محمية الوعول تنضمّ للقائمة الخضراء الدولية كأول محمية سعودية    أمير الشرقية يرأس اجتماع لتنمية السياحة ويستقبل وزير السياحة    سفارة السعودية في أمريكا تطالب المواطنين الموجودين في ولايات جورجيا‬ ونورث كارولاينا وساوث كارولاينا‬ بأخذ الحيطة والحذر من تداعيات إعصار «ميلتون»    رئيس مجلس الشورى يستقبل سفير جمهورية ألبانيا لدى المملكة    القصف يتواصل على الضاحية.. الاحتلال يحذر سكان جنوب لبنان من العودة    "روابط العقارية" تعرض مشروعها "ذا جروف" في ريستاتكس جدة العقاري 2024    المديرس يفتتح لقاء صقور الكشافة ووسام كشافي العالم    القيادة تهنئ رئيس جمهورية أوغندا بذكرى استقلال بلاده    الراشد: توجه لطباعة أعمال أمين مدني    محافظ الخرج يدشن حملة التطعيم ضد الإنفلونزا الموسمية    «الصحة»: إيقاف شخصين لادعائهما علاج العقم والجلطات وممارسة مهن صحية بلا ترخيص وإحالتهما إلى النيابة العامة    95 مدرسة تتبع مكتب التعليم ببيش تحتفي ب 2000 معلم ومعلمة    استشهاد 13 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على الشجاعية ومخيم البريج    التنوير والتغريب    رحيل اللواء كتاب العتيبي.. رائد "الطب العسكري" في المملكة    استمرار هطول أمطار رعدية متوسطة بمختلف مناطق المملكة    إمام المسجد النبوي يزور مجلس العلماء الإندونيسي بجاكرتا    معدل الأعمار على مستوى العالم يتجه للتباطؤ في القرن الحالي    وكالة عزيز للدعاية والإعلان تعزز الشراكة المجتمعية مع ثانوية الصديق بخميس مشيط    ثورة دوائية.. علاج جديد لسرطان الرئة    5 علاجات منزلية لإزالة البقع من الأسنان    217,000 وظيفة ثقافية و 3 % عوائد متوقعة بحلول 2030    أمانة جدة تستعيد 3 مواقع على واجهة شرم أبحر    «نيوم»: مجمع صناعة خرسانة ب 700 مليون لبناء «ذا لاين»    الدسوقي من اليابان: السعودية تسعى لإنتاج 600 طن من الهيدروجين الأخضر    مؤشرات البورصة الأمريكية تغلق على ارتفاع    العيسى: إقرار «وثيقة بناء الجسور» نقلةٌ مهمّةٌ في العمل الإسلاميّ المشترك    "عدنان" و"هوساوي" أبطال ذهب رفع الأثقال البارالمبية في ألعاب السعودية الثالثة    قبل مواجهة اليابان ب 48 ساعة .. سباق جماهيري للظفر بتذاكر مباراة الأخضر    قيادة حكيمة ورؤية طموحة    جهود رائدة    خالد بن سلمان يستعرض مع أوستن التطورات.. ويلتقي السفير الفرنسي    البيعة العاشرة.. ازدهار ونماء وجودة حياة    السابع من أكتوبر    السابع من أكتوبر.. جردة حساب    العثور على مفقود وادي بن هشبل بصحة جيدة    ولي العهد يطمئن الجميع على صحة خادم الحرمين.. مجلس الوزراء: نقل الترخيص لممارسة مهنة الاستشارات الإدارية للأفراد من "التجارة" إلى "الموارد البشرية"    دشن النشرة الإلكترونية للجنة القانون الدولي الإنساني.. الأمير تركي الفيصل: المملكة لا تدخر وسعاً في نشر السلام    أولى مزايا الذكاء ب «آبل» تظهر قريباً    «وطن.. يلجأ العالم لسمائه»    "الأكاديمية المالية" تعزز استدامة المواهب    ما هو تعريف الرومانسية؟    توفيق الحكيم.. عصفور من الشرق    تسوتايا ..مكتبة أم مركز ترفيهي؟    «الدرعية.. من هالأرض».. التاريخ يصنع المستقبل!    تطوير أعمال مشاريع البنية التحتية للمجمعات التعدينية    الأخضر يكثف تحضيراته لمواجهة اليابان في تصفيات المونديال    ماكينة قهوة تنهي 17 سنة زواج    لمدة ثلاث سنوات .. "موسم الرياض" راعياً رسمياً للدوري الإسباني لكرة القدم    لماذا خسر الأهلي من الهلال؟    رونالدو الأكثر متابعة بفارق شاسع عن ميسي    جمهور يتعذب !    اكتشاف خلايا خفية تساعد في التئام الجروح    «الإسلامية» تواصل برامجها لخدمة المعتمرين والزوار    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على سلطان بن محمد    نائب أمير تبوك يستقبل رئيس واعضاء جمعية درع للبحث والإنقاذ    العيسى: إقرار «وثيقة بناء الجسور» نقلةٌ مهمّةٌ في العمل الإسلاميّ المشترك    نائب أمير مكة يتسلم تقرير «المساحة الجيولوجية» بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسؤولية والحرية بين أيدي المحرومين . مدارس المجتمع تمكين للفتيات وتوعية للآباء ومحو لأمية الأمهات في صعيد مصر
نشر في الحياة يوم 06 - 05 - 2000

غرفة غير متساوية الاضلاع، مبنية بالطين النيء، وتتوسط حقولاً غناء في نجع او عزبة نائية في صعيد مصر. الوصول اليها لغير اهل العزبة امر يكاد يكون مستحيلاً، لكن المؤكد أن في داخل تلك الغرفة ومثيلاتها المنتشرة في ثلاث محافظات وستة مراكز، تجربة تعليمية واقتصادية واجتماعية فريدة وغير مسبوقة.
تجربة اسمها "مدارس المجتمع"، عمرها ثماني سنوات، وهي نتاج تعاون بين وزارة التربية والتعليم ومنظمة "يونيسيف" وأبناء المجتمع.
والبداية كانت مع ارقام واحصاءات مخيفة اشارت الى ان بين المصريين البالغين، 62 في المئة من الرجال و38 في المئة من النساء، غير اميين، فمصر "تساهم" وحدها بنحو 30 مليون امي في العالم، مضيفة الى هذا العدد ربع مليون آخرين سنوياً.
وعلى رغم التحسن الملحوظ في نسبة إلحاق الاطفال بالمدارس الابتدائية، إلا ان هناك مشاكل عدة في هذا الصدد. فهناك فارق كبير بين نسبتي إلحاق الجنس، فهي 98 في المئة للبنين و85 في المئة للبنات، بل ان احصاءات عدة تشير الى انخفاض النسبة الاخيرة في المناطق الريفية، لا سيما عزب الوجه القبلي، الى 15 في المئة، وهناك مشكلة ابتعاد المدارس عن مساكن اولئك الاطفال، ما يدفع أسر عدة إلى وقف ارسال ابنائهم وخصوصاً الفتيات، إلى المدارس، او حتى عدم إلحاقهم بها في المقام الاول.
* أبناء النيل:
مجموعة اخرى من الاحصاءات اوردتها "يونيسيف" في بحث عنوانه "ابناء النيل" تشير الى ان 30 في المئة فقط من طلاب المدارس الابتدائية يحضرون يوماً كاملاً في المدرسة، ف 48 في المئة من مدارسهم تعمل نظام فترتين، اما الفصول فتكون متخمة بما لا يقل عن 45 تلميذاً وقد يصلون الى مئة تلميذ، ونسبة الاساتذة الى الطلاب هي 1 الى 45.
وتراوح نسبة رسوب الطلاب في المدارس واعادة العام الدراسي بين 25 و35 في المئة، وهناك حاجة ماسة الى نحو 5911 فصلاً دراسياً اضافياً، كما ان الفصول الموجودة في حالة سيئة.
ويبدو أن المشكلة مكتملة الاضلاع، فعدد المعلمين غير كاف، وتفتقد غالبيتهم إلى التدريب اللازم، وهناك حاجة إلى ما لا يقل عن خمسة آلاف معلم.
وإحقاقاً للحق، فإن الحكومة المصرية متمثلة في وزارة التربية والتعليم بدأت قبل نحو عقد من الزمن خططاً طموحة لتحسين التعليم، كماً ونوعاً.
