من يقول ان الشعر لم يعد ديوان العرب لا يتابع الساحة كما يجب. بعض شعرنا العربي المعاصر تسجيل بليغ لمعاناة الأوطان وأصداء العويل. مما يجعلني أتساءل لماذا لا تدرّس قصائد شعرائنا المعاصرين في مناهج اللغة العربية لكي يكتشف الجيل الناشئ كيف يكون الشعر تعبيراً عن الواقع بحلوه ومرّه. وكيف يكون الشعر سلاحاً حقيقياً يقاوم الظلم ويسجل التاريخ خارج املاء السلطة الغاشمة؟ أترى اسرائيل أكثر وعياً بموقع الشعر العربي من خارطة الحياة حين اقترح مسؤولوها أن يدرّس شعر محمود درويش ليفهم الشباب مشاعر العرب تجاه المستوطنين الصهاينة؟ ديوان الشاعر العراقي يحيى السماوي "أطبقت أجفاني عليك" يحمل نبضاته وهو في الغربة الاسترالية حيث هاجر واستقر القلب العاشق للوطن العربي. فظل الشعر يأتي عربياً قراحاً. وهو لا يقل في شعره حنيناً وجزالة وإبهاراً عن الشعراء المهجريين الأسبق مثل إيليا أبو ماضي. والديوان ثلاثون قصيدة تعكس تميّز لغة الضاد بأنقى صورها وبلاغتها، معظمها قصائد عمودية وبعض منها قصائد تفعيلية كلها تحتفظ بالإيقاع الموسيقي الأنيق واللغة المتمكنة. ومثل دواوينه الأخرى حين تقرأ شعر يحيى السماوي تحس بعمق الجرح العربي. أغثني يا فرات.. فأين مني نخيلك والأحبة والشميمُ وبي يا صاحبي جرح عصيٌّ على برء، وبي غيظٌ كظيم وأبكي ربما أطفأت ناراً وقد يسلو بأدمعه الهضيم بكيت على الفرات يمد كوبا ويشحذ لقمة العيش الكريم. ويقول في أخرى: بالأمس - نصف الليل - ضج بي الهوى شوقاً وقامت للهموم جيادُ فرميت رأسي فوق شرفة راحتي ورمت علي ظلامها "أديلاد"* فركبت أجنحة الخيال وفي دمي عطشٌ وما بين الضلوع قتاد "أنجدت" بالجسد العليل و"أتبكت" روحي وحج الى العتيق فؤاد وتكحلت بتراب "طيبة" مقلتي ولثمت "جدة" حيث طاب رقاد حتى إذا فز الفؤاد وهشّمت مرآة أحلامي وعاد رشاد لطمت عيوني جفنها صرخت في صمتٍ: أما يكفيك يا بغداد؟ أدفأ قصائده تلك الموجهة لأصدقائه الأدباء" بلند الحيدري "نم يا بلند"، وفاروق بنجر "فضح الهوى سري"، ومحمد الفقي "أنت أشجى"، وأحمد الصالح "قم بي الى نجد"، وعبدالمقصود خوجة "نهران من دفء ومن مطر"، عبدالعزيز التويجري "أخيط عليكم الأهداب". وتظل أجملها وأقواها في نظري قصيدتا "القضية" و"الأبالسة"، ولعل بهما شيئاً من لهجة نزار قباني مع تميّزها الخاص بصدق الانفعال الذاتي، ثم قصيدة "تفاصيل" وبها ذلك النبض الذي يميّز خصوصية الشعر العراقي الحديث بدءاً بالسياب وبلند الحيدري، وحسب الله الشيخ جعفر، وسعدي يوسف: في غرفة ضيقةٍ أفتح كل ليلةٍ نافذة يطل منها وطني الممتد في قلبي الى الأحداق فتستبيني رغبة انطلاق أركض في برية الغربة دون ساق وكلما اقتربت من مخافر الحدود يا عراق يضادر "الرفاق" يدي.. فكيف أبدأ العناق؟ *أديلايد هي المدينة الأسترالية التي يسكنها الشاعر الآن.