اضفت المبادرة غير المسبوقة للرئيس بيل كلينتون بإعلان مرض الإيدز "تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة"، بعداً سياسياً على المرض، واوحت خطأ، بأن الولاياتالمتحدة نجحت في "احتواء" انتشاره داخلياً. لكن الفيروس ينتشر أميركياً عبر الخطوط الحساسة التي تفصل بين الأقليات والطبقات. فالايدز أكثر انتشاراً بين الأميركيين الأفارقة والملونين وأصحاب الدخل المحدود والمقيمين في الاحياء الشعبية، وتقل إصابته بين البيض وأصحاب الدخل المتوسط وسكان الضواحي المترفين... وذلك وجه أول في البعد السياسي أي اتصاله بالحدود المتصادمة للصراع الأميركي الداخلي. ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" امس، عن مصادر في الإدارة الاميركية ان الاخيرة تعتزم مضاعفة مبلغ ال 254 مليون دولار المخصص لمكافحة الإيدز، وذلك استناداً الى تقرير ل "مجلس الأمن القومي" الأميركي توقع فيه أن يؤدي الإيدز، في افريقيا وآسيا وبعض دول أوروبا، الى سقوط حكومات واحتدام الحروب العرقية، ما يهدد أسواق العولمة المفتوحة والحكومات الصديقة لأميركا في العالم. وهذه المرة الأولى في التاريخ المعاصر يتحول مرض في حد ذاته شأناً استراتيجياً - سياسياً يهتم به "مجلس الأمن القومي" الذي يتابع المصالح الأميركية على المستوى الدولي. وكان تقرير مشترك لصندوق النقد والبنك الدولي، أشار إلى أن انتشار الإيدز بات عنصراً معوّقاً للنمو الاقتصادي والاجتماعي في دول عدة. أورد البيان أن افريقيا متضررة بعمق من انتشار الإيدز، إذ ان فيها 23 مليون مصاب بالفيروس من أصل خمسين مليوناً في العالم، ويمثل المرض تهديداً جدياً في دول الكاريبي وآسيا وأوروبا الشرقية. ولأن الإيدز يطاول البشر في سني الشباب والعمل والعطاء، فإن إصابات بالملايين، تضعف الأداء الاقتصادي وتبطىء النمو وتأكل رأس المال البشري. ويؤدي اجتماع تلك العوامل، إضافة الى الفاتورة الباهظة لعلاج المرض، الى خلخلة بيئة الاستثمار وفقدان الثقة باقتصادات الدول التي تعاني منه، ما يفتح الباب أمام التوترات الاجتماعية في تلك الدول. ورأى مراقبون ان البعد العالمي لمصالح الولاياتالمتحدة والإخفاق في محاصرة الإيدز ولجمه، حفزا الإدارة الأميركية على إعلان الإيدز تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة.