اليوم هيلاري كلينتون متقدمة على رودلف جولياني في السباق على مقعد في مجلس الشيوخ الاميركي. أمس كان جولياني متقدماً عليها، وربما عاد فسبقها بعد يومين أو ثلاثة، ليعود فيتخلف عنها الأسبوع المقبل. والمهم طبعاً هو من سيتقدم على الآخر في السابع من تشرين الثاني نوفمبر المقبل عندما تجرى الانتخابات على الرئاسة الاميركية وجميع مقاعد مجلس النواب وثلث مقاعد مجلس الشيوخ. وفي حين أن أمامي عشرات المقالات اخترتها من بين بضع مئة مقال عن المنافسة على أحد مقعدي نيويورك في مجلس الشيوخ، فإن اهتمام المعلّق العربي أو القارئ يبقى محصوراً بالزاوية العربية، إن وجدت. وبما أن الحديث هو عن نيويورك فلا بد من أن يفرض النزاع العربي - الاسرائيلي نفسه على الحملة في ولاية تضم 6،1 مليون يهودي أو 1،9 في المئة من الناخبين، مقابل 300 ألف اميركي من أصل عربي، مع تسجيل أن يهود نيويورك ميسورون، ونفوذهم السياسي بالتالي يفوق حجمهم الكبير نسبياً. جولياني معادٍ للعرب، ولا أجد كلمة أخرى لوصف المرشح الجمهوري، وهو طلب قبل سنتين من الرئيس الفلسطيني عدم حضور حفلة موسيقية في نيويورك التي يرأس بلديتها الآن، في قضية معروفة. وموقفه يتجاوز حفلة فهو يكاد يكون عنصرياً في مواقفه، ويبدو أنه فقد لمسته السحرية، فأساس شعبيته نجاحه في مكافحة الجريمة في عاصمتها. غير أن أحد أهم أسباب تراجع شعبيته أخيراً حادثين قتل فيهما رجال شرطة بيض رجلين أسودين، لم يكن أي منهما يحمل سلاحاً، ومع ذلك فالمحاكم المحلية برّأت رجال الشرطة من القتل. ولكن اذا كان جولياني أهان العرب، فالسيدة هيلاري كلينتون أغضبت العرب واليهود معاً. وكانت السيدة الأولى زعمت في وقت سابق أن لها أصلاً يهودياً، إلا أنها في سنة 1998 أغضبت اليهود بتأييد قيام دولة فلسطينية، ثم أغضبت العرب كلهم في تموز يوليو الماضي بالقول إن القدس "العاصمة الأبدية الموحدة" لاسرائيل. وأحرجتها السيدة سهى عرفات في تشرين الثاني نوفمبر التالي عندما قالت بحضورها في رام الله ان اسرائيل تسمم مياه الفلسطينيين. وعادت السيدة كلينتون فأغضبت العرب بانسحابها من رعاية حفلة تنظمها زوجات 17 سفيراً عربياً في نيويورك يضمهن ما يعرف باسم اتحاد الموزاييك لأن اسرائيل لم تدع اليها. وبرر ناطق باسمها انسحابها بأن "هيلاري تؤيد بقوة العملية السلمية، وهي لا تريد أن تعمل كرئيسة فخرية لحفلة تستثنى منها اسرائيل". كان عشاء هذه السنة، الذي جرى أمس، مخصصاً لمساعدة جمعية انقاذ الطفولة. ولم تحضر السيدة كلينتون عشاءي السنتين الماضيتين، على رغم أنها بقيت الرئيسة الفخرية، ثم انسحبت هذه السنة من الرئاسة نفسها. وباختصار، فجولياني معادٍ للعرب، وهيلاري كلينتون أقل عداء منه، بل ربما كانت كلمة "عداء" غير منصفة بحقها، فهي تحاول كسب أصوات اليهود، وهذه مهمة جداً في نيويورك، إلا أنها تعرف موضوع النزاع العربي - الاسرائيلي جيداً، ومواقفها الانتخابية لا تلغي مواقفها التي سبقت ترشيحها عن الحزب الديموقراطي لمقعد عن نيويورك. جولياني في الأيام الأخيرة لم يصرح بشيء عن الشرق الأوسط، ربما لأنه يعتبر أن موقفه معروف ونهائي. وهو اجتذب الأضواء اليه للأسباب الخطأ، وبالتحديد لسببين أولهما اصابته بسرطان البروستات، والثاني اشتراك زوجته في تمثيلية إباحية. وكان جولياني كسب بعض الأصوات المتعاطفة بعد انتشار خبر مرضه. غير أن موضوع استمراره في الحملة طرح جدياً إلا أنه أعلن اصراره على الاستمرار. والأرجح أن يفقده المرض أصواتاً في النهاية فالناخبون لا يريدون أن يمثلهم رجل مريض قد لا يستطيع القيام بأعباء العمل. وهم يعرفون أن أباه توفي بعد اصابته بسرطان البروستات أيضاً. وتراجع خبر مرض جولياني مع الإعلان ان زوجته ستمثل في مسرحية إباحية عنوانها بذيء الى درجة أنني لا أستطيع ترجمته الى العربية في هذه الجريدة. الزوجة اسمها دونا هانوفر، وهي رفضت أن تأخذ اسم زوجها بعد الزواج، ولا تظهر معه في المناسبات الرسمية، ما أثار تساؤلات كثيرة حول نوع العلاقة بينهما، وهي تساؤلات زادت بعد قبول دونا هانوفر لعب دور في مسرحية تتحدث عن الأعضاء الجنسية للمرأة. هذه مشكلة لجولياني مع زوجته، أما نحن فمشكلتنا أن يحاول سياسي انتهازي أن يكسب أصوات يهود نيويورك على حسابنا. غير أنه ساعة كتابة هذه السطور كان متخلفاً عن هيلاري كلينتون في السباق، وهناك اسباب لتوقع بقائه متخلفاً عنها في تشرين الثاني.