همّ السينما في لبنان كبير وقديم في آن. ولم يستطع السينمائيون اللبنانيون، سنين طويلة، انتاج افلام لبنانية صرف كثيرة اذ بقي عددها عشرات او قريباً من المئة. ولا يعتبر كثر من المخرجين ان في لبنان "سينما لبنانية" بل هناك "سينمائيون لبنانيون" قاموا بمبادرات فردية ولايزالون في الوقت الراهن في ظل غياب الدعم المادي والمعنوي من الدولة والمسؤولين، على رغم وجود طاقات سينمائية شابة وواعدة في لبنان اضافة الى سينمائيين قدماء ومعاصرين. والسنما في لبنان انطلقت او بدأت تأخذ بعضاً من ملامحها في الخمسينات، في زمن كانت الاعمال السنمائية "مصرية" وغربية، حين راح بعض المخرجين اللبنانيين يعملون على ايجاد سينما لبنانية في موضوعاتها ولغتها وانتاجها. وحضر بعض اعمالهم في مهرجان "كان" مثل فيلم "الى اين"، للمخرج جورج نصر، الذي اعتبر احد الركائز الاساسية التي انطلقت منها السينما اللبنانية. لكن المحاولات بقيت محاولات على حالها ولم تلقَ تشجيعاً او دعماً. وفي الستينات امّم الرئيس المصري جمال عبدالناصر السينما المصرية، فهرب كثر من السينمائيين المصريين الى لبنان حيث راح موزعو الافلام المرفوضة في مصر ينتجونها في لبنان ف"تمصرت" السينما فيه وجاءت الافلام "من دون هوية او جنسية". وتبعها في ما بعد افلام عن القضية الفلسطينية. وبلغ عدد الافلام التي انتجت في لبنان مذذاك الفترة الى الآن نحو مئة فيلم لبناني والبقية من دون هوية. والحال هذه تدفع الى التساؤل. هل هناك سينما لبنانية قائمة بذاتها وذات هوية؟ وهل يمكن بضعة أفلام نفذت على مراحل أن تضع سينما ما؟ وما هي الأسباب التي أدت الى عدم رواج السينما اللبنانية كصناعة؟. ولماذا انتقل كثر من السينمائيين اللبنانيين الى التلفزيون والأفلام الوثائقية؟ "الحياة" التقت عدداً من المخرجين اللبنانيين، مخضرمين وحديثين، وطرحت اسئلة عليهم، فبعضهم تحدث وبعضهم امتنع عن الكلام "لأنه كله حكي"، فيما تركزت الأجوبة على مطلب واحد وهو ما افتقدته السينما اللبنانية طويلاً أي الإنتاج، مطالبين بصندوق الدعم، وخصوصاً في هذه الأيام اذ توافرات في لبنان كل متطلبات السينما. جورج نصر: محاولات فردية فالمخرج جورج نصر أحد أقدم السينمائيين الاحياء، رأى "اننا يمكننا أن نقول ان عندنا سينما بل، مع الأسف، هناك محاولات فردية". واضاف "ان في الخمسينات بدأت سينما لبنانية بطابعها الخاص وهويتها اللبنانية، ولو لقيت تشجيعاً من الدولة ومن موزعي الأفلام وصالات السينما لكان ممكناً أن توجد سينما لبنانية وهذا لم يحصل، ويا للاسف. فبعض تلك الحالات تمصرن اذ لم يوزع الفيلم اللبناني بل المصري لأنه يرد أموالاً طائلة. واستمرت هذه الحال الى العام 1962 حين أمم الرئيس المصري جمال عبدالناصر السينما المصرية فهرب كثر من الفنانين من مصر الى لبنان وراح موزعو الأفلام المرفوضة في مصر ينتجونها في لبنان. وهنا كانت الكارثة الكبرى على رغم انتاج نحو 25 فيلماً في السنة، من هذه الأفلام ما لا هوية له ولا جنسية، الى أن جاءت موجة أفلام القضية الفلسطينية وأنتج منها نحو 18 فيلماً في لبنان ومعظمها أساء الى القضية ولم يفدها". وتابع "حتى اليوم أنتج نحو 450 فيلماً سينمائياً في لبنان وكلها بمبادرات فردية، من دون تشجيع من الدولة التي بدأت الآن، بعد ست سنوات أو سبع من المحاولات معها، تحاول تفهم فكرة "صندوق الدعم" وهو سيطلق العام المقبل مما سيمكننا من انتاج أربعة أفلام ممولة كلياً من الصندوق اضافة الى مساعدة خمسة أفلام تجارية ومساعدة كتابة سيناريوهات وأفلام وثائقية". وقال نصر "انطلاق هذا الصندوق تعود الاستوديوهات، والفنانون الى كيانهم، وقد ينتجون نحواً من عشرة أفلام أو خمسة عشر في السنة، ولا نحتاج الى أكثر من ذلك. وقد تصبح السينما الصناعة الأولى في لبنان سواء أكانت انتاجاً محلياً أم تركيبات للإنتاج الأجنبي لأن لدينا تاريخاً اضافة الى جغرافيا متميزة وطبيعة جميلة". واضاف "نادراً ما استطاع فيلم لبناني ان ينتقل الى الخارج بسبب عدم التشجيع. وإذا وجدت أفلام جيدة تسوّق عالمياً وتفرض نفسها من خلال الانتاج والتسويق إذا وجدا، لأنهما قطاع آخر. وإذا عرفت طريقة التسويق لا فيلم يخسر". وأكد "ان الفيلم إذا لم يعطَ متطلباته ينتقم من صانعه وهناك مثل في هوليوود يقول "المخرج يزان بحسب آخر فيلم له". ورأى "ان في امكاننا أن ننتج أفلاماً تحفظ ماء الوجه ونقدمها بكل فخر، ولدينا مواضيع كافية ووافرة من حيث التاريخ والحرب الأخيرة والإعمار، وتنوع المجتمع واختلافه". وقال "إذا كان هناك تنظيم وقانون سينمائي يفرض على كل صالة ان تعرض فيلماً لبنانياً، وهو الوحيد الذي يدفع الضرائب للدولة، لا سبب كي لا تقوم سينما وطنية، إذ لدينا مؤهلات كثيرة ونأمل أن نبدأ الخطوة الأولى العام المقبل"، منتقداً عدم اهتمام الدولة لناحية تأمين أسواق للسينما، وقائلاً "لا حياة لمن تنادي، وإذا عقدت الدولة اتفاقاً مع اي دولة لا تأتي على سيرة السينما. لو عوملت السينما معاملة التفاح والبطاطا لأصبحت الصناعة الأولى في لبنان ومداخيلها هائلة". وعن لجوء السينمائيين الى التلفزيون رأى "انهم يلجأون اليه ليؤمنوا معيشتهم، وإذا عادت السينما عادوا اليها، وكل سنة يتخرج عندنا نحو 50 مخرجاً، وهم ذخيرة للمستقبل. ونأمل من الذين تلفزوا أنفسهم أن يسنمنونها لأن بلداً من دون سينما بلد من دون ثقافة". علوية: دور المخرج ورأى المخرج برهان علوية "ان ليس في لبنان سينما بل هنا سينمائيون لبنانيون، وكل الأفلام التي صنعت في لبنان حتى الآن، كان وراءها مخرج لبناني لكن مجمل الأفلام صعب تسميتها وهذا مرهون بالوقت، هناك تساؤل عن وجودها آتٍ من نقص امكانات العمل والعوامل التي تحول دون قيامها". واعتبر "ان السينما في لبنان راجت كصناعة إذ كانت هناك استديوهات بعضها من أهم المصانع في العالم العربي، ولم تستمر لتصنع سينما لبنانية، وهي دخلت في سلسلة الأفلام التي هاجرت من مصر الى لبنان، وكانت مختلطة، في القصة والسيناريو. وهذه الأفلام يجب ألا ينظر اليها فقط من ضمن تاريخ السينما اللبنانية بل السينما العربية". وعن الأسباب التي حالت دون قيام سينما لبنانية، قال "عدم وجود الانتاج سبب عدم وجودها. ولا ينقصها حتى تقوم سوى عنصر الإنتاج. ولم يستطع مخرج لبناني من صنع فيلم إلا بإنتاج مشترك. فهذا "عصر الإنتاج المشترك"، وهو في لبنان منذ عشر سنوات". وشدد على أهمية صندوق الدعم "ليعمل على