقابلة مع زعيم بوليساريو. واثير في غضون ذلك جدل واسع حول حدود ممارسة حرية الصحافة، وهل ان النشر يعتبر مساساً بالاجماع القائم حول قضية الصحراء، ام انه يندرج في سياق الدور المنوط بالاعلام على مستوى احترام حرية المتلقي في المتابعات الاعلامية. وأعاد الحديث تجربة سابقة إلى الواجهة، حين نشرت اسبوعية "لوجورنال" ذاتها مقابلة مع رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو قوبلت باستياء المنبرين الاعلامي والسياسي. بموازاة ذلك، اصدرت محكمتان في الدار البيضاء وطنجة احكاماً قضائية ضد الصحافيين مصطفى العلوي مدير "الاسبوع" وخالد مشبال مدير "الشمال" وصلت إلى حد المنع من ممارسة مهنة الصحافة ثلاث سنوات، اضافة إلى احكام بالسجن وتعويضات للمتضرر الذي لم يكن سوى وزير الخارجية المغربي محمد بنعيسى. وتعود وقائع النزاع إلى اتهامات صدرت في الصحافة حول اقتناء مقر السفارة المغربية في واشنطن في ظروف يسودها الغموض، لكن المتابعات القضائية ركزت على تهم "القذف والسب". وما زال الملف مفتوحاً حول تفاصيل أخرى، وكان رد الفعل المشترك لدى بعض الصحافة صدور اعداد بيضاء، وهو تقليد دأبت عليه الصحافة المغربية في سنوات الاستعمار عندما كانت تتعرض للرقابة وتعنون البياض الناصع ب"حذفته الرقابة". اللافت في احتجاجات الصحافيين ضد الاحكام القضائية الصادرة انها استنكرت استخدام القانون الجنائي الذي يمنع المتورطين في الاضرار بالناس من ممارسة المهنة، ولا توجد في قانون الصحافة حال مماثلة له، لكن الحكومة رأت انها تستعجل طرح القانون الجديد للصحافة امام البرلمان، في حين يسود اعتقاد ان تجاوز الاشكالات المرتبطة بوضع الصحافة في المغرب يحتم تسريع إحداث "مجلس اعلى للاعلام" يكون من صلاحياته وضع ميثاق مهني واخلاقي للممارسات. ويقول الصحافيون المتضررون ان هناك متابعات قضائية ضد صحف أخرى يعتريها البطء لأن ناشريها وزراء في الحكومة وان الجمع بين المسؤولية في الجهاز التنفيذي وفي الصحافة يعوق استقلالية القضاء. ولكن الوضع في جانبه السياسي يتجاوز ذلك، فالصحافة المستقلة التي بات ينظر إلى بعضها في المغرب انها تثير المتاعب تكاد تتجه نحو ملء الفراغ في المعارضة، كون صحافة المعارضة الراهنة محدودة التأثير، في حين ان مناخ الانفتاح وتجاوز "الطابوهات" السائد يشجع الصحافيين المغاربة على طرح قضايا، كانت إلى وقت قريب تعتبر محظورة او يتم التعاطي معها باحتشام. ومنذ ان غيّب الموت الملك الحسن الثاني صيف العام الماضي، بدا ان بعض الصحافة مسارع إلى فتح ملفات عدة، من ذلك نشر مذكرات معتقلين ومدنيين تورطوا في محاولتين انقلابيتين ضد الملك الراحل، واثارة ملف المعارض المهدي بن بركه الذي اغتيل في ظروف غامضة في باريس عام 1965، وكذلك حال معتقلين ومختفين سابقين، فضلاً عن إحداث القلاقل المدنية التي عرفتها البلاد مرات عدة. وما يشجع على المضي قدماً في الاتجاه هو ان الدولة اقرت بحقوق التعويض للمتضررين من الاعتقالات التعسفية، بيد ان السلطات ترى في الكتابات التي تطاول قضية الصحراء تجاوزاً ل"الخطوط الحمر"، لكنها ترغب في غضون ذلك في الابقاء على حيوية المشهد الاعلامي، اقله بهدف عكس صورة التطورات السياسية. وحين اعتصم صحافيون مغاربة امام مقر السفارة التونسية في الرباط لاعلان التضامن مع التونسي توفيق بن بريك تم تفريقهم باستخدام العنف، ما يعني ان "الخطوط الحمر" ستطاول في بعض جوانبها العلاقات الخارجية للبلاد. ثمة هاجس آخر يتحكم في مسار اوضاع الصحافة، فالمنافسة القائمة بين المؤسسات الاعلامية شجعت على استخدام "الاثارة" وهي لا تخص القضايا السياسية واوضاع حقوق الانسان وملفات الفساد، ولكنها تتجاوز ذلك نحو استخدام موضوعات "الجنس والشذوذ وغرائب المحاكم"، إلى درجة يصف معها البعض هذا الوضع انه "فوضى اعلامية"، لكن حكومة رئيس الوزراء ترد ان الصحافة تحررت من قيود ذاتية وموضوعية وان للتحرر هفواته أيضاً.