أصبحت رواية "وليمة لأعشاب البحر"، للكاتب السوري حيدر حيدر قضية القضايا في الشارع العربي، وتحولت من الدين الى السياسة الى التحريض والعنف والتكفير، ووصلت لغة خطابها الى الدعارة والفجور. بصرف النظر عن ان الرواية إساءة صريحة الى الدين، او ان الاتهامات ضدها مزيفة ومقتطعة من سياقها الادبي، أثبت ما جرى أن المثقفين في العالم العربي ينهون عن خلق يمارسونه دائماً بجدارة لا يحسدون عليها. فالمتابع لردودهم ضد حملات التحريض على الكاتب والرواية والجهة التي أمرت بإعادة طبعها يجد ان كل ما كتبوه تحريض مضاد واستعداء على التيارات الاسلامية بحجة محاصرة الفتنة ورفض مصادرة الفكر والحجَر على حرية التعبير. لا شك ان تبرير العنف وتهييج الجماهير قضية مرفوضة مهما كانت الدوافع وجيهة وقوية، فكيف اذا كانت كلمة في كتاب يمكن وقف نشره من دون خطاب عنيف وتحريض على الفتنة وتمرد على القوانين المدنية، لكن رفض هذا السلوك الفوضوي لا يسوغ تصعيده بالدفاع عمن تسبب في حدوثه، ولا يعفي بعض المثقفين من مسؤولية تحريض الناس على العناد من خلال تبرير موقف الكاتب بطرق مستفزة او تفتقد الحكمة والتسامح والايمان بأن ما يجوز للدين من قدسية لا يجوز لغيره. الاكيد ان ما حدث بسبب رواية حيدر ومن قبله نصر ابو زيد وسلمان رشدي ما كان ليحدث لولا ان المثقفين الليبراليين في العالم العربي والاسلامي يمارسون سطوتهم لاجبار الناس على قبول الحرية بمقاييس غربية او متخيلة، بصرف النظر عن مراعاة معتقدات هؤلاء الناس ومشاعرهم الدينية. والأكيد ايضاً ان نسبة لا يستهان بها من الدعاة تستغل مثل هذه الحوادث وتخلط السياسة بالدين وتصفي حساباتها مع الاحزاب والأنظمة بحجة الغيرة، مع أنه بإمكانها تغيير هذا اللون من التعدي على الدين من دون اللجوء الى فتنة تصيب الجميع.