بدأ الأسبوع الماضي بداية سيئة مع فشل قمة جنيف في تحريك المسار السوري الاسرائيلي، الا ان الاسبوع لم يكن خسارة كاملة، فهو لم ينته حتى كان رئيس وزراء اسرائيل السابق بنيامين نتانياهو وزوجته ساره واثنان من مساعديه السابقين يواجهون توصية من الشرطة الى المدعي العام باحالتهم الى المحاكمة بتهم بينها الرشوة والسرقة وعرقلة العدالة. والأسبوع الذي يواجه فيه نتانياهو احتمال السجن عشر سنوات لا يمكن ان يعتبر سيئاً، خصوصاً وان اخبار اسرائيل الأخرى كانت من النوع نفسه. المدعي العام قرر فتح تحقيق جنائي مع الحاخام عوفايدا يوسف، الرئيس الروحي لحزب شاس، بتهمة التحريض على القتل بسبب حملته على يوسي ساريد، وزير التعليم وزعيم حزب ميريتز اليساري. وقال يوسف في عظة له بعد ذلك انه لم يطلب ابداً ايقاع اذى جسدي بوزير التعليم، الا انه اشار الى قول ساريد مرات عدة انه سيمزق شبكة تعليم شاس، وزاد "انه يكره التوراة والذين يدرسون التوراة، وهذه عنصرية". والخلاف بين شاس وميريتز على التعليم الديني معروف، فلا حاجة للدخول في تفاصيله، وانما نسجل ان رئيس الوزراء ايهود باراك الذي طلع من "مولد جنيف بلا حمّص" وجد نفسه فجأة امام احتمال حقيقي يتمثل في انهيار الائتلاف الحكومي، فحزب شاس هدد بترك الحكومة اذا لم يعط نائب وزير التعليم وعضو شاس مشولام نهاري، المسؤولية عن التعليم الديني، كما هدد ميريتز في المقابل بترك الحكومة اذا لم ينتزع التعليم الديني من يدي شاس. المدعي العام الياهو روبنشتاين يواجه مشكلة من نوع ما واجه ساريد، فالحاخام موشي مايا، المسؤول عن مدارس شاس، اصدر قراراً ب"عزل" المدعي العام، وهو من نوع الحرم الكنسي عند المسيحيين، لأن روبنشتاين "طعن حاخامه وباع دينه من اجل مقعد في المحكمة العليا". وانتقلت حملة العلمانيين فوراً من عوفايدا يوسف الى موشي مايا، غير ان نتانياهو سرق الأضواء من الجميع بعد اتهامه وزوجته ومساعدَيْه بالرشوة والسرقة وما الى ذلك. طبعاً نتانياهو لص، الا ان الشرطة الاسرائيلية تريد محاكمته بتهمة سرقة حوالى مئة ألف دولار من هدايا تلقاها وهو رئيس للوزراء، في حين نريد نحن محاكمته، مع متهميه، بتهمة سرقة الأرض ومن عليها. ولم يخل الأسبوع طبعاً من اخبار عن قضية وزير النقل اسحق موردخاي، فالشرطة حققت مع زوجته كوشي في اتهام موظفة له بالتحرش بها، وعن قضية الرئيس عيزرا وايزمان الذي تلقى فلوساً من صديق ثري، بل اننا قرأنا عن افيغدور ليبرمان، زعيم حزب اسرائيل بيتينو، الذي رفض الكنيست رفع الحصانة عنه لمحاكمته بدوره. وبصراحة، وبالنسبة اليّ شخصياً فالحاخامات وميريتز وشاس وليبرمان ووايزمان نفسه سردين صغير بالمقارنة مع نتانياهو، فهذا السياسي العنصري الحقير يستحق ان يعرى ليظهر فساده للاسرائيليين والعالم. وهو لم يجد دفاعاً عن نفسه سوى ان يقول ان التحقيق معه "مغرض" هدفه منعه من العودة الى الصدارة سياسياً. ورد عليه المعلقون الاسرائيليون بشكل مفحم يقصر عنه المعلق الخارجي. وإذا اعتقد القارئ العربي ان ما سبق كله يؤكد استشراء الفساد في الجسم السياسي الاسرائيلي فهو مصيب، الا ان اهم من الفساد نفسه ان التحقيق فيه يظهر ديموقراطية وشفافية وسيادة القانون، وأشياء كثيرة اخرى غير موجودة في بلادنا العربية. والأسبوع الماضي انتهى بقصة اسرائيلية ذات مغزى، فالحكومة الاسرائيلية اعلنت بعد فشل قمة جنيف انها مصرّة على الانسحاب من لبنان في موعد اقصاه تموز يوليو المقبل، وربما سحبت جنودها في أيار مايو. وأثير مع هذا التأكيد موضوع جيش لبنان الجنوبي، فأعلنت الحكومة الاسرائيلية خططاً لاستيعاب الجنود المتعاونين وأسرهم داخل اسرائيل، وأكد باراك لهم شخصياً "اننا لا ننسى حلفاءنا". وجاء الدرس الاسرائيلي هذا مباشرة بعد ترحيل لبنان اربعة من رجال الجيش الأحمر الياباني، يواجهون الآن محاكمة في بلادهم بتهمة الارهاب. وهكذا فاسرائيل تحافظ على حلفائها، ونحن نسلمهم لأعدائهم، فلا يجوز ان نستغرب بعد هذا اذا لم يبق لنا اصدقاء. ونحن ما كنا بحاجة الى درس من اسرائيل فخلال الحرب الباردة كان الاميركيون والسوفيات يتبادلون الجواسيس الذين يكشف امرهم ويعتقلون، على احد المعابر بين برلينالشرقية والغربية. وفي حين ان الجاسوس من هؤلاء يعود وقد فقد فائدته نهائياً فان بلده يسعى لاسترداده بكل الوسائل، ليس من اجله او من اجل اي مبدأ اخلاقي رفيع، وانما ليطمئن الجواسيس الآخرون في الميدان انهم لن يتركوا لمصيرهم، بل سيبقى من يطالب بهم. غير اننا لم نتعلم درس الاميركيين والسوفيات ولن نتعلم درس اسرائيل.