المسار السوري في عملية السلام مات، على رغم ان لا أحد يريد ان يعترف بذلك رسمياً. ولا يمكن الاّ لمعجزة ان تعيده الى الحياة. فقد تحول الاهتمام العالمي الى انسحاب اسرائيل الاحادي الجانب من لبنان الذي يفترض ان يتم في غضون الشهرين المقبلين، والى نتائج العنف التي يمكن ان تترتب عليه. وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود باراك خطط اصلاً للانسحاب ضمن سياق اتفاق سلام مع سورية. ولكن فك الانسحاب عن عملية السلام الآن، واصبح يملك زخماً وجدولاً زمنياً خاصاً به. هذا هو "الواقع الجديد" في المنطقة الذي يتحدث عنه ديبلوماسيون غربيون ويركزون، مع الاممالمتحدة، جهودهم عليه. عملية السلام السورية - الاسرائيلية طواها النسيان، على الاقل في الوقت الحاضر. ويبدو ان الولاياتالمتحدة، راعية العملية، اقرت بعجزها، وهي مهتمة حالياً بشكل اساسي بمساعدة حليفها الاسرائيلي على الانسحاب من لبنان بأقل ما يمكن من الاذى. وبدأت الشاحنات الثقيلة الاسرائيلية بالفعل تتحرك جنوباً وهي تنقل الرجال والمعدات. ويتوقع معظم المراقبين ان يتم الانسحاب الاخير قبل الموعد النهائي في 7 تموز يوليو المقبل. والارجح ان يكون خاطفاً من دون ضجيج اعلامي، على غرار انسحاب اسرائيل من الشوف في 1985. يريد الجيش الاسرائيلي وهو يرحل، إذا امكن، ان يفلت من المضايقة على ايدي مقاتلي "حزب الله"، وان يتفادى اعطاء انطباع بأنه يهرب. لكن الحقيقة هي ان اسرائيل خسرت الحرب في لبنان وهي، اذ لا تريد ان تتكبد مزيداً من الخسائر، تنسحب من ساحة القتال. ويحتفل المتطرفون الاسرائيليون في الجولان بانهيار المسار السوري ويمضون قدماً في مشاريعهم لبناء مستوطنات. وكثرة من الاسرائيليين المتأرجحين الذين لم يقبلوا الاّ بتردد ضرورة التخلي عن الجولان، تنفست الصعداء لانه لن تكون هناك عملية إعادة سريعة للاراضي الى سورية. في غضون ذلك، يبدي المتطرفون من اليمين ابتهاجهم. فهم يرون في ذلك فرصة للاحتفاظ بالجولان الى الابد. ويأمل بعضهم حتى ان يعطي التصعيد في لبنان اسرائيل ذريعة لمواجهة عسكرية حاسمة مع سورية. لكن كل اولئك الاسرائيليين الذين كانوا يدعون إلى السلام مع سورية ويدركون المنافع التي سيحققها - ومن ضمنهم بعض الجنرالات وكبار المسؤولين وربما حتى غالبية صامتة من الجمهور العام - يشعرون بخيبة امل واحباط. من يتحمل مسؤولية الفشل؟ تقع المسؤولية عن فشل المفاوضات السورية - الاسرائيلية اساسا على عاتق باراك. فقد اعتقد في بداية توليه منصبه قبل عام، سواء بسبب افراط في الثقة او انعدامها، بأنه يمكنه ان يتجاهل الالتزام الذي قُطع لسورية عبر الاميركيين من جانب اثنين من اسلافه، اسحق رابين وشمعون بيريز، بالانسحاب من الجولان الى خط 4 حزيران يونيو 1967. ورفض المصادقة على هذه "الوديعة في جيب الاميركيين"، وحاول بدلاً من ذلك ان يحصل على شروط افضل. تخيل باراك انه يمكن ارغام الرئيس حافظ الاسد على قبول تعديل ما على خط الرابع من حزيران، بما يعطي اسرائيل سيطرة كاملة على بحيرة طبريا وشاطئها كله. وضمن مسعاه للحصول على هذا التعديل المهم، اخطأ في قراءة تركة المفاوضات التي جرت مع سورية في الفترة بين 1992 و 1996، التي كانت حصيلتها الاساسية ان الاسد كان مستعداً لابداء مرونة على صعيد كل عنصر تقريباً في رزمة السلام - الترتيبات الامنية، الجدول الزمني للانسحاب، المياه - باستثناء