ساور القلق المستثمرين، في الاشهر الاخيرة، من حصول سخونة مفرطة في الاقتصاد العالمي يمكن ان تؤدي الى تضييق نقدي قاسٍ ينجم عنه تباطؤ حاد في النمو، او ما يُسمى بال"هبوط العنيف" الا ان ذلك ليس السيناريو الذي نتكهن به، ففي الوقت الذي نعتقد ان النمو الاقتصادي العالمي سيستمر في تسارعه في النصف الاول من السنة الجارية، نتوقع ان يبلغ ذروته منتصف السنة قبل ان يميل الى الاعتدال فيما نسير قدماً في سنة 2001. وفي يقيننا ان مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى الولاياتالمتحدة وبريطانيا والمانيا وفرنسا واليابان وايطاليا وكندا ستتدبر امر ضبط المخاطر التضخمية بتضييق السياسة النقدية خلال النصف الاول من السنة الجارية. وسيؤدي ذلك الى هبوط في اسعار السندات العالمية كلما تقدمنا في السنة. وهذا نبأ سار للمستثمرين في الادوات ذات الدخل الثابت. وهناك اشارات تدل على ان النمو الاقتصادي يقترب من الذروة. وبالفعل، قمنا حديثاً بمراجعات نزولية لتكهناتنا السابقة بالنسبة لاجمالي الناتج المحلي في بعض الدول. ففي اليابان نتوقع الآن ان نشاهد نمواً للناتج المحلي بمعدل 1.5 في المئة العام الجاري مقابل 1.8 في المئة، ومن المرجح ان تسجل الصين نمواً معدله 7.7 في المئة مقابل 8.5 في المئة. كما تدنى مستوى تكهناتنا للنمو العالمي من 4.4 في المئة الى 4.3 في المئة. اضافة الى ذلك، تشير الارقام الاخيرة بوضوح الى ان وتيرة النمو آخذة في الهدوء وانها تميل السنة الجارية نحو الاعتدال في بعض الاقتصادات، مثل المملكة المتحدةواستراليا وكوريا الجنوبية… هذه الاقتصادات التي كانت في الطليعة بالنسبة الى "النمو العالمي المفاجئ" عام 1999. وفيما يستمر النمو في الولاياتالمتحدة على قوته، هناك بعض المؤشرات المالية العالمية العادية كالدولار الاسترالي ومؤشر مكتب ابحاث السلع التي لا تزل تراوح مكانها… ذلك لأن الطلب على السلع ليس قوياً اسعار المواد الاولية ترتفع في زمن النمو الحاد، وهذا برهان آخر على ان النشاط العالمي المزدهر الذي شاهدناه في الفصول الاخيرة اخذ يستريح. "اوبك" تخفض الضغط عن المصارف المركزية اما العامل الآخر الذي يمكن ان يخفف الضغط عن المصارف المركزية كي لا ترتفع معدلات الفائدة فهو التوقع في هبوط اسعار المحروقات عقب اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط في فيينا الاسبوع الماضي ان اتفاق "اوبك" الذي عكس قرار خفض انتاج النفط الذي تم اتخاذه العام الماضي وأثر على صعود اسعار النفط الى 34 دولاراً في شباط فبراير الماضي، يمكن ان يؤدي الى خفض الاسعار. وبما ان اسعار النفط العالمية قد تحمل بعض التضخم، فان خفض تلك الاسعار يمكن ان يخفف من ضغوط نفقات المستهلكين والمصنعين في الدول الصناعية وبالتالي يرفع الضغط عن كاهل المصارف المركزية لزيادة معدلات الفائدة. لكن نبقى ايجابيين في ما يتعلق بالنمو الاقتصادي، ولا نزال نعتقد ان النمو سيبقى في ارتفاعه في الامد القصير وهذا ما يجعلنا نتوقع مزيداً من الارتفاع في اسعار الفائدة في السياق القصير. ومن المرجح ان يرفع مجلس الاحتياط الفيديرالي البنك المركزي الاميركي سعر الفائدة "للاموال الفيديرالية" مرة اخرى بواقع ربع في المئة فوق المستوى الحالي البالغ 6 في المئة. ونرى ان حُمّى النمو في الولاياتالمتحدة ستميل الى الاعتدال في النصف الثاني من السنة الجارية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا سيتباطأ النمو في الولاياتالمتحدة؟ والجواب على ذلك: بما ان السياسة النقدية لا تؤتي مفعولها الا بتأخر زمني يصل الى نحو السنة، وبما ان اول خطوة للتضييق كانت في حزيران يونيو من العام الماضي يُصبح من المعقول ان يبدأ مفعول السياسة النقدية في النصف الثاني من سنة 2000. ونضيف الى ذلك، ان معدلات الفائدة الحقيقية في الولاياتالمتحدة هي الآن في مستويات لم يسبق ان فشلت في لجم النمو الاقتصادي. ويرجح ان يرفع البنك المركزي الاوروبي الفائدة بمعدل ربع في المئة في ايار مايو او حزيران يونيو كما نتوقع ارتفاعاً مماثلاً في النصف الثاني من السنة الجارية، ليرتفع معدل الفائدة الاوروبية الى 4 في المئة. ولا نرى اي مبرر للبنك المركزي الاوروبي ان يرفع الفائدة فوق ذلك المستوى لأن مستقبل التصخم لا يُقلق. اذ نتوقع ان ينخفض معدل التضخم في منطقة اليورو من 2 في المئة الى 1 في المئة خلال الاشهر ال12 المقبلة. توقع استمرار الصفر كمعدل للفائدة في اليابان من المرجح ان يستمر بنك اليابان المركزي في اعتماد "معدل الفائدة صفر" في ما تبقى من السنة الجارية. فقد تقلص الاقتصاد في الفصلين المنقضيين من السنة المالية في اليابان ولا تزال الضغوط الانكماشية على شدتها. وفي اثناء ذلك، يرتفع الانفاق الترسملي على التكنولوجيا… فيما يستمر المنحى الانكماشي، كما حصل في الولاياتالمتحدة في الاعوام الاخيرة. وفي رأينا، يرجح ان يحافظ بنك اليابان على التسهيلات النقدية طالما ان معدل التوفير لدى العائلات يظل عالياً، وامتناع المستهلكين عن الاستدانة بمبالغ ضخمة بمعدلات الفائدة المنخفضة الراهنة لا يزال سارياً. ان معدل الفائدة الاساسي لدى بنك انكلترا المركزي هو على الارجح قريب من الذروة. فالاحصاءات الاخيرة عن الطلبات لدى المصنعين واسعار البيوت في المملكة المتحدة تشير الى ان حركة النمو الاقتصادي اخذت في التباطؤ. في المقابل يُرجح ان يرفع بنك استراليا المركزي معدلات الفائدة قصيرة الأمد بين 50 و70 نقطة لتخفيف الضغوط التضخمية الناجمة عن النمو الاقتصادي القوي طوال العامين ونصف الماضيين. من المرجح ان تنتهي المرحلة الحالية من الانقباض النقدي في الصيف، ما يؤشر الى نظرة ايجابية الى سوق السندات. ونتوقع ان ينخفض المردود على سندات الخزينة الاميركية التي تستحق في 10 سنوات الى ادنى من 6 في المئة اواخر السنة عندما تتحقق التكهنات بحصول "هبوط لطيف" اعتدال في النمو بدل الركود، وهذا امر ايجابي بالنسبة الى المضاربة في الفروقات والعمليات المتصلة بالائتمان وكذلك في الاسهم الشديدة التأثير بمستوى الفائدة كالشركات المالية. * كبير الاقتصاديين الدوليين في دار الوساطة العالمية "ميريل لينش".