والوزير الدكتور حسين كامل بهاء الدين، قال ل"الحياة" ان الميزانية المخصصة للتعليم تزيد تدريجاً، وهناك اهتمام خاص بتعليم الفتيات، ما وصفته السيدة سوزان مبارك بأنه من أولويات مصر. وشيدت الوزارة عشرة آلاف وخمسمئة مدرسة في السنوات العشر الاخيرة، كما تضاعفت رواتب المدرسين في السنوات السبع الماضية.
وأضاف بهاء الدين ان الوزارة لا تعنيها العملية التعليمية فحسب، بل هي مهتمة كذلك بنواح عامة، مثل صحة الطفل والتغذية السليمة وقضايا البيئة وحقوق المرأة والطفل "جميعها تندرج في المناهج الدراسية في المراحل المختلفة".
الا أن الحكومة وحدها لن تستطيع سد كل الفجوات والتغلب على كل المصاعب وتدارك جميع الثغرات. ومن هنا، كانت فكرة "مدارس المجتمع".
مسؤولة التعليم في مكتب "يونيسيف" القاهرة الدكتورة ملك زعلوك قالت إن المنظمة والوزارة وقعتا اتفاقاً عام 1992 ينص على ان الاولى تخطط وتطور وتنسق نموذجاً لمدرسة المجتمع ليطبق في الارجاء النائية في ريف مصر وصعيدها "والهدف، تحقيق مبدأ التعليم للجميع وذلك بمخاطبة المناطق الاكثر مقاومة للتعليم والاكثر حرماناً من الخدمات والأبعد جغرافياًَ".
والهدف من مشروع "مدارس المجتمع" هو التأكد من ان لكل طفل أو طفلة تحديداً، فرصة للتعليم في مدرسة، مع تشجيع الجهات غير الحكومية والمجتمعات نفسها على توفير المباني التعليمية وصيانتها وتجهيزها.
اما المعلمون فيتم اختيارهم من المجتمع المحيط، وذلك لدعم مبدأ التعلم الذاتي للاطفال، على أن يتم تدريب اولئك المعلمين وشحذ معلوماتهم وقدراتهم التعليمية والادارية.
والاهم من ذلك كله، ان نظام التعليم في تلك المدارس يعتمد في المقام الاول والاخير على تنمية الفكر النقدي لدى الاطفال والقدرة على حل المشاكل والابتعاد تماماً عن اسلوب التلقين العقيم. كما ان مناهج تلك المدارس تخضع بصفة دورية للتحديث والتطوير لتتلاءم مع حاجة الاطفال وميولهم واختباراتهم.
* للمدارس شروط:
وأشارت زعلوك إلى اربعة شروط لانشاء مدارس المجتمع هي:
ان يتراوح تعداد المجتمع الذي يقع الاختيار عليه بين 1500 والفي نسمة، وان يكون على بعد ما لا يقل عن كيلو مترين من اقرب مدرسة، مع وجود ما لا يقل عن 50 طفلاً، في سن المدرسة ولم يلتحقوا بها، إضافة الى موافقة المجتمع نفسه على المشاركة الفعلية في المحافظة على إدارة المدرسة.
وتم الاتفاق بين الوزارة والمنظمة والمجتمعات المعنية، على تقاسم المسؤوليات. فالاخيرة تسدد رواتب المعلمين وتشارك في تدريبهم، كما توفر الكتب الدراسية. اما المجتمع فعليه تقديم مساحة مناسبة للمدرسة وادارتها والتأكد من انتظام الاطفال فيها.
وفي كل موقع، تشكل لجنة تعليمية من السكان تكون بمثابة مجلس ادارة المدرسة. اما "يونيسيف"، فدورها الاساسي تدريب الفريق العامل في المشروع وتطبيقه من خلال المنظمات غير الحكومية المحلية، كما تزود المنظمة "مدارس المجتمع" أثاثاً ومعدات وادوات لازمة.
وأكدت زعلوك على أن طلاب تلك المدارس لا يسددون أي أقساط، مهما كانت ضئيلة، كما انهم غير ملزمين بارتداء زي مدرسي. وقالت: "ليست هناك اي التزامات مادية ظاهرة أو باطنة لاولئك الطلاب. كل ما نطلبه من الآباء هو السماح لابنائهم بالذهاب الى المدرسة ولا نطلب منهم تزويدهم حقائب مدرسية او مصروف".
وأشار الوكيل الاول لوزارة التربية والتعليم رجب شرابي الى ان تلك المدارس تقدم كل التسهيلات اللازمة لتشجيع الطالب على الانتظام في المدرسة، مع عدم اعطاء ذويه حجة لتقديم اسباب تحول دون حدوث ذلك.
وقال: "غالبية الاطفال يساعدون ذويهم في الزراعة او في الاعمال المنزلية، لذا فإن ساعات الدراسة مرنة، كما نسمح لهم في مواسم الحصاد مثلاً بالحصول على اجازة. ومن جهة اخرى، ننظم لهم وخصوصاً الفتيات، دورات تدريبية لتعلم الحرف وتسويقها لمساعدة اسرهم في الاعباء المادية، كما يتمتع الجميع بنظام التأمين الصحي الشامل".
وفي محافظة اسيوط حيث قرية الحواتكة وتحديداً في بقعة نائية اسمها بني رافع، غرفة صغيرة مقسمة من الداخل الى اقسام صغيرة، لا يتسع بعضها لوضع مقعد. 22 طفلاً، وغالبيتهم من الفتيات، بدأوا يومهم في "مدرسة المجتمع" بفقرة التهيئة وهي الدقائق الاولى من الصباح التي يجلس فيها الاطفال مع المعلمة ومساعدتها لمناقشة مشاكلهم وقص الحكايات التي تعكس التصرفات اللائقة وغير اللائقة.
وقبل ايام، انقطع احد زملائهم عن الدراسة وعرف اقرانه ان حذاءه تعدى عمره الافتراضي ببضعة اشهر، وقرر الجميع المساهمة في شراء حذاء جديد له.
وبقية اليوم الدراسي، تقسم الى اركان. فهناك ركن للغة العربية وآخر للحساب وثالث للأنشطة وغيرها. والاطفال يقسمون انفسهم في تلك الاركان التي تتداخل فيها العلوم والأنشطة.
وفي ركن اللغة العربية، وقفت كلثوم وهي تحمل لافتة ملونة عليها كلمة "رز" وهي توجه الاسئلة الخاصة بالرز الى زملائها في الركن. فهذا يقترح كلمتين تبدآن براء وزين، وذاك يحدد مصدر الحصول على الرز وآخر يحدد المواد المطلوبة لطهيه.
وفي ركن آخر التفت مجموعة من الاطفال حول طبق من الرز يجهزونه للطهي. ويحين موعد الراحة فيخرج الجميع خارج الغرفة ليلعبوا كرة السلة في منخل قديم معلق على الحائط وتحيطه شبكة كانت حقيبة خضراوات.
* أحلام صغيرة:
وانتهزت "الحياة" الفرصة، وسألت كلثوم 8 سنوات عن وضعها الاسري، فأجابت: "لدي ثلاثة اشقاء بنين وابي يعمل في قطر ولا أراه إلا مرة كل عامين"، وأكدت كلثوم أنها تتمنى ان تكمل تعليمها في الجامعة، على رغم انها لا تبدو سعيدة بغياب والدها، إلا ان زميلاتها لا يخفين حسدهن للفساتين المزركشة التي يأتي بها الاب لابنته كلما زار مصر.
اما ايمان 11 سنة فلديها عدد كبير من الاخوة والاخوات الاشقاء وغير الاشقاء، إذ تزوج والدها من اخرى بعد وفاة والدتها، وهي تعيش مع والدها وجدتها وزوجة ابيها واخوتها في بيت واحد.
وقالت إنها التحقت بالمدرسة قبل عامين. ومدرّستها تؤكد أنها الاذكى والاكثر إقبالاً على التحصيل، وحين سألناها عن المستقبل، لمعت عيناها وقالت: "اتمنى ان التحق بكلية الطب لأكون طبيبة امراض نساء، إلا أن زوجة أبي وجدتي تعارضان إكمالي تعليمي لأنهما تحتاجان إلي لأساعد في اعمال المنزل".
وعرّفت حنان شعبان محمد 25 سنة نفسها وقالت: "أنا الميسرة المعلمة واحمل درجة دبلوم في التجارة، واخرى في الخط. حياتي هي المدرسة والاولاد واطبق معهم كل ما درسته وتدربت عليه، وقلبي مفعم بالحب تجاههم".
وفعلاً، فالغرفة على رغم تواضع بنائها، إلا أنها متخمة بالافكار والوسائل التوضيحية التي تفتقدها غالبية المدارس النظامية فالجدران مغطاة بأعمال فنية من صنع الاطفال. فهذه شجرة عليها اسماء وصور الطلاب، وتلك لافتة عليها "ميثاق التعامل في المدرسة والمبني على اساس احترام حقوق الاطفال وآرائهم وما عليهم من واجبات".
اما عن سبب اختيار لقب "ميسرة" وليس معلمة، فأوضحت حنان ان المعلمات في هذه المدارس مهمتهن الاساسية هي تيسير العملية التعليمية لا التلقين، لأن الاطفال يعتمدون على انفسهم في المقام الاول والاخير.
وعلى بعد كيلومترات، وفي منطقة نائية اخرى وتحديداً في مدرسة ابو عابد البحري، كان الاطفال يتحلقون حول مجموعة من علب الحلاوة الطحينية الفارغة والاسلاك والخاصة بدرس الدائرة الكهربائية.
وبعدها انتقل ركن العلوم لينضم الى بقية الاطفال، إذ بدأت فقرة الاحتفال بالعيد القومي لأسيوط. واغلقت النوافذ. وادارت الميسرة هانم قطب 28 سنة جهاز الكاسيت، ليتحدث احدهم عن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ابن محافظة اسيوط. ووقفت المساعدة مسلطة ضوءاً خافتاً على خريطة لمصر معلقة على الحائط. وتحرك الضوء ليتناسب والمدينة التي يتحدث عنها الصوت. ويتحدث عن الثورة، فتحرك المساعدة النماذج الورقية للضباط الاحرار والتي صنعها الاطفال الذين جلسوا في صمت تام وتركيز يحسدون عليه.
أمل احمد 13 سنة تستعد لامتحانات السنة النهائية في المرحلة الابتدائية، وهي تحلم باكمال تعليمها، إلا أن والدتها تعارض ذلك، على رغم أن والدها يريدها ان تلتحق بالجامعة.
أما أشرف قطب 7 سنوات فهو الاصغر بين سبعة اخوة، ويؤكد بثقة انه سيكون "عميد شرطة" كي يحافظ على وطنه.
اما الميسرة - وهي بشهادة القائمين على المشروع - من انشط زميلاتها فهي تسكن في قرية اخرى، وكانت تعمل مدرسة في مدرسة لغات، لكن حين سمعت عن فكرة "مدرسة المجتمع"، التحقت بها. وبعد خوض التجربة قررت أن "هذا هو ما أريد عمله".
* اللجان التعليمية:
الصورة في تلك المدارس مشرقة جداً الى درجة تثير المخاوف من أن تكون الحقيقة مخالفة، إلا أن الحديث مع اعضاء اللجان التعليمية، وهم رجال ونساء تلك العزب والنجوع، يزيل اي مخاوف.
نجاة احمد، أم لخمسة رجال واربع نساء، وهي جدة محمد الذي يتعلم في مدرسة المجتمع في ابو عابد البحرية، قالت: "المدرسة ممتازة، علمت الاولاد ونظفتهم. محمد سعيد جداً في المدرسة، وهو يعلمني حالياً كيفية اداء الصلاة، ويحفظني الآيات".
وتطالب نجاة احمد التي لم تلتحق وبناتها بالمدارس، ان تعقد في مدرسة المجتمع دروس لمحو اميتهن في فترة المساء.
وعضوة اخرى في اللجنة هي ام حسن وحسين، وهما توأم في السابعة من عمرهما، ومن طلاب المدرسة. ابنها الاكبر 20 سنة لم يكمل تعليمه ويعمل مزارعاً ولديها ابنة وابن في المدرسة الاعدادية البعيدة عن القرية بنحو خمسة كيلو مترات.
زوج ام حسن وحسين يعمل في ليبيا، وهي تتباهى بذلك، إذ يبدو ان عمله جعل الاسرة ميسورة الحال، وهي تضم صوتها للسيدة نجاة وتطالب بتنظيم دروس لمحو الامية و"أنا على استعداد لتوفير المكان المناسب لذلك".
والنساء لسن وحدهن المشجعات لمدارس المجتمع وتقليص محو الامية. عبدالنعيم كامل فرحات عامل في مسجد القرية، وابنته ياسمين التحقت بمدرسة المجتمع قبل ثلاث سنوات قال بثقة يحسد عليها: "ستكمل ياسمين تعليمها الجامعي لتكون طبيبة أو مهندسة".
وسألته "الحياة": هل تقلق لوجود صبية مع ابنتك في المدرسة نفسها؟ فقال بانفتاح لم يعرف به أهل الصعيد: "جميعهم أبناء جيراننا واقربائنا، وأنا على ثقة بأنهم بمثابة اخوة لها".
ومؤذن المسجد الذي يعمل فيه فرحات اسمه عيد حماد فرحان، هو الآخر لديه ابن في المدرسة ذاتها. فرحان يبدأ حديثة بالقول: "المشروع. يقصد المدرسة مئة مئة، اقرب مدرسة للقرية تبعد نحو خمسة كيلومترات، والطريق يتسم بالخطورة وهو ما لم يشجعني على إلحاق ابني محمود بها، وهو في مدرسة المجتمع منذ ثلاث سنوات.
ومؤذن القرية يفخر بأنه ضليع في القراءة، إلا أن "الحاجة" اي زوجته امية. لكنه يحلم بأن يرى ضابطاً في الشرطة.
* تجربة فريدة:
وعودة الى المدارس حيث التجربة الفريدة تعليمياً واجتماعياً واقتصادياً ايضاً، فالمدرسة الواحدة تحوي بين جنباتها الضيقة، اطفالاً من اعمار مختلفة. وهم يخضعون لنظام متعدد السنوات الدراسية، وقالت الدكتورة ملك زعلوك ان المناهج الدراسية في المرحلة الابتدائية تخضع لعملية إعادة هيكلة، بشكل يدمج مناهج تلك المرحلة. وكون الاطفال ينتمون إلى أعمار مختلفة، فإن سرعة تحصيلهم متروكة لهم، ولقدراتهم المنفردة.
اما اسلوب التعلم في تلك المدارس فهو ذاتي، فالميسرات تدربن على تعليم الاطفال من خلال الاعمال الفنية والاغاني والالعاب، فيما نجح الاطفال في تنمية قدراتهم على التعلم الذاتي وتعليم الاقران. وفي داخل هذه الغرف الطينية، نجح الاطفال والميسرات في الوصول الى ما عجزت عنه ارقى المدارس واغلاها مصروفاً. وأصبح الابداع والتخطيط والقدرة على حل المشاكل والتعلم الحيوي واقعاً يومياً في تلك النجوع النائية.
وهم ليسوا مثقلين بهموم اداء الواجبات المنزلية اليومية، ذلك الكابوس الذي يطارد ابناء وآباء مدارس المدن الكبيرة، فأقصى عدد للطلاب في المدرسة الواحدة 30 طفلاً وطفلة، ما يسمح بأداء الاعباء المدرسية إما على انفراد أو في مجموعات صغيرة. وقبل انصرافهم إلى بيوتهم، يتركون كتبهم في الصناديق الخاصة بذلك والتي صنعها الاطفال بأنفسهم من مواد متاحة في البيئة المحيطة. وبعد انتهاء اليوم الدراسي تجتمع الميسرة ومساعدتها لتقييم اليوم المنصرم والتخطيط لليوم التالي.
ومن الملامح المميزة لتلك المدارس ان الميسرات يتلقين تدريب تدريس الديانتين الاسلامية والمسيحية معاً. وأكدت زعلوك انه في حال غياب مدرس الدين الاسلامي، فإن مدرس الدين المسيحي يدرس مادته والعكس.
ولما كانت ظاهرة تزويج الفتيات في سن صغيرة ما زالت شائعة في الريف المصري، كما أنه لا يسمح للطالبات المتزوجات بالالتحاق بالمدارس الحكومية العادية، فإن مدارس المجتمع تسمح لهن بالانضمام اليها. وأوضحت زعلوك: "لو منعناهن فإن مصيرهن سيكون الامية".
وإذا كانت العبرة بالنتيجة، فإن اطفال مدارس المجتمع اجتازوا في السنوات الماضية الامتحانات الحكومية بنسبة نجاح مئة في المئة، محققين نتائج جيدة جداً، مقارنة بنسبة نجاح 76 في المئة في المدارس الحكومية الخاصة، و67 في المئة في المدارس الحكومية العادية، بل إن احدى طالبات مدرسة مجتمع في اسيوط حققت في عام مضى، المركز الاول على مستوى المركز.
* تغييرات اجتماعية:
ولعل الاهم من الانجازات التعليمية هي التغييرات الاجتماعية التي نجحت مدارس المجتمع في احداثها، ويكفي ان آباء الفتيات يشجعونهن قولاً وفعلاً على اللحاق بما فاتهن من التعليم، فهم لا يكتفون بارسالهن إلى المدرسة، لكنهم يبدون استعداداً دائماً لامداد المدرسة بما تحتاجه، بدءاً من الاثاث البسيط الى اكواب الشاي للميسرات كل حسب قدرته.
ومركز دار السلام مثلاً، التابع لمحافظة سوهاج، اكتسب شهرة عبر انحاء مصر بتحيّز سكانه الواضح ضد الاناث، اللاتي كن يعشن في عزلة تامة عن عالم الرجال. وقالت زعلوك: "لم يكن يسمح للفتيات بالخروج من منازلهن الا إذا تنكرن في شكل فتيان، وكان يطلق عليهن اسماء ذكورية. اما النساء، فلم يكن يبرحن المنازل إلا في حالتين: الزواج والوفاة. وحالياً، تجذب مدارس المجتمع الفتيات، كما انضمت النساء الى اللجان التعليمية".
وفي نجوع أخرى، انزعج الشباب في بداية تطبيق المشروع من فكرة زوجة متعلمة وقال احدهم قبل سنوات: "الزوجة المتعلمة ما هي إلا مصدر صداع" ورد عليه القائمون على المشروع: "الزوجة المتعلمة رفيق افضل من شأنها أن تهتم بك وبأطفالك باسلوب متحضر، بل إنها تطهو بطريقة افضل".
وما رأته "الحياة" في تلك المدارس هو تحديداً المقصود ب"تمكين النساء" والرجال ايضاً. وتكفي العبارات التي تزين جدران المدارس وابرزها: "انصتي الى الرأي الآخر" وغيرها من حقوق الطفل، والمساواة بين الطفل والطفلة.
من جهة اخرى، أعطت التجربة الميسرات قدراً من الثقة في النفس والقدرات وإدارة حياتها بالشكل الذي يناسبها.
ومن الناحية الابداعية، اطلقت مدارس المجتمع العنان للقدرات الابتكارية لكل من الاطفال والميسرات. فهناك من ابتدع صندوق توفير يضع فيه كل طفل وطفلة خمسة قروش مثلاً كل اسبوع، ويستغل المبلغ كل مرة لشراء هدايا اعياد ميلاد او لاقامة حفلة.
وإحدى الميسرات ابتدعت طريقة لاختيار "طفل او طفلة اليوم"، ويتعاون الاطفال في كتابة مميزاتها، وامنية كل منهم لها.
وإذا كانت مدارس المجتمع ساهمت بقدر كبير في دعم مبدأ "التعليم للجميع"، فإن هناك مشاكل واسئلة تطرح نفسها.
ماذا بعد مدارس المجتمع؟ وهو السؤال الذي وجد جزءاً من الاجابة بزيارة لمدرسة اعدادية في اسيوط التحق بها عدد من خريجي وخريجات هذه المدارس. وعلى رغم تأكيد النظّار والمعلمين على ان خريجي مدارس المجتمع هم الافضل علماً وأدباً، الا ان "الحياة" لاحظت قدراً لايستهان به من الاحباط على وجوه الفتيان والفتيات.
فبعدما كان الجميع جزءاً حيوياً من اليوم الدراسي، وبعدما كانت العملية التعلمية تتم عن طريق الحوار والانشطة تظللها روح من المحبة والوئام لا تفرق بين فتى وفتاة، انخرط الجميع في العجلة التقليدية للتعليم، وقوامها الحفظ والتلقين. اما الاسئلة العامة والتي تخرج عن اطار المناهج فهي شبه ممنوعة إن لم تكن مكروهة، ناهيك عن الفصل بين الجنسين.
