نجح الخطاب التحريضي في مصر ضد رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر في تحويل الاعتراض على الطبعة المصرية الاولى له من مجرد كلام الى تظاهر، وسالت دماء عدد من رجال الشرطة وطلاب وطالبات في جامعة الازهر خرجوا في تظاهرات أمس اثر مواجهات بين الطرفين بدأها المتظاهرون بقذف الحجارة وردّت الشرطة بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي. وبدأت الأحداث حين خرج عدد من طالبات الجامعة من مقر المدينة الجامعية في ساعة متقدمة من ليل الاثنين رافعات لافتات تطالب بالقصاص للمتسببين في نشر الرواية. ورددوا هتافات معادية للحكومة ووزير الثقافة فاروق حسني، غير أن قوات الأمن احتوت الموقف بسرعة. وفي الصباح أعادت الطالبات المحاولة وانضم اليهن طلبة، وازداد العدد بشكل كبير ما ادى الى وقوع الصدام ونقلت سيارات الاسعاف المصابين الى مستشفى "التأمين الصحي" القريب من المكان، في حين اغلقت قوات الامن شارعي "الطيران" و"يوسف عباس" ومنعت مرور السيارات والمارة فيهما، وطوقت المتظاهرين والمتظاهرات الذين ظلوا لفترة يرددون: "بالروح بالدم نفديك يا إسلام". واتهم بيان أصدرته وزارة الداخلية مساء أمس "عناصر اثارية" بتصعيد الموقف وتجميع الطلاب للتظاهر والخروج من المدينة الجامعية. وأوضح البيان أن "مجموعات من طلبة وطالبات جامعة الازهر كانت تجمعت بعد منتصف الليل للاحتجاج على الرواية وان المسؤولين أخطروهم بأن الرواية غير معروضة أو متداولة حالياً في الاسواق"، مشيراً الى أن الاحداث بدأت صباح أمس "بالخروج من الحرم الجامعي وقذف قوات الأمن بالحجارة ما ادى الى جرح عدد من ضباط وأفراد الشرطة واصابة سيارات لمواطنين". وأكد البيان ان الشرطة "اضطرت الى استخدام الغاز المسيل للدموع وضبط بعض مثيري الشغب"، مشدداً على التزام اجهزة الامن "مواجهة أي تجاوز للقنوات الشرعية في التعبير عن الرأي"، وأفاد شهود عيان ان ثلاثة من ضباط الأمن المركزي نقلوا الى المستشفى، وان عشرات من الطلبة والطالبات اصيبوا باختناقات وجروح طفيفة. وعكست المواجهات انقساماً شديداً في الاوساط المصرية تجاه الرواية، إذ عقد مثقفون "اعضاء في اللجنة التحضيرية لتجمع المثقفين المستقلين" اجتماعاً مساء أول من أمس وفرضت الحملة ضد الرواية نفسها على الاجتماع بعدما تبنتها صحيفتا "الاسبوع" المستقلة و"الشعب" لسان حال حزب العمل المعارض. وتحدث المثقفون عن "حملة سياسية تستخدم عباءة الدين"، كما توصلت جهود مثقفين آخرين لجمع مليون توقيع للتصدي ل"محاولات اغراق المجتمع المصري في الدم وتكفير المبدعين". ورغم أن الاعتراض على الرواية بدأ في "الاسبوع" قبل شهرين إلا أن العبارات التي كتبها الدكتور محمد عباس في "الشعب" يوم 28 الماضي فجرت القضية بصورة كبيرة، إذ أتهم وزير الثقافة ب"الاساءة لله والرسول والدين الاسلامي"، ودعا الى إقامة الحد على الذين شاركوا في طبع الرواية في مصر. واعتبر الاديب إبراهم أصلان، وهو رئيس تحرير سلسلة "آفاق الكتابة" التي صدرت الرواية عنها، صدامات الأمس "نتيجة لتحريض صريح مبني على أكاذيب"، وقال ل "الحياة": "لا أحد يقبل بالاساءة الى الاسلام أو أي دين آخر، وردّ الفعل العنيف من جانب طلاب وطالبات الازهر ليس نتيجة لقراءة الرواية، وانما تأثراً بمقال ملفق مليء بالادعاءات والكذب"، ودعا أصلان المعترضين على الرواية الى قراءتها "من دون موقف عدائي مسبق تجاهها"، وتساءل: "هل كل الذين ثاروا من اجل حرية الرأي في مصر ورأوا ان ما حوته الرواية من عبارات لا يمس الدين كفرة ويعملون ضد الاسلام؟". ولفت الى ان الرواية المذكورة "موجودة في مصر في طبعتها اللبنانية والسورية منذ أكثر من 17 سنة من دون ان يتعرض لها احد". ويعقد مثقفون اجتماعات الاحد المقبل في مقر نقابة الصحافيين للتضامن مع المكاتب السوري حيدر "في وجه الارهاب الفكري.