الارض. واكد الرئيس السوري بوضوح تام منذ بداية عملية مدريد للسلام في 1991 انه لن يتنازل عن شبر من الارض التي احتلتها اسرائيل في 1967، وبالاستناد على هذا الاساس بالذات وافق رابين وبيريز على التفاوض. عندما كان باراك قوياً في تموز يوليو الماضي، تردد في التفاوض مع الاسد على هذا الاساس. وهو الآن، بعد انقضاء عام، ضعيف إلى درجة تجعله عاجزاً عن القيام بذلك، حتى اذا كان يرغب فيه. فالائتلاف الذي يتزعمه مهزوز. وقطاع كبير من الرأي العام فقد الثقة به. وهو يواجه ابتزازاً مستمراً من حزب "شاس" الذي يهدد بالخروج من الائتلاف ما لم يمنح مزيداً من المال لمدارسه الدينية، في الوقت الذي لا يستطيع ان يغيّر تحالفه من "شاس" الى ليكود من دون التخلي كلياً عن سياسة السلام التي يتبناها، ليس مع سورية فحسب بل مع الفلسطينيين ايضاً. ويبدو واضحاً ان باراك لم يعد يملك التأييد الداخلي الضروري للتوصل الى اتفاق سلام مع سورية على اساس خط الرابع من حزيران. فقد فشل في تأمين موافقة حكومته على مثل هذا الاتفاق، ناهيك عن تأييد الكنيست او البلاد. هذا هو السبب الرئيسي وراء القول بأن المسار السوري مات، وهي ادانة للسنة الاولى من عهد باراك. فقد سقط في الاختبار كاستراتيجي سياسي وليس فقط كرجل دولة. واضاع الفرصة لتحقيق السلام. يجب ان تتحمل الولاياتالمتحدة خصوصاً دينيس روس، المنسق المخضرم للسلام في الشرق الاوسط، قسطاً مهماً من المسؤولية عن انهيار المسار السوري. فالتعهدات بالانسحاب الكامل التي قطعها رابين وبيريز للاسد في التسعينات سجّلت واُقرّت ونُقلت الى سورية من قبل الولاياتالمتحدة. كان هذا الدور الاميركي المباشر، والتأكيدات الشخصية للرئيس كلينتون، هي التي اقنعت الاسد بأنه سيتم الايفاء بالتعهدات. ولكن عندما اختار باراك ان يتجاهلها، لزمت الولاياتالمتحدة الصمت. وبالفعل، بذلت جهداً استتثنائياً للتكيف مع الموقف السوري. وبقدر ما يتعلق الامر باسرائيل، كان دور اميركا "كعامل مساعد" في المفاوضات يستبعد بوضوح اي عنصر ينطوي على فرض بالقوة، حتى بالنسبة الى الصفقات التي كانت الولاياتالمتحدة ذاتها توسطت لابرامها. وعند تفحص المخاطر الحقيقة في الوضع الحالي، لا يمكن تفادي الاستنتاج ان الطريقة التي تعاملت بها واشنطن مع عملية السلام العربية - الاسرائيلية على مدى السنوات الثماني الماضية كانت فاشلة، وان كلينتون لن يتوّج رئاسته بجائزة نوبل للسلام. ويجب ان يتحمل الاسلوب التفاوضي لسورية - تصلبها، رفضها الانخراط في علاقات عامة، تجاهلها المزدري للرأي العام الاسرائيلي - قسطاً ما من المسؤولية عن الفشل. فسورية، انطلاقاً من قناعتها بعدالة قضيتها وبعدما اغضبتها تهديدات اسرائيل واستفزازاتها، لم تكن مستعدة لمساعدة باراك. ورفضت ان تقدم الايماءات التي كان يمكن ان تهدىء من الارتياب العميق لدى جمهور الاسرائيليين، والتي كان يمكن بدورها ان تمكن باراك من قبول رزمة سلام اقرب الى رغبات دمشق. ربما هناك سبب اساسي اكثر لاخفاق سورية واسرائيل في التوصل الى اتفاق. فموقف اسرائيل ينطوي ضمناً- وهو غالباً ما يتجلى علناً بالفعل - على التصور بانه نظراً لكونها اقوى من جيرانها وتتمتع بدعم اميركي غير محدود فانها تستطيع ان تملي السلام وفق شروطها على الشرق الاوسط. ومصالحها - المتعلقة بالمياه والامن وغير ذلك - يجب ان يكون لها الاسبقية بطبيعة الحال على