وهو ما دعا عدداً من انصار مدارس المجتمع الى المطالبة بتوسيع التجربة لتشمل مدارس اعدادية، وربما ثانوية تطبق مبدأ التعليم والحوار وتقبل الرأي الآخر.
ومن جهة اخرى، فإن القرى والنجوع التي شملها المشروع ما زالت تحوي أطفالاً بين السادسة وال 12 سنة نحو 20 في المئة من المجموع لم يلتحقوا بالمدارس، لا الحكومية ولا مدارس المجتمع، ما يعني ان هناك حاجة الى مزيد من المجهود.
حقائق أنثوية... مصرية وعالمية
- 110 ملايين طفل لم يلتحقوا بالمدارس في الدول النامية، 60 في المئة منهم فتيات. وحسب منظمة الامم المتحدة التي شنت مبادرة لتعليم الفتيات في مؤتمر داكار، فإن الفتيات اقل حظاً من الفتيان في مجال التعليم بسبب التفرقة بين الجنسين.
- تشير دراسة أجراها البنك الدولي إلى أنه لو تكبد الآباء قدراً أكبر من المصروفات لتعليم بناتهم، فإن المجتمع سيجني فائدة أكبر، لذا على الحكومات أن تتخذ خطوات خاصة لمساعدة الفتيات على الالتحاق بالمدارس.
- وتشير منظمة "يونيسيف" الى التجربة المصرية. فهي تعتبر مدارس المجتمع ال 200 المنتشرة في صعيد مصر "تجربة مضيئة" وتصف هذه المدارس بأنها "صديقة الفتيات".
- احيانا يكون بناء حمام خاص بالفتيات في المدارس عاملاً كافياً لإكمال تعليمهن في المدرسة.
- الفتيات الريفيات يكن اكثر عرضة ثلاثة أضعاف من بنات المدن، للرسوب في المدرسة.
- أحياناً يمارس المعلمون والمعلمات سياسة التفرقة بين الجنسين داخل الفصول، ودون أن يدروا. فالأبحاث تؤكد أن الفتيان يحصلون على قدر أكبر من الاهتمام من الفتيات في الفصل الواحد.
- هناك عدد من المعتقدات السائدة يسهم في تعميق الهوة بين الجنسين في مجال التعليم. فالفتيات يتوقع منهن المساعدة في اعمال المنزل ورعاية الاشقاء الاصغر سناً، كما يرغمن احياناً، وخصوصاً في الريف، على الزواج في سن مبكرة جداً.
- نسبة مرتفعة من الآباء في المناطق الريفية يمنعون بناتهم من الذهاب الى المدرسة، ما إن يصلن الى سن البلوغ.
- من الآثار الايجابية لتعليم الفتيات: زيادة دخل الاسر، زواجهن في سن متأخرة، خفض نسب وفيات المواليد والامهات، تغذية افضل للاطفال وعائلاتهم، بالاضافة الى فرص أكبر واختيارات أوسع للمرأة.
في العالم العربي
- بين عامي 1990 و1998، ارتفعت نسبة التحاق الاطفال بالمدارس الابتدائية من 74 إلى 76 في المئة.
- بين كل اربعة أطفال يوجد طفل لم يلتحق بالمدرسة، ليصل مجموع اولئك الاطفال الى 3.10 ملايين طفل عربي.
- تقلصت الفجوة بين الجنسين نسبياً، فارتفعت نسبة الفتيات الملتحقات بالمدارس من 65 في المئة عام 1990، الى 71 في المئة عام 1998.
- أما نسبة الامية بين النساء فتبلغ 50 في المئة، في حين تبلغ 30 في المئة بين الرجال.
- تعطي الدول العربية حالياً أولوية لتحسين نوعية التعليم، إلا أن مشروع مراقبة الإنجاز التعليمي المقام بالتعاون بين "يونسكو" و"يونيسيف"، وجد أن مستوى الانجازات غير مرض في تسع دول عربية.
- وتشير "يونيسيف" الى أن اللغة والثقافة الواحدة والانتماء الى امة واحدة جميعها مقومات تدعم الدول العربية. وهي تقدم فرص التعاون في مجال التعليم بينها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.