دخل الصراع بين العلمانيين والأصوليين اليهود في اسرائيل منعطفاً جديداً يهدد النظام الديموقراطي الذي تتغنى به الدولة العبرية بعدما فتح كبار زعماء الحاخامين النار على المحكمة العليا، قمة هرم الجهاز القضائي. فللمرة الأولى منذ قيام الدولة العبرية، يعتزم آلاف من الأصوليين التظاهر الأحد المقبل ضد قضاة المحكمة العليا، وعلى رأسهم رئيسها القاضي أهارون باراك، المتهمين باصدار قرارات مناهضة لليهودية. وفي أعنف هجوم على الجهاز القضائي في اسرائيل، وصف زعيم حركة "شاس" الدينية عوباديا يوسف قضاة المحكمة العليا ب "الأعداء والشريرين والفارغين والمتسرعين"، مضيفاً انهم "ينتهكون حرمة السبت وبسببهم تأتي الآلام للعالم". وتابع أن قضاة المحكمة العليا "عبيد حكمونا". ووجه قائم مقام رئيس حزب "اغودات يسرائيل" مناحيم بوروش وسكرتير حزب "ديغل هتوراة" موشيه غفني، دعوة للعصيان المدني ضد "ديكتاتورية المحكمة العليا". ويرى المتدينون المتزمتون أن رئيس المحكمة العليا الحالي أهارون باراك وعدد من القضاة الآخرين يهددون "حالة الوضع القائم" بين المتدينين والعلمانيين بتدخلهم في الشؤون الدينية اليهودية واتخاذهم قرارات تتنافى وتعاليم التوراة. ومن بين هذه القرارات التي صدرت أخيراً دمج النساء الاصلاحيات في المجالس الدينية والقرار الخاص بفرض الخدمة العسكرية على اليهود المتدينين والذي ألغى الوضع القائم منذ انشاء اسرائيل باعفاء طلبة المعاهد الدينية من الخدمة في الجيش الاسرائيلي. كما يسعى العلمانيون منذ العام 1965 الى حسم قضية التهويد الاصلاحي "اعتناق اليهودية" التي أحدثت جدلاً واسع النطاق في اسرائيل المتمسكة بأنها "دولة يهودية" تمارس نظاماً ديموقراطياً يعتمد على فصل الدين عن الدولة. واتهم الحاخام سيمحا ميرون من المحامين المعروفين المحكمة العليا "باتخاذ قرارات في شؤون دينية بصورة غير متوازنة". وقال في تصريحات: "يحرضون على تعيين نساء في المحكمة العليا وقريباً سيتم تعيين قاضٍ عربي لكن لا يقلقون على تعيين قاض يمثل الأصوليين والمتدينين. ثمة قاض واحد فقط في المحكمة العليا ... لكن أفكاره غير مقبولة للجمهور الديني". وفي المقابل وقف المستوى السياسي في اسرائيل وقفة واحدة ضد الهجمة المتصاعدة ضد الجهاز القضائي. وحذر الرئيس الاسرائيلي عيزر وايزمان المتشددين امس من خطر "اراقة الدماء" اذا ما نفذوا تهديدهم بتنظيم تظاهرة الاحد. وشجب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو أقوال الأصوليين ضد القاضي باراك والمحكمة العليا وقال انه "لا يحق لأحد أن يطعن بنزاهة الجهاز القضائي، العمود الفقري للديموقراطية في اسرائيل". لكنه فشل في اقناع حلفائه المتدينين في المعركة الانتخابية بالغاء تظاهرة الأحد المقبل. واتخذ زعيم حزب "الوسط" الجديد اسحق موردخاي موقفاً أكثر اعتدالاً، داعياً الى "فتح الحوار مع المتدينين والاستماع الى مطالبهم"، فيما طالب زعيم حزب العمل ايهود باراك المتدينين ب "التراجع عن خططهم ضد أسس الحكم الديموقراطي". وعلت أصوات في الدولة العبرية تحذر من تفاقم الوضع بين الأصوليين والعلمانيين وتطوره الى حد العنف. وقال رئيس المحكمة المركزية في تل أبيب بنيامين كوهين: "لدي احساس شديد بأن الهجوم على المحاكم سيؤدي الى مقتل قاض المحكمة العليا". وأمر وزير الشرطة الاسرائيلية الأمن الداخلي بفرض حراسة مشددة على المحكمة العليا وتعزيز الأمن عشية التظاهرة المزمع اجراؤها الأحد، فيما أوعز المستشار القضائي للحكومة الياكيم روبنشتاين بفتح تحقيق مع الزعماء الأصوليين بسبب تصريحاتهم الشديدة ضد رئيس المحكمة العليا.