أبقى المجلس النيابي اللبناني جلسته المخصصة للبحث في موضوع الهاتف الخليوي مفتوحة وحدد رئيسه نبيه بري 23 أيار مايو المقبل موعداً لحسم الموضوع مع شركتي "سليس" و"ليبانسيل"، في ضوء انتهاء مهلة الشهر التي منحها مجلس الوزراء لهما لتصحيح أوضاعهما والتزام قراراته. وبعد مداخلات مستفيضة تناولت في الجلسة التي عقدت أمس وتمثلت فيها الحكومة برئيسها سليم الحص، وسط حضور نيابي كثيف، خلصت الجلسة إلى تكامل في الموقف بين المجلس والحكومة، عنوانه "المحافظة على الأموال العامة". افتتحت الجلسة بإعلان بري "أن الحكومة تعهدت تقديم جواب إلى المجلس في 15 نيسان ابريل وقبل يومين من الموعد علمنا أن المفاوضات توقفت والتزاماً من الرئاسة حددنا الجلسة". وطلب من وزير الاتصالات عصام نعمان تلاوة تقريره. فعرض مراحل المفاوضات مع شركتي الخليوي وخطة العمل المقترحة لمعالجة القضية. وقال نعمان: "إن لطول أمد المفاوضات وعدم اللجوء الى إنهاء العقد أسباباً خمسة: الحاجة الملحة لدى الحكومة إلى المال لمعالجة عجز الموازنة والدين العام، وتخوفنا من الانعكاسات السلبية لإنهاء العقد في أوساط المستثمرين عموماً والأجانب خصوