قررت سيدة أميركا الأولى هيلاري كلينتون 51 عاماً، وهي سن مبكرة نسبياً في عالم السياسة الدخول المباشر في معترك السياسي بخوض الانتخابات لتمثيل ولاية نيويورك في مجلس الشيوخ. ولم يستغرب احد القرار، لأن المعلقين الأميركيين أشاروا دوماً الى انها تفوق زوجها الرئيس قابلية فكرية وتنظيمية. وعندما تقدم بيل كلينتون، حاكم اركنسو وقتها، للترشيح للرئاسة، اعتبر كثيرون انها ستكون المخططة الاستراتيجية للرئيس والقوة الحقيقية وراءه، وان البلاد ستكسب رئيسين بثمن رئيس واحد. بدت التوقعات وكأنها اثبتت صحتها خلال رئاسة كلينتون الأولى، عندما قامت هيلاري بدور يفوق بكثير ما هو معتاد من سيدة أولى، خصوصاً في 1993عندما تسلمت مسؤولية صياغة برنامج للرعاية الصحية لكل الأميركيين وانجاحه في الكونغرس. واذ استغرب البريطانيون دوماً افتقار أميركا الى نظام رعاية أساسي، واعتبروا ان اقتراحات هيلاري كلينتون متواضعة ومتأخرة، فإن الوضع السياسي الأميركي حال دون انجاح المشروع. كما واجهت هيلاري احراجاً كبيراً خلال رئاسة كلينتون الثانية بسبب فضائحه الجنسية، ونشرت وسائل الاعلام عدداً لا حصر له من المقالات عن انهيار حياتها العائلية. من جهتي لا أشك ابداً بمهاراتها السياسية والشخصية، لكن اعتقد انها لا تصلح في أي شكل من الأشكال للمناصب السياسية او الرسمية. ورغم ان دورها في فضائح كلينتون المالية والادارية - وايت ووتر، مطار مينا، مكتب سفريات البيت الأبيض، قضية فوستر، قضية ملفات "اف بي آي" - لا يزال مجهولاً الى حد كبير فإن هذه الأجواء لوثت سمعتها تماماً. ولو عرف الرأي العام أكثر لكان عليها مواجهة اتهامات بالغة الخطورة. تحاول هيلاري كلينتون حالياً الحصول على الترشيح عن ولاية نيويورك خلفاً للسناتور الديموقراطي باتريك موينيهان، وهو من بين واضعي "قانون نقل السفارة الى القدس" السيء الصيت في 1995. غريمها الجمهوري رئيس بلدية نيويورك السياسي القوي رودولف جولياني، الذي يتمتع بتأييد الكثيرين من الناخبين اليهود. وهناك بالطبع تكنهات عن انها في حال النجاح ستكون في موقع جيد للانطلاق نحو الانتخابات الرئاسية ما بعد المقبلة، اي في خريف 2004. ويبدو حالياً ان نائب الرئيس آل غور سيخسر معركة 2000 الانتخابية امام جورج بوش الابن. يقدر الخبراء ان اليهود يشكلون عشرين في المئة من سكان مدينة نيويورك وعشرة في المئة من سكان الولاية. ويشير الخبراء الى ان 80 في المئة من الناخبين اليهود صوتوا للرئيس كلينتون في انتخابات 1992 و1994. ويؤكدون ان لا أمل لهيلاري بالفوز ما لم تذهب الى ابعد مدى ممكن في محاولة كسب الناخب اليهودي. الغريب أن الأوساط اليهودية في نيويورك تعتبر ان كلينتون مؤيد للعرب ومعاد لاسرائيل، ويشيرون للبرهان على ذلك الى خلافاته المتكررة مع حكومة نتانياهو وموقفه الودي من الرئيس عرفات. كلينتون في اعتقادي هو الرئيس الأميركي الأقوى تأييداً للصهيونية. وكانت هيلاري كلينتون اعلنت السنة الماضية في لقاء مع تلامذة فلسطينيين تأييدها لقيام دولة فلسطينية. ورغم تنصل الادارة من تصريحها ذلك الوقت فهناك كل ما يشير الى انها بحثت الموقف مع زوجها مسبقاً. انها ليست ساذجة وكانت تدرك ان تأييدها للدولة الفلسطينية سيثير عاصفة اعلامية. ما سبق هو الخلفية لانقلابها المفاجيء والمشين الأخير، الذي عادت فيه الى مخالفةخط ادارة كلينتون، لكن في الاتجاه المناقض. فقد وجهت رسالة الى منظمة يهودية محافظة تمثل 750 كنيساً في انحاء الولاياتالمتحدة قالت فيها انها تعتبر القدس "عاصمة اسرائيل الموحدة الأبيدة". والأسوأ انها اضافت انها في حال انتخابها الى مجلس الشيوخ ستعمل من اجل نقل السفارة الأميركية الى القدس. وكان "قانون نقل السفارة الى القدس" الذي اقره مجلسا النواب والشيوخ هدد وزارة الخارجية الأميركية بعقوبات مالية ما لم تتحرك بسرعة لنقل السفارة الأميركية الى القدس. وأثار الموقف غضب وزارة الخارجية، التي تدرك الضرر التي تلحقه الخطوة بالعلاقات مع عدد من الدول الصديقة المهمة، وكذلك انتهاك تحرك كهذا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن. هيلاري كلينتون تستحق الادانة من الجميع من دون تحفظ لدعهما محاولات اسرائيل لتهويد المدينة المقدسة على حساب حقوق العرب والمسلمين والمسيحيين. * سياسي بريطاني، نائب سابق من المحافظين.