يطمح المخرج الشاب أحمد عاطف من خلال فيلمه "عمر 2000" - أولى تجاربه السينمائية - إلى أن يكون متميزاً على مستويي الشكل والمضمون. ويقول: "أنا لم أصنع "عمر 2000" لمجرد رغبتي في صنع عمل أول، أو حكي حدوتة تعبر عن شباب هذا الجيل. حاولت أن أكون على مستوى المسؤولية أمام نفسي على الأقل. قلت عندما أجيء في نهاية ألفية وفي ظرف حضاري شديد التحول والبشاعة وفوضى بصرية، وبعد تراث مئة سنة سينما، لا بد من أن اصنع فيلماً يعبر عن ذلك كله. وبالتالي كان كل شيء محدداً لاختيار الموضوع والأسلوب والشخصيات، وحتى فريق العمل وصولاً الى الألوان في الشريط. كل شيء مبرر ونابع من وجهة نعنيها وليس من رغبة هلامية في صنع فيلم ممتع ومفيد". ويتابع عاطف إن "موضوع الفيلم ارتكز بالتالي إلى فكرة الزمن، باعتبار أننا نعبر من زمن الى آخر، وبطل الفيلم - خالد النبوي - يعبر من مرحلة ما قبل الثلاثين من عمره الى ما بعدها . والمقاربة هنا في "عمر 2000" وصولاً إلى خط السرد الذي فرض أن يكون متوتراً ومتداخلاً ومجنوناً كشكل الحياة اليومية، اليوم. فاذا كان البشر ما زالوا يتأثرون بالحكايات البسيطة، هل من الأمانة الفنية بالنسبة إلي، أنني أطرح حدوتة بسيطة أو أن أحاول ترجمة "اللخبطة" الموجودة في كل شيء، في هذا الزمن، حيث قانون السوق يتعارض مع قانون الأخلاق، والحرية في معناها الواسع تتعارض مع الالتزام الديني والانتماء الى العالم، يتعارض هذا كله، ويا للأسف، مع التمسك بالهوية القومية، إذاً نحن مع مَنْ؟ وبالتالي الشباب الذي لم تتح له فرصة التعمق كيف لا يصاب بالتخبط وبالتشوه في ملامح الشخصية؟". ماذا عن ايقاع الفيلم؟ - العنوان الوحيد لإيقاع هذا الزمان هو الهستيريا. فاليوم الواحد في القاهرة مليء بلحظات متقاربة ومتداخلة، من القهر والجنون والكبت والهلوسات الجنسية والنكات السياسية. وأنا في الحقيقة حاولت أن أصنع كل هذا في "خلطة" سينمائية تصنع في النهاية شكلاً ما. فاذا نظرنا الى ألوان البنايات في القاهرة، وحتى الملابس، نرى أنها كانت أكثر بهجة قبل عشر سنوات. لكن تلك البهجة، ويا للأسف، تعكس تعاسة داخلية متناهية. لذا حرصت على أن تكون الموسيقى التصويرية للشريط قادرة على ترجمة التداخل ما بين العبث وقسوة الواقع. وقد نجح المؤلف الموسيقي هشام نزيه في ذلك، من خلال الاتفاق على الاستعانة بما يسمى "الزنّات" Peds وهي عبارة عن مجموعة اصوات غير محددة المصدر، لكن وضعها، بعضها إلى جانب بعض، في سياق ما، أحدث حالاً جديدة تترجم روح الشريط. هل حرصت على أن تكون مختلفاً في الشكل والمضمون؟ - اعترف بكل صراحة أن ثمة رغبة كانت لدي، من البداية، في الاختلاف للاختلاف، على رغم مراهقة هذا الاسلوب، لكنه كان مدخلاً عظيماً للتوفيق بين ما نريد التعبير عنه، واستكشاف مناطق جديدة في إحساسنا. شباب... شباب يتميز شريط "عمر 2000" بأن جميع العاملين فيه شباب، من البطل خالد النبوي مروراً بمنى زكي ومعتزة عبد الصبور، وانتهاء بالمونتيرة منى ربيع، لماذا حرصت على ذلك؟ - كان ذلك العنصر الاساسي في اختيار كل الأفراد، وهو أن يكونوا مرنين ثم موهوبين جداً. والمرونة هنا قبل الموهبة ولها هدف، فأنا لم أضع مسبقاً تصوراً بعينه كاملاً مئة في المئة، لما أريد أن يكون عليه الشريط. أردت منه، وهكذا كان، أن يُبنى لحظة فلحظة، في أفعال إبداعية متراكمة بدأت من مرحلة البحث عن المناخ البصري واللوني للفيلم، في لوحات عدد من كبار التشكيليين في العالم مثل ماتيس وكندنسكي، وصولاً الى ملامح الأداء في التمثيل التي اتضحت بعد ورشة لتدريب الممثلين استمرت ثلاثة شهور. فيلمك كما قلت لم يترك شيئاً لم يتحدث عنه، بداية من الناس "الغلابة" وانتهاء بضياع هوية الشباب في ظل العولمة، كيف استطعت ان تجمع كل هذا في شريط سينمائي مدته ساعتان؟ - أي عمل هو عبارة عن صيغة تشبه الصيغة التي نضعها لصنع أكلة، أو صوغ موضوع صحافي. فأنا عملت صيغة ومدى نجاحها سيعكس هل أنا على خطأ أو على صواب. أريد أن أقول إن مسألة امتاع الناس بالطرق القديمة المتبعة ليست صعبة، لكن محاولة صنع شيء جديد وجميل في الوقت نفسه هي الأمر الصعب جداً، لأنك قد تصنع شيئاً جميلاً فقط، لكن الجمع ما بين الجمال والامتاع معجزة. الرغبة في الاختلاف التي تميز بداية مشوارك السينمائي تكمن، الى جانب الطرح والتناول، في الاختلاف عن السائد، فهل ترى أنك قدمت فيلماً مختلفاً في زمن تسيطر فيه الكوميديا؟ - ليس سراً أن اغلب شعوب العالم تبحث عن الذوق البسيط، وهذا يعكس أسباب سيطرة الافلام الكوميدية السطحية وسيطرة الروايات الجنسية التي تحقق مبيعات أكثر من مبيعات روايات كبار الروائيين. أنا أرى أن الافلام الكوميدية فقاعات هواء يأسرك منظرها ثم تتلاشى في الهواء. لمست في حديثك أنك تقترب من السياسة، أو كما يقولون من الخطوط الحمر، هل واجهت مشكلات مع الرقابة؟ - اعتقد أن رقابة الناقد علي أبو شادي سمحت لي بمقدار كبير من الجرأة، ويبدو لي ان رقابة الدكتور مدكور ثابت لن تكون أقل جرأة في الموافقة على الصورة، لأن هذا واضح من موافقاته على الحوار في أفلام عرضت أخيراً مثل "كرسي في الكلوب". وأريد التأكيد أن نوع الفيلم الخاص بي أقرب الى الواقعية السحرية. لذا فإن التعامل مع قضايا المجتمع يرتكز إلى خيال واسع لا إلى وقائع يومية ضيقة. فالسياسة عندي متداخلة مع مغص الامعاء الذي يشعر به البعض، ومع مباراة كرة في الشارع. هل الرغبة في الاختلاف هي التي دفعتك الى صناعة فيلم يحمل كثيراً من القضايا المعلنة وغير المعلنة، بحثاً عن إحداث "فرقعة" كما قد يرى البعض؟ - لا أحد يصنع فناً إلا بهدف إثارة اهتمام الاخرين. قد يحكمون عليه بأنه تافه أو مجرد مزعج كبير. وأنا في انتظار وجهات نظر الآخرين في ما صنعته أنا وزملائي، على رغم معرفتي المسبقة أننا نقابل الافلام بكثير من القسوة وعدم التعمق في النظر اليها. هل يمكن ان نقول إنك صنعت فيلماً للنخبة؟ - لا... إنني أقدم فيلماً إلى الجمهور كله. فأنا أقدم السهل الممتنع. أعلن أنك تسعى إلى المشاركة في مهرجان "كان" السينمائي؟ - هذا طموح مشروع. فأنا طامح وطامع بأن أعرض فيلمي على العالم كله.