دعم السينما والبحث عن الأفلام اللبنانية واستعادة الامكانات، نحن موعودون بالصندوق وكل يوم يكبر الوعي لدخول الإنتاج المشترك. أما بقية فلا يمكن إيجادها بمرسوم إداري بل الوقت كفيل بها، الجمهور موجود وهو الكنز والصالات مزدحمة ولا ينقص إلا المنتج". وعن لجوء السينمائيين الى التلفزيون أجاب "الحرب أوقفت صناعة السينما في لبنان، أما لجوء السينمائيين الى التلفزيون فذلك لا يشكل حلاً، وكل مخرج يعمل بحسب ظروفه". بهيج حجيج: صناعة متواضعة وقال المخرج بهيج حجيج ان لكل سينما في العالم بدايات وهي تنطلق من ثقافة وحضارة معينة. ولكن في لبنان لسوء الحظ كانت نقطة الانطلاق ضعيفة في العالم الثقافي اللبناني لأسباب عدة قد يكون أولها يعود الى الأربعينات والخمسينات، لأن لبنان كان يتفاعل مع العالم العربي وبخاصة مع مصر إذ كانت هناك هيمنة للسينما المصرية في شكل كامل على الإنتاج السينمائي". وأشار الى "ان الإحصاءات تفيد ان 250 فيلماً صورت في لبنان، معظمها مصري، أو لبنانية مقلدة للمصرية في تلك الفترة". وتابع "إذاً هناك صناعة سينمائية متواضعة لم تعطِ زخماً لانطلاق سينما ذات هوية لبنانية، وهناك محاولات لإيجادها، وجاءت الحرب وقضت على آمال كثر"، وقال "السينما لبت عملية، آنية بل تتطلب مراحل متوسطة وطويلة، ولا يمكن أن ترتجل بين يوم وآخر، بل يجب أن يكون هناك تحضير لها لأنها من الفنون الصعبة والمعقدة جداً". واضاف "ان في فترة السلم وجدت ثورة معطيات وامكانات سينمائية، وهناك أجيال سينمائيين، جدد ومخضرمين، يغلون "غلياً" ولكن لا تزال السينما ذات الهوية اللبنانية محاولات فردية وستبقى كذلك، إذا لم يوجد نظام فعلي للإنتاج السينمائي ومستمر في لبنان، وهذا غير ممكن بمبادرة فردية أو خاصة". واوضح "ان الممول اللبناني يهمه الربح السريع والسينما فيها مخاطر". وأكد "ان هناك اندفاعاً نحو السينما سيؤدي حتماً الى نهوض سينما ذات هوية لبنانية قد تصل الى العالمية في المستقبل القريب". وقال "ان الوزارة الثقافة لم تقدم شيئاً، ومركز السينما قدم بعض الخدمات البسيطة. وتجربة الماضي كانت سلبية جداً، أما اليوم فيجب أن تتحرك الدولة لتصل الى الوعي وتنشىء صندوق الدعم لنهوض السينما اللبنانية الجدية، وان توجد الدولة تحويلاً للصندوق من التذاكر والأفلام التي تعرض في الصالات، إذ يأتي الفيلم الأميركي، مثلاً، ويكسح الأرض وتذهب أمواله الى جيوب الموزعين وأصحاب الصالات. ونحن نسعى وراء فرنسا وغيرها لننتج فيلماً". وطالب بوضع "قانون وتنفيذه لضبط هذا الأمر وتنظيمه". حبشي: هوية الاسئلة واعتبر المخرج سمير حبشي "ان ليس هناك حتى الآن شيء يمكننا أن نطلق عليه تسمية السينما اللبنانية، علماً أن منذ العام 1930 الى أيامنا أنتج نحو 150 فيلماً في لبنان يعتبرها المؤرخون السينمائيون لبنانية". وقال "إذا نظرنا الى هذه الأفلام نجد 15 فيلماً لبنانياً حقيقياً وما تبقى منها لا نعرف اي تسمية نطلق عليه. فهي أشرطة مشتتة وموضوعاتها لا علاقة لها بالثقافة اللبنانية أو بتاريخ لبنان ومشكلاته ولا بأي انتماء الى هذه الأرض التي يجب أن تعبّر عن همومها ومشكلاتها وتطلعاتها". وتابع "لا يكفي أن يكون المخرج لبنانياً - وهذا شرط أساسي ليكون الفيلم لبنانياً، بل يجب أن تكون الأسئلة التي يطرحها وطريقة المعالجة لبنانية وتتناول لبنان الوطن والثقافة". وتابع "وعندما نقول بالانتماء الثقافي للفيلم لا نعني الأفلام الجديدة، لأن للفيلم التجاري أيضاً هوية ثقافية. يفاخرون بأن قبل الحرب وصل الإنتاج في لبنان الى 17 فيلماً طويلاً وهي في الواقع 17 شريطاً طويلاً". وقال "السينما تشبه الحياة كثيراً وما يمكن أن يصلح للمسرح لا يصلح للسينما إذ يجب أن تسمى الأسماء بأسمائها وتتطلب أشياء حقيقية ولا يمكن أن يرمز اليها. وهذه المشكلة التي حالت دون سينما لبنانية حقيقية، اضافة الى ان السينما ليست قديمة جداً، وعمرها مئة عام، وجاءت نتيجة لتطور المجتمعات التقنية والعلمية، ونحن دولة من العالم الثالث أي بلد نامٍ كي لا أقول متخلفاً، وهذه الوسيلة السينما حضارية جداً بالنسبة اليه وبمقدار ما نستطيع مجاراة التطور في العالم على كل الصعد ستتأثر السينما فيه". ورأى "ان بلدنا غير متطور على الصعد السياسي والاقتصادي والخدماتي والاجتماعي وكذلك الفني وهو صعيد يتفاعل جدلياً مع غيره. ولا يمكننا أن نكون متطورين في السينما الى حد يجاري الدول الراقية ونحن سياسياً غير مستقلين. هذا الشيء يتنافى مع بعضه. ومن الطبيعي أن لبنان، وطناً، لا يزال يبحث عن نفسه وعن هويته والسينما دليل رقي. وفي الماضي قيل "قل لي من تعاشر أقول لك من أنت"، واليوم أقول: قل لي ما هي سينماك أقول لك من أنت". وتابع حبشي "نحن لا نستطيع حتى الآن أن نكمل صورة تحكي عنا، لأننا لم نبلغ بعد الى درجة الوعي. وأزمة السينما من أزمة الوطن. ولبنان لا يزال يبحث عن نفسه، ونحن متفائلون، والسينما في هذا العصر أصبحت احد مقومات الأوطان ولا وطن من دون سينما. وإذا وجد لبنان نفسه ستجد السينما اللبنانية نفسها مع هذا الكيان. وإذا لم يجد نفسه فلا هم إذا لم تجد السينما نفسها". ورأى "ان التخلف في المجتمعات لم يفسح في المجال امام صناعة السينما، وهي باهظة الثمن، لعدم وعي اللبنانيي، مسؤولين وغير مسؤولين ومؤسسات، فلم يعطوا السينما، وهي أم الفنون بالمطلق، الاهتمام الكافي ولا توجد حتى الآن شركة إنتاج سينمائي في لبنان، ولأنها مكلفة تحتاج الى سوق واسعة، في حين ان السوق اللبنانية ضيقة ولا ترد التكاليف، وهذا ما يوجب علينا إيجاد سوق ومساعدات على غرار الدول التي تدعم السينما مثلما تدعم الطحين، لأن الصورة أغلى بكثير من الخسارة. فالسينما تتعلق بالتاريخ والذاكرة وضمير المجتمع". ورأى "ان المسؤولين اللبنانيين يفكرون الآن بإنشاء صندوق دعم للسينما اللبنانية لدعم الأفلام والمشاريع، وهذا ما ينتج لدينا صورة وتالياً سينما لأن لدينا كل المقومات والعناصر التي قد تشكل سينما جيدة تعرض في أوروبا وكل العالم من دون أي عقدة نقص، وجل ما ينقصنا هو صندوق الدعم لننطلق في شكل مدهش". وعن انتقال السينمائيين الى التلفزيون، أعتبر حبشي "ان الانتقال ليس حلاً للأزمة بل هو حل شخصي لكل سينمائي ليؤمن معيشته. وعليه أن يعمل في التلفزيون ما دام لا عمل سينمائياً. وهذا ما يجعل الأزمة أكبر أن ينسى المخرج مشكلات السينما". واعتبر "ان الفيديو مهما ارتقى لا يصل الى السينما".