عندي في البيت الطبعة الثالثة من قاموس وبستر الكامل، في ثلاثة اجزاء ضخمة ومئات الوف الكلمات، وهو يفسر كلمة holocaust بأنها تضحية او دمار سببه النار. في المكتب استعمل قاموس كولنز المختصر، في جزء واحد، وهو يفسر الكلمة بأنها تعني دماراً عظيماً او خسارة ارواح، خصوصاً اذا كان السبب النار، ويزيد تفسيراً ثانياً، شرط ان تكتب الكلمة بحرف H كبير، فيقول ان المعنى القتل الجماعي لليهود على ايدي النازيين. ثم يضيف معنى ثالثاً يقول انه نادر هو تقديم تضحية دينية. القاموس الكبير لا يشير الى معنى قتل النازيين اليهود، ربما لأن نسختي منه طبعت سنة 1971، اما القاموس الصغير الذي لا يضم اكثر من 20 في المئة من الكلمات الواردة في القاموس الكبير، فيشرح الكلمة بشكل اوفى، فهو المطبوع سنة 1988. هذه المقدمة لفائدة الدكتور ثائر معيطة، من سورية، الذي بعث الي برسالة بالفاكس يعلق فيها على زاوية لي عن الموضوع في 22 من الشهر هذا، ويقول ان الكلمة تكررت 15 مرة في سياق الموضوع ويزيد "اسمح لنفسي بأن اسألكم ماذا تعني كلمة محرقة لكم؟ لغوياً اولاً، وفي سياق دلالتها على ذلك الحدث المحدد، فإذا تفضلتم بشرح مفهومكم للكلمة القضية من اجل ضبط المصطلح وتحديد جوهر النقاش اكون لكم من الشاكرين". قبل ان اعود الى الدكتور معيطة اكمل بالقارئة غنى او جينا حريري فهي بعثت الي برسالة بالانكليزية عن طريق البريد الالكتروني وردت فيها عبارة واحدة بالعربية، بحروف لاتينية، هي ان بعض مقالاتي "بشيلو الهم عن القلب" ما فهمت منه ان بعضها الآخر يزيد هموم القارئ، فعذراً. واختار فقرة واحدة من الرسالة فالقارئة تقول "اجد ان ما كتبت صحيح، وليس لنا حق في نفي ما حدث لليهود خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن الا تعتقد اننا كعرب يجب علينا بدل نفي المحرقة ان نعمل لتوثيق ما فعل اليهود بنا؟ يجب ان نجد طريقة للاتفاق على هذا الموضوع على الاقل، وانا لا اطالب بقمة عربية فهي شبه مستحيلة، وانما مجرد التوثيق، فهل نحن مشغولون الى درجة الا نستطيع انجاز هذا العمل؟ القارئة سألت وأجابت، فالمطلوب ليس انكار المحرقة، خصوصاً انها جريمة لم نرتكبها، بل ارتكبها الالمان مباشرة، واوروبا واميركا بالصمت عليها، ثم دفعنا نحن ثمنها من ارض فلسطين. المطلوب هو ان نقول انه كيف يمكن ان شعباً تعرض لمثل هذه المجازر ان يرتكب جرائم بحق شعب آخر او شعوب. كلمة "هولوكوست" كانت في القواميس حتى مطلع السبعينات تعني دماراً او موتاً سببه الحريق، او تضحية دينية، اما القواميس الحديثة، فهي تضيف الى الكلمة معنى قتل النازيين اليهود، وهؤلاء اصبحوا يعارضون ان تستعمل الكلمة في اي وضع مماثل آخر، مثل قتل الغجر خلال الحرب العالمية الثانية، او ذبح عصابات بول بوت ثلث سكان كمبوديا، او قتل التوتسي في بوروندي اخيراً. اليوم اصبح انكار المحرقة مرادفاً للاسامية، وقد قرأنا جميعاً الحكم على المؤرخ البريطاني ديفيد ارفنغ، فهو لم ينكر المحرقة، بل شكك في عدد الضحايا وهل هو ستة ملايين او اقل. وكانت النتيجة ان القاضي دانه بشكل قاس جداً، زايدت الجرائد الاميركية والبريطانية التي نشرت الحكم عليه بتعليقات حادة جداً. واليهود في العالم كله يتابعون كل ما له علاقة بالمحرقة، بهمة لا تعرف الكلل، ويسجلون كل شاردة وواردة، كما لا نفعل نحن مع سجل اسرائيل ضدنا، وأمامي الآن مقال عن الموضوع كتبه روفن باز، وهو خبير اسرائيلي في مكافحة الارهاب، ونشره معهد واشنطن الذي اسسه مارتن انديك لخدمة مصالح اسرائيل في الولاياتالمتحدة. الكاتب يأخذنا في سياحة تاريخية لأعمال الشغب ضد اليهود في بلدان عربية من العراق ايام رشيد عالي الكيلاني، الى سورية والمغرب وتونس ايام حكومة فيشي، الا انه يركز على احتضان العرب آراء المفكر روجيه غارودي، قبل ان ينتقل الى بيت القصيد وهو ما يزعم انه انكار "حماس" حدوث المحرقة، ويقول ان الفلسطينيين عموماً ينكرونها، بل انه يتهم الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس، مع ان المفتي لم ينكر المحرقة على ما اذكر، بل قال ان اليهود يحاولون الاستفادة منها. هذا ما عندي باختصار، وارجو ان يكون فيه ما يكفي فلا نعود الى الموضوع من جديد، لأنني والقراء تعبنا منه.