مصالح العرب. فاذا كانت تشعر بالحاجة الى الاحتفاظ بجزء من الاراضي العربية المحتلة يجب على العرب ان يقبلوا بفقدانها. مثل هذه المواقف الاسرائيلية لا يطاق بالنسبة الى الاسد. فسياسته القائمة على عدم التفريط "حتى ولو بشبر" تمثل رفضاً كاملاً لها. والسلام الذي يسعى اليه يجب ان يستند على توازن مصالح وينجم عن تفاوض بين اطراف متكافئين. فاسرائيل، حسب وجهة نظره، لا يمكن ان تطالب بمعاملة خاصة، او ان تدعي حقوقاً خاصة، ولا يمكن ان تسعى الى تحقيق الامن على حساب امن جيرانها. تاريخ الاشهر الستة المهدورة عندما التقى رئيس الوزراء باراك ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع في "بلير هاوس" في واشنطن في كانون الاول ديسمبر الماضي، بعد جمود دام ثلاث سنوات في عهد نتانياهو، تم ذلك على اساس ان المفاوضات ستستأنف "من حيث انتهت" في آذار مارس 1996. لم ترد أي اشارة علنية في ذلك الحين الى خط 4 حزيران يونيو 1967، لكن السوريين اعتبروا ان باراك قبل تركة المفاوضين السابقين، حتى وإن كان متردداً في ان يقول ذلك علناً. وشكلت اربع لجان مشتركة، لمناقشة الترتيبات الامنية والتطبيع والمياه وترسيم حدود الرابع من حزيران يونيو 1967. ووفقاً لاقتراح اميركي، كان يتعيّن على اللجان ان تباشر عملها بشكل متزامن لئلا تعطى اسبقية لمصالح وشكاوى احد الطرفين بدلاً من الآخر. ولكن عندما التقى المتفاوضون مرة اخرى في شيبردزتاون مطلع كانون الثاني يناير الماضي، تخلف الوفد الاسرائيلي عن حضور اجتماعي لجنتي ترسيم الحدود والمياه، باستثناء مرة واحدة في اليوم الاخير. كان باراك يفضل تركيز الانتباه بدلاً من ذلك على التنازلات التي قد يكون السوريون مستعدين لتقديمها على صعيد الامن والتطبيع. واصبح واضحاً انه كان يسعى الى تفادي ترسيم خط الرابع من حزيران. ويرجع سبب هذا الموقف الى ان الخط يمتد بمحاذاة الشاطىء الشمالي الشرقي لبحيرة طبريا، وهي منطقة كان السوريون يسيطرون عليها عشية حرب حزيران لكن اسرائيل تريد الآن فرض سيطرتها عليها. وبالفعل، تبدى تدريجاً منذ ذلك الحين ان اسرائيل تريد التفرد بسيطرتها ليس على البحيرة وشاطئها فحسب، بل ايضاً على الطريق الذي يلتف حولها، وهو مطلب يتضمن دفع الحدود السورية الى الشرق مئات عدة من الامتار، وفي الواقع الى اسفل جرف الجولان تماماً. وعندما سرّبت اسرائيل، بعد اجتماع شيبردزتاون بوقت قصير، مسودة اميركية لاتفاق سلام تظهر تنازلات واسعة من جانب السوريين على صعيد التطبيع والامن، اقدم الاسد الذي تملكه الغضب على قطع المفاوضات. فقد شعر بأن باراك ليس جدياً، وانه يراوغ. وطالب الاميركيين بايضاح للموقف الاسرائيلي. هذه هي الخلفية المباشرة لقمة كلينتون - الاسد في 26 آذار مارس الماضي. كان الرئيس الأميركي اقترح على نظيره السوري ان بامكانه، وهو في طريق عودته الى بلاده من جولة في شبه القارة الهندية، ان يتوقف لعقد اجتماع في جنيف التي استضافت اجتماع القمة السابق بينهما في كانون الثاني يناير 4919، عندما كان الاسد اكد لكلينتون "خياره الاستراتيجي" للسلام. وصل الاسد برفقة وفد كبير للمشاركة في ما كان يتوقع ان يكون مسعى تاريخياً لاعادة قطار السلام الى السكة. وافترض السوريون - ومعظم المراقبين المستقلين - ان كلينتون سيجلب للاسد توكيداً من باراك انه مستعد اخيراً للاعتراف بخط الرابع من حزيران باعتباره يمثل الحدود بين البلدين، وانه سيتلقى في المقابل تأكيدات من الاسد بشأن مواضيع اخرى في النزاع. يمكن عندئذ ان تُستأنف مفاوضات مفصلة حول رزمة السلام بأكملها مع وجود فرصة نجاح جيدة. وعكست الصحافة السورية والدولية حماسة كبيرة إلى مثل هذا الاحتمال. لكن الاسد كان بانتظار صدمة. فقد اُحبطت توقعاته في الدقائق الاولى من اللقاء. وبدلاً من "الاخبار الطيبة" التي كان يتوقعها بشأن الحدود، شعر بخيبة عندما بدأ كلينتون يسرد مطالب الحد الاقصى لباراك. كان باراك يريد السيطرة على كل المياه - ليس على بحيرة طبريا ذاتها فحسب بل على اعالي نهر الاردن والروافد الاخرى التي تصب في البحيرة من الجولان. ورد الاسد بتوضيح انه لا يطلب اكثر مما كان يسيطر عليه قبل حرب 1967. واعاد الى الذاكرة كيف سبح في البحيرة وطهى السمك على ضفافها عندما كان فتى. ورد كلينتون ان باراك سيسعده بلا شك ان يسمح للاسد بالسباحة في البحيرة، وهي مزحة لم ترق بالطبع للاسد. فهو يرى ان الشاطىء الشمالي الشرقي للبحيرة وامتلاك منفذ الى مياهها هما لسورية بحق. وادرك فوراً ان الرئيس الأميركي جُنّد، سواء بعلمه ام لا، لمصلحة اسرائيل. لم يستعد اجتماع القمة عافيته اثر هذه البداية المؤسفة. وتحول الى فشل تام، ملحقاً الاذى بعلاقة الاسد مع الرئيس الاميركي التي كانت ودية حتى ذلك الحين. وعاد الى بلاده بمزاج متكدر، فقد أحس بانه خُدع. وفي احاديث خاصة انتقد السوريون بشدة دينيس روس الذي اعتبروا انه خطط لاجتماع القمة وسمح لباراك بأن يعتقد انه يمكن جعل الاسد يرضخ لضغوط كلينتون. وكان الرأي في دمشق ان سورية كانت ضحية مؤامرة. فقد طُلب منها ان تستسلم لمطالب اسرائيل. لكن سورية لن تتخلى عن حقوقها. وخط الرابع من حزيران يونيو 1967 ليس خاضعاً للتفاوض. وستبقى متمسكة بمبادىء عملية السلام وتستند إلى القانون الدولي لتقسيم مياه الجولان. في غضون ذلك، ستنتظر بصبر حتى يحل وقت افضل. التطورات المثيرة في لبنان الآن وقد توقفت محادثات السلام، يتركز انتباه سورية بقلق على انسحاب اسرائيل الوشيك من لبنان الذي ينظر اليه كثيرون في دمشق بشكوك كمناورة تهدف اما الى جر سورية الى مواجهة عسكرية وإما إلى تأجيج معارضة في لبنان للوجود السوري هناك. وترحيب دمشق المتردد بقرار اسرائيل تنفيذ قرار مجلس الامن 425 للعام 1978، بعد تأخير دام 22 سنة، ينبع من قلقها ان اسرائيل لن تنسحب من لبنان الاّ كي تحتفظ بالجولان. وخوفاً من رد الفعل الغاضب لسورية يبذل الاوروبيون حالياً مساعي فاترة لاعادة طمأنة دمشق إلى ان انسحاب اسرائيل ليس بديلاً من سلام شامل، وهو ما يبقى هدف اوروبا. لكن مثل هذه الكلمات لا يقدم تطميناً فعلياً. ودمشق التي يبدو مزاجها مكتئباً تتملكها شكوك الآن في ان المجتمع الدولي يعمل ضد مصالحها. هناك اسئلة كثيرة حول الانسحاب الاسرائيلي لا تزال تنتظر الاجابة عنها. هل سيكون شاملاً؟ كُلّفت الاممالمتحدة - يمثلها تيرجي لارسن المبعوث الدولي الخاص - بتحديد حدود العام 1923 الدولية التي يجب على اسرائىل ان تنسحب وراءها. وسيقدم لارسن عند عودته الى نيويورك من جولته الحالية في المنطقة تقريراً عما توصل اليه إلى الامين العام كوفي أنان ويبلغ بعدئذ الاسرائيليين ما هو مطلوب منهم. واصدر باراك اوامره الى الجيش الاسرائيلي بان يكون الانسحاب شاملاً ومنسجماً مع مطالب الاممالمتحدة. وهو يريد ان يحرم "حزب الله" من اي ذريعة لمواصلة هجماته. ووفقاً لذلك، يُضطر الجيش الاسرائيلي الى تدمير مواقعه الامامية المحصنة التي اقامها داخل لبنان من دون ان يمنح الوقت لبناء مواقع جديدة داخل اسرائيل. وفي بعض المواقع سيكون من الصعب حماية الحدود وسيتعين نشر وحدات الجيش لسد الثغرات. ويثير هذا الوضع تذمراً كبيراً في الجيش الاسرائىلي. وفي الوقت نفسه، تتعمق مشاعر القلق وسط السكان في الشمال. فمن دون الحزام الامني في جنوبلبنان سيصبحون اكثر عرضة للخطر. وفي حال وقوع حوادث عبر الحدود، سيتعرض باراك لضغوط هائلة من قبل الجيش والمدنيين في الشمال على السواء ليرد بقوة كبيرة تسمح لاسرائيل بأن تحتفظ بقدرتها الرادعة. وحتى اذا انسحبت اسرائيل الى ما وراء الحدود الدولية، ستبقى شكوك في مدى التزامها في المستقبل - بعدما انتهكت سيادة لبنان طوال عقود - احترام المجال الجوي والمياه الاقليمية لجارتها. وفي غياب السلام، يمكن ان تواصل اسرائىل طلعات طائراتها فوق لبنان لاغراض الاستطلاع او توجيه ضربات عقابية. وستوفر هذه جواً ملائماً للتصعيد واعمال العنف، اذ يرجح ان يلجأ "حزب الله" الى الرد. ويمثل مستقبل الميليشيا التابعة لاسرائيل، "جيش لبنانالجنوبي"، قضية اخرى. فقد ابلغت الاممالمتحدة اسرائيل ان هذا الجيش يجب ان يُحل، وان اتصالاته معها يجب ان تُقطع، وان دباباته واسلحته الثقيلة يجب ان تزال. وتقول اسرائيل انها مستعدة لاستقبال اعداد كبيرة من ضباط هذا الجيش ورجاله وعائلاتهم اذا شعروا بأن حياتهم ستكون مهددة بالخطر بعد انهاء الحزام الامني. لكن حياة المنفى في الدولة العبرية ليست خياراً جذاباً لكثيرين من افراد "جيش لبنانالجنوبي". وقد يختار بعض هؤلاء المتواطئين، وربما معظمهم، ان يبقوا في قراهم في لبنان ويواجهوا النتائج. وهم سيحتفظون باسلحتهم الصغيرة لحماية انفسهم. وفي حال تفجر القتال بينهم وبين "حزب الله"، او مع ممثلين للدولة اللبنانية يحرصون على تقديمهم الى المحاكمة، يمكن ان يضع ذلك اسرائيل في وضع بالغ الصعوية. فاذا لم تفعل شيئاً ستُتهم بالتخلي عن اصدقائها السابقين، واذا تدخلت ستثير مجدداً عداوة "حزب الله" وتصبح عرضة لهجمات. لا احد يعرف تماماً من سيتولى السيطرة على منطقة "الحزام الامني" السابق بعد أن يرحل الاسرائيليون. فليس لسورية ولبنان أي نية للقيام بدور الشرطي الذي يحمي الحدود الشمالية لاسرائيل. لكنهما في الوقت نفسه لا يرغبان في ان يتحملا مسؤولية عن اي حوادث عبر الحدود. اما اسرائيل التي تعاملت مع الاممالمتحدة بازدراء طوال سنين وهزأت بقراراتها، فانها ترغب الآن في تدويل هذه المنطقة وإشباعها بموظفي المنظمة الدولية ليتولوا حمايتها من الاعتداءات. ولكن هل يمكن الاممالمتحدة ان تفرض السلام بالقوة في جنوبلبنان؟ لا تملك قوة "يوينفيل" الموجودة هناك منذ 1978 أي تفويض لاستخدام القوة. وستبدي البلدان المشاركة بجنود في هذه القوة تردداً في القيام بذلك، إذا كان محتملاً وقوع مشاكل. واعلنت ايرلندا وفنلندا بالفعل انهما ترغبان في سحب فرقتيهما. ربما ندم باراك على فشله في تحقيق السلام مع سورية على أساس خط 4 حزيران يونيو 1967. فمثل هذا الاتفاق كان سيسمح للجيش الاسرائيلي بأن ينسحب بسلام من لبنان ويجنّب المنطقة الكثير من الالام. وقد يظهر لاحقاً، عندما تستأنف المحادثات برعاية ادارة اميركية جديدة، ان هذا هو افضل خيار. * كاتب وصحافي بريطاني.