تمتاز دمشق بآثار تدهش بتنوعها وجماليتها، تشمخُ مُذكرة بالحضارات المختلفة التي تعاقبت على هذه المدينة العريقة. ويلاحظ الزائر اكتظاظ الاحياء القديمة بالآثار والمتاحف والمنشآت المعمارية ذات الطراز القديم الذي يعود الى مختلف العهود. ويُعبّر التاريخ عن نفسه في كل حي وكل حارة ان في البناء او الرسوم او النقوش عبر رموز تدل على عظمة هذه المدينة وتاريخها. من هذه الرموز قصر العظم القابع وسط منطقة كل ما فيها يدل على الاصالة والتاريخ، وقصر سوق الحميدية والبزورية القديمة وتتكئ على الجامع الاموي العظيم. وعبر دهليز صغير معقود بمصليات حجرية رائعة يطل الناظر، أول ما يطل، على القصر الذي يبدو على شكل دار شرقية تتوسطها باحة واسعة، فيها بركة الماء المستطيلة التي تميز كل البيوت الدمشقية، والتي تتوزع حولها اشجار الحمضيات. وفي صدر الباحة ايوان مرتفع فيه زخارف هندسية ملونة، وعلى جانبه غرفتان للاستقبال، وفي الركن الجنوبي من الباحة شُيّد حمام القصر الرحب والخاص، وهو نموذج مصغر عن الحمامات العامة غني بزخارفه المتنوعة. اما الحمام الشرقي فله هندسة خاصة اذ يتألف من "البرّاني" وهو قاعة كبيرة ينزع بها المستحم ملابسه، ثم يدخل الى "الوسطاني" المعتدل الحرارة وهو بين "الجواني" و"البراني" مخصص للاستراحة، ويزين ارضيته الرخام، ثم يأتي "الجواني" الذي يتألف من فسحة وايوان ومقصورتين في كل منهما جرن للماء، ثم الخزانة وهي مرجل واسعة للماء الساخن. ووضعت في الحمام بعض التماثيل تصور رجالاً في وضعية الاستحمام والاستراحة. وفي الحمام ايضاً الجرن والليفة والطاسة وهي ادوات الاستحمام. ويحتار الزائر اي الغرف الكثيرة يدخل فكل منها يحوي نموذجاً معيناً لحياة الاقدمين حيث شكلت التماثيل جلسات وعادات كثيرة، ومن هذه الغرف غرفة جلست فيها بعض التماثيل لرجال يرتدون العباءة على فرش عربي يحتسون القهوة وهناك غرفة للحريم اللواتي جلسن يتسامرن. وأحد تلك التماثيل يصور امرأة تهزّ سرير طفلها النائم وآخر لامرأة تحمل مرآتها الفضية الجميلة، وهناك ايضاً غرف خاصة بالاسلحة القديمة من سكاكين وخناجر وبنادق وألبسة عسكرية، بالاضافة الى غرف تحوي ادوات الطبخ والزراعة والنسيج وغيرها الكثير الكثير. وتكمن جمالية غرف القصر في زخارفها، ففوق كل نافذة قمرية من بلور وردي منقوشة بماء الذهب والدهان، وبجانب كل منهما مستطيلين مكتوب على كل منهما "محمد رسول الله" بماء الذهب وفوق دوائرهما حلقة من الخشب المتقن مكتوب عليها احاديث الرسول الكريم بماء الذهب ايضاً، بالإضافة الى زجاج النوافذ الملون والرسومات الجدارية والنقوشات الهندسية على الابواب وفي زوايا الاسقف. ولا ننسى الاشياء الغريبة التي صنعت بدقة مدهشة حيث هناك في بيت زجاجي حبة رز كتبت عليها آية قرآنية لا يمكن قراءتها الا تحت المجهر، وهناك ايضاً في الباحة الخارجية تمثال لأسد منقوش على حجر بركاني يختلف بطريقة نحته عن تماثيل الاسود المحفوظة من آثار الحفيين والآشوريين وغيرهم، اذ نحت بحالة سيره العادية اي غير رافع رأسه ونظره لتأثره من رؤية فريسة يسير اليها. واستغرق بناء قصر العظم 11 سنة واشتغل فيه معظم بنائي دمشق القديمة وفنانيها ليكون رمزاً خالداً للتاريخ وجمال باهر للحاضر.