انجاز معاملة حين ارادال مواطن "ملحم" ان يلاحق معاملة له في الدوائر العقارية من دون رشوة او وساطة - قد لا توجد لدى كثر - او الاستعانة بمعقب معاملات يمتص منه مالاً غير قليل فلم يصل الى نتيجة الا بوصوله الى "طلوع الروح" اذ استغرق انجاز المعاملة خمسة اشهر، وهي من ابسط المعاملات في الدوائر العقارية. فملحم الذي بدأ بناء منزل في عقار ورثه وسجله مسبقاً، لم يكفه مال جناه في عمر لاتمام البناء في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، فلجأ الى الاستدانة من مصرف طلب منه تأميناً رهن عقاره. فذهب لانجاز المعاملة اولاً الى بيت الدين حيث مكتب المنطقة التي يتبع لها عقارياً وقدم الطلب بتاريخ 6/ 12/1999، وراح ينتظر اكثر من شهر، هي فترة "سفر" الطلب من بيت الدين الى بعبدا بضعة كيلو مترات بالبريد، ليصل "في سلام" بتاريخ 22/1/2000. وحين وصل الطلب تبيّن ان هناك خطأً تمثل بشطب اسم والده، وتبلغ ان من يصحح الطلب يحضر الى الدائرة كل ثلثاء. وفي اسبوعين متتالين جاء ملحم الى الدائرة، من بلدته البعيدة، لكن دور معاملته لم يأتِ، وفي المرة الثالثة قيل له ان منْ يصححه ذهب الى بيت الدين نظراً لكثافة المعاملات. وقال "بعدما عيل صبري استعنت بسمسار، لأن الموظفين يسهلون امور السماسرة، فسحب لي المعاملة لتصحيح الخطأ". ثم أخذ ملحم المعاملة الى الكاتب العدل، الذي كان اعدّها من قبل، على ان يلتقي الخبير الذي كان اوفده المصرف للكشف على العقار، ليصححا الخطأ. لم يحضر الخبير في الموعد، اتصل به مستفسراً تخلّفه فقال له: "سأتصل بأمين السجل العقاري ليسجل المعاملة من دون تصحيح". وهذا ما كان يمكن ان يفعله من قبل، وبعد شهر اضافي بتاريخ 10/2/2000 من الاتصالات دعاه الخبير الى موافاته عند الكاتب العدل في بعبدا، "لكن زحمة السير أخرتني عن الوصول نحو نصف ساعة، انتظرني ثم رحل". ثم لحقه الى بيروت، في زحمة المواصلات نفسها حيث أبلغه انه تحدث مع امين السجل العقاري وطلب منه العودة الى بعبدا وكان الوقت ظهراً. عاد الى بعبدا ليصل الى الدائرة الواحدة بعد الظهر. كان امين السجل لم يزل موجوداً، "وبعد الانتظار والتماس الشفقة من الحاجب ليدخلني، عدت خائباً اذ قال لي الحاجب: عُد يوم الاثنين". كاد صبر ملحم ينفد، لكنه عاد الاثنين باكراً وكله امل بانجاز معاملته سريعاً. كان التيار الكهربائي مقطوعاً والدائرة، وهي عبارة عن قاعة كبيرة قسمت غرفاً مكشوفة فيها سجلات قديمة، صفر ومهترئة، للقرى التي دونت اسماؤها على لوائح كتبت بخط اليد وعلقت عليها، مظلمة. قال له الموظف "عُد حين تعود الكهرباء لاسجل لك المعاملة او احضر ضوءاً فأسجلها". أمضى ساعتين منتظراً، جاءت الكهرباء فسجلها الموظف بعد نصف ساعة ثم طلب منه الذهاب بها الى مساعد أمين السجل الذي قال له بدوره "ليدخلها الحاجب". وهكذا كان ثم خرج بها وتبعه الى مكتبه حيث فتح دفتر "الوقوعات والاشارات العقارية"، تأكد من وجود اشارة خاتماً وتوقيعاً على العقار، فاعطاه المعاملة وقال له "مبروك"، فحملها الى المصرف ليقبض القرض بعد اربعة اشهر اي بتاريخ 3/3/2000. وعما دفعه لانجاز المعاملة قال "في الدوائر وللكاتب العدل ومصاريف التنقلات دفعت نحو 320 ألف ليرة 210#، لكن لو كنت ميسوراً لدفعت 300 دولار لسمسار وانجزها سريعاً عوضاً من العذاب نحو خمسة اشهر". اما دانيال التي ذهبت الى بعبدا لانجاز معاملة مشابهة، فانجزتها في يوم واحد بعدما كانت اتصلت بمسؤول في وزارة المال اتصل بدوره بأمين السجل العقاري ليسهل لها امرها. وايضاً كانت الكهرباء مقطوعة حين ارادت ان تحصل على خريطة مساحة، لكن مضيفها ابقاها في مكتبه وارسل موظفاً احضرها، "تأخر ربع ساعة لانه صورها على الشمس"، على ما قالت دانيال. ولم تعانِ كثيراً الا في بلدية بلدتها حيث حصل لغط اثناء استحصالها على براءة الذمة لناحية تسديد المتوجبات عليها، التي كانت سددتها من قبل. تجربتان اصلاحيتان من الالفاظ او العبارات التي يستخدمها اللبنانيون حين يتطلب انجاز عمل ما وقتاً، انه "يحتاج الى معاملة". فالمعاملة تكاد تكون من اصعب الامور انجازاً. هذا بالنسبة للمواطنين فكيف هي الحال بالنسبة للاجانب والمستثمرين. وادراكاً لهذه الصعوبة، وسعياً وراء جني الاستثمارات والشركات، اطلقت الحكومة اللبنانية تجارب لتسهيل انجاز المعاملة في اكثر من مؤسسة. فمدير المعلوماتية في وزارة الاقتصاد والتجارة عباس بدران يفاخر بالانجازات التي استطاعت الوزارة تحقيقها على صعيد تسهيل المعاملات ومكننة بعض الاجهزة، من دون ان ينفي ان كل هذا العمل لم يستطع ان يلغي توقيعاً واحداً عن اي معاملة لتصبح قانونية. وان "هناك انظمة عدة نعتمدها لتسهيل الخدمات للمواطنين"، وساق مثلاً عن نظام تسجيل الشركات الخارجية، ان "في السابق كان على مَنْ يرغب في الحصول على وكالة حصرية لشركة ما، ان ينتظر الوقت القانوني بين ثلاثة ايام واسبوع اللازم، للبحث في الارشيف عما اذا كانت اعطيت من قبل لشركة أخرى، قبل البدء في انجاز المعاملة". واضاف ان "هذا الوقت اختصر بعدما ادخلنا معظم المعلومات الى الكومبيوتر، واصبح البحث اسهل وتسجيل الشركة الاجنبية والعلامات الفارقة حماية الملكية الفكرية، اصبح اسهل ايضاً". واشار الى تسهيل آخر تم عبر تبسيط نماذج المعاملات "من دون ان يعني ذلك إلغاء الاجراءات التي يمكن الاستغناء عنها او غيابها"، موضحاً في هذا المجال ان "الوزارة افتتحت اخيراً مكتباً ممكنناً للاستقبال والاستعلامات مهمته استلام معاملات المواطنين وملاحقتها داخلياً في مهلة زمنية محددة تختلف بين معاملة واخرى، اضافة الى توزيع كل المعلومات المطلوبة مسبقاً، واصدار نشرة يومية عن وضع المعاملة لناحية تأخرها ونواقصها وغير ذلك". والمشروع هذا الذي اطلق قبل نحو عامين يتيح للمواطن ملاحظة نتائجه، واعطى الوزارة مرونة داخلية كبيرة اضافة الى تمكنها من اعطاء احصاءات دقيقة عن الحركة التجارية، بحسب بدران. وعن كيفية تنفيذ هذا العمل، قال "انه من ضمن خطة شاملة تهدف الى انجاز شبكة معلوماتية على مستوى كل الوزارات، ليس فقط لتسهيل الاجراءات بل للتقدم في العمل الداخلي". واكد ان "ما انجز لم يتطلب موظفين جدداً، لان الوزارة اجرت دورات تدريب لكل موظفيها". اما تجربة المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمار في لبنان "ايدال"، لتسهيل المعاملات، فهي حديثة جداً، والمؤسسة ايضاً حديثة واطلقت قبل اعوام قليلة. فالمؤسسة خصت تسهيل المعاملات برجال الاعمال الذين يريدون الاستثمار في لبنان، وبخاصة الاجانب، لينجزوا معاملات من خلالها اذ يتولى موظفون فيها، منتدبون من عدد من الوزارات متابعة المعاملة وانجازها، ما يعني ان المعاملات وتعقيداتها لم تلغَ بل باقية، على رغم ان احد اهداف المشروع "التسريع في المعاملات وتوفير الجهد والوقت على المستثمر بعيداً من الروتين الاداري والبيروقراطية المعقدة"، على ما قال المدير العام للمؤسسة كمال حايك في مؤتمر صحافي شاركنا فيه. ويرتكز المشروع الى هيكلية منسقة بين مختلف ادارات الدولة ويقضي بتقديم 12 خدمة للمستثمرين لمواكبتهم في المراحل اللازمة لانشاء مشاريعهم بدءاً من تعريفهم على فرص الاستثمار وانتهاءً بالحصول على التراخيص اللازمة لاستثمار مشاريعهم. وانشأت "ايدال" لهذه الغاية "المكتب الموحد لمتابعة التراخيص" الذي يضم "اللجنة الدائمة لمتابعة التراخيص" فيها محافظون ومدراء عامون من مختلف الدوائر الرسمية المعنية لتذليل الصعوبات الناتجة عن معاملات التراخيص. و"مصلحة متابعة التراخيص" وهي تتولى استلام الطلبات مرفقة بالوثائق والمستندات المتوجبة وفق القوانين والانظمة لكل نوع من المعاملات، ومتابعتها لدى الدوائر الرسمية المعنية بواسطة مندوبيها في "ايدال" الى غاية صدور الترخيص. واعتبر الحايك ان "النظام هذا سينتج عنه زخم وفاعلية لتثبيت موقع لبنان على خريطة البلدان المشجعة للاستثمار وسيفتح الباب من اجل اتباع سياسة استثمارية تؤدي الى زيادة حجم الاستثمارات في شكل ملحوظ والى تطوير بنيته الاقتصادية والاجتماعية وتسهم في نقل التكنولوجيا الجديدة وتوفير فرص عمل اضافية". واوضح ان "دور "ايدال" لن يقتصر على تقديم خدمة "One - stop - shop" لتسهيل الحصول على التراخيص الضرورية بل ستقوم بمهمات أخرى منها تزويد المستثمرين بالمعلومات العامة والخاصة ووضع دراسات لفرص الاستثمار في لبنان والترويج لها". عقاب الراشي والمرتشي تنص المادة 351 من قانون العقوبات على الآتي: كل موظف وكل شخص ندب الى خدمة عامة سواء بالانتخاب او بالتعيين، وكل امرئ كلف بمهمة رسمية كالحكم والخبير والسنديك النقابي التمس او قبل لنفسه او لغيره هدية او وعداً او اي منفعة اخرى ليقوم بعمل شرعي من اعمال وظيفته عوقب بالحبس من ثلاثة اشهر الى ثلاث سنوات وبغرامة اقلها ضعفا قيمة ما اخذ او قبل به. وتنص المادة 352 على ان: كل شخص من الاشخاص السابق ذكرهم التمس او قبل لنفسه او لغيره هدية او وعداً او اي منفعة اخرى ليعمل عملاً منافياً لوظيفته او يدعي انه داخل في وظيفته او ليهمل او يؤخر ما كان عمله واجباً عليه عوقب بالاشغال الشاقة الموقتة وبغرامة لا تنقص عن ثلاثة اضعاف قيمة ما اخذ او قبل به. يقضى بالعقوبة نفسها على المحامي اذا ارتكب هذه الافعال. وبموجب المادة 353 تنزل العقوبات المنصوص عليها في المواد 351 و352 ايضاً بالراشي ويعفى الراشي او المتدخل من هذه العقوبات اذا اباح بالامر للسلطات ذات الصلاحية او اعترف به قبل احالة القضية على المحكمة. وفي السياق نفسه تنص المادة 355 على ان: من عرض على شخص من الاشخاص الوارد ذكرهم في المادة 351 هدية او اي منفعة اخرى او وعده بها على سبيل اجر غير واجب ليعمل او لا يعمل عملاً من اعمال وظيفته او ليؤخر تنفيذه عوقب اذا لم يلاق العرض او الوعد قبولاً بالحبس ثلاثة اشهر على الاقل وبغرامة لا تنقص عن ضعفي قيمة الشيء المعروض او الموعود. وتضيف المادة 356 ان كل شخص من الاشخاص المشار اليهم في المادة 351 يقبل بأجر غير واجب عن عمل قد سبق اجراؤه من اعمال وظيفته او مهمته يعاقب بالحبس من شهر الى سنة وبغرامة اقلها ضعفا قيمة ما قبل به. اما الاحكام الخاصة بصرف النفوذ فنجدها في المادتين 357 و358 من قانون العقوبات وفي ما يلي نص المادة 357: من التمس اجراً غير واجب او قبل الوعد به سواء كان لنفسه او لغيره بقصد إنالة آخرين او السعي لانالتهم وظيفة او عملاً او مقاولات او مشاريع او ارباحاً غيرها او منحاً من الدولة او احدى الادارات العامة او بقصد التأثير في مسلك السلطات باية طريقة كانت عوقب بالحبس من شهرين الى سنتين وبغرامة اقلها ضعفا قيمة ما أخذ او قبل به. وان المادة 358 تعاقب على جرم صرف النفوذ الذي يرتكبه محام بحجة الحصول على عطف قاض او حكم او سنديك النقابي او خبير في قضية. دليل... يوزع مجاناً اصدرت وزارة المال اللبنانية كتيبات يوزع بعضها مجاناً ويباع بعضها الآخر بسعر رمزي الى المواطنين كدليل لهم في "دهاليز" الوزارة التي لا يفقهها الا من خبر شؤون المعاملات المالية. ومن الادلة المجانية سلسلة "دليل تصريح ضريبة الدخل" الذي جعل في خمسة اجزاء خصص كل جزء لفئة معينة مثل تصريح الضريبة على: الرواتب والاجور، وشركات الاشخاص، وشركات الاموال، ودخل رؤوس الاموال المنقولة والمؤسسات الفردية. اما الادلة التي تباع فهي ثلاثة: "ضريبة الدخل" و"ضريبة الأملاك المبنية" و"رسم الانتقال". وفيها كل المعلومات التي يحتاج اليها المواطن لمعرفة واجباته وحقوقه من الناحية القانونية للمعاملات والاجراءات الادارية التي تمر فيها في شكل مفصل. الا ان هذه الادلة ليست في متناول المواطنين، وان توافرت فهي كبيرة الحجم مما يجعلها مربكة لمن يحمل بين يديه رزمة اوراق تستلزمها المعاملة.