أكد رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الروسي الفريق أندريه نيكولايف أن القوات الشيشانية تضم "محترفين وليس قطاع طرق". وأشار في حديث إلى "الحياة" إلى مخاطر تهدد روسيا في القوقاز وحوض قزوين. ودعا إلى استئناف التعاون العسكري مع الدول العربية وايلاء اهتمام خاص للعلاقات مع إيران. وفي ما يأتي نص الحديث: كيف تفسرون أسباب انتكاسات القوات الفيديرالية في الشيشان خلال الحملة الأولى. والخسائر الفادحة في الحملة الحالية؟ - للمشكلة جذور تنبع من الشعار الذي طرحه الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن عندما دعا الجمهوريات إلى أن "تأخذ من السيادة ما استطاعت أن تهضم". ما شجع النزعة الانفصالية في الشيشان. وكان على موسكو ان تعالج في أوائل التسعينات المشاكل الاقتصادية والسياسية المتفاقمة، لكن القيادة الروسية آنذاك ظلت في موقف المتفرج فترة طويلة، ثم قررت ان تزج بالجيش النظامي بدلاً من القوات المختصة لمكافحة الارهاب. واستخف بقوة المتمردين، وكان هناك غياب شبه كامل للإرادة السياسية على المستويات العليا، وضعف في التنسيق بين القيادات العسكرية والأمنية. وبفعل دسائس سياسية من وراء ظهر الجيش، عقد اتفاق "خسادبورت" عام 1996، مما أتاح للطرف الآخر فرصة إعادة ترتيب صفوفه واختلف الوضع بعد غزو داغستان، إذ أن القيادة السياسية أظهرت عزماً على مكافحة الارهاب وحظيت بتأييد غالبية الرأي العام. وتعزى الخسائر إلى أن الشيشانيين تمكنوا خلال السنوات الماضية من انشاء جيش حقيقي يفوق في تعداده جيوش دول أوروبية. وضم هذا الجيش عناصر مدربة على اساليب القتال الحديث وليس "قطاع طرق"، ثم انهم يعرفون الأرض والمواقع ويحظون بدعم من الخارج. وهناك قوى في مصلحتها إطالة أمد حرب العصابات لكي تبقى روسيا في حال توتر واضطراب، خصوصاً في مناطقها الجنوبية المطلة على بحر قزوين القريبة من الشرق الأوسط. ومن جهة أخرى، فإن القوات الروسية تعاني من نقص التنسيق وسوء التدريب والاهمال، وحسبنا الاشارة إلى ان شاحنات عسكرية تقع في كمائن لأنها تتنقل من دون حماية ما يشكل تجاهلاً لأبسط المبادئ العسكرية. هل هناك دروس استخلصها واضعو الاستراتيجيات العسكرية من الحرب الشيشانية؟ - كلفت القوات المسلحة الفيديرالية بمهمة ليست من اختصاصها، إذ أن معالجة النزاعات الداخلية من وظائف قوى الأمن الداخلي. ولكن أحداث القوقاز أوضحت فداحة الخطأ الذي ارتكبته القيادة السياسية بتقليصها غير المدروس للقوات البرية في سياق ما عرف ب"الاصلاح العسكري". والقوات البرية لا يمكن الاستغناء عنها في أي نزاع مسلح واسع النطاق، ولو كان العراق، مثلاً، استخدم في صورة نشيطة قواته البرية، فإن نتيجة المعركة كانت ستكون مغايرة تماماً. لقد كانت هناك قوات لكنها لم تكن فاعلة، وجرت الحرب وفق قواعد فرضتها الولاياتالمتحدة والقوات المتعددة الجنسيات. تشير النظرية الجديدة للأمن القومي في روسيا إلى ضرورة أن يكون لها "وجود عسكري" في مناطق ذات أهمية استراتيجية. ما هذه المناطق وأي الدول يعنيها الأمر؟ - هنالك مناطق واسعة في آسيا والمحيط الهادئ وآسيا الوسطى وأوروبا لها أهمية استراتيجية لروسيا، وإذا توفر وجود عسكري هناك، فإنه سيكون وسيلة لتأمين مصالح روسيا. ولنأخذ، مثلاً، منطقة الخليج، فهل كان الأميركيون سيتصرفون بهذه الوقاحة حيال الناقلات الروسية لو كانت لدينا قطع بحرية هناك؟ ومن المؤكد ان انسحاب روسيا بسرعة من مناطق عدة، من دون أن يطلب منها أحد ذلك، أضر كثيراً بمصالحها كدولة كبرى. يلاحظ تزايد نشاط تركيا وسعيها إلى تعزيز واقعها في منطقتي القوقاز والبحر الأسود، هل تنوي روسيا التصدي لمثل هذا التطور؟ - تركيا دولة مستقرة، وتسعى حالياً إلى استغلال اضطراب الوضع في القوقاز لتعزيز نفوذها هناك. وهي لا تخفي انحيازها إلى دول قوقازية على حساب دول أخرى في المنطقة ذاتها. وثمة أوساط تركية متنفذة تقدم العون للمقاتلين الشيشانيين، إضافة إلى ان هناك مشاريع لإقامة الدولة الطورانية، ونحن من جانبنا نفضل أن يكون توسيع التعاون في شتى المجالات ومنها السياحة، بديلاً من التنافس العسكري. اوقفت روسيا تعاونها العسكري مع طهران بموجب مذكرة موقعة بين موسكو وواشنطن عام 1995، كما أن هناك عراقيل تعترض التعاون مع دول عربية، هل ترى موسكو من مصلحتها استمرار هذا الوضع؟ - لقد اتضح عقم سياسة ارضاء دول ما على حساب مصالحنا القومية. ونحن لم نكسب نتيجة ذلك مزيداً من الأصدقاء، بل خسرنا عدداً من شركائنا القدامى وتراجعت علاقاتنا مع دول صديقة. نولي الآن أهمية خاصة لصلاتنا مع إيران، ويجب ان نطور تعاوننا انطلاقاً من مصالحنا وليس من توصيات أطراف أخرى. كما ينبغي ازالة الحواجز المصطنعة التي تعترض التعاون مع الدول العربية، تلك الحواجز التي ألحقت ضرراً كبيراً بالمصالح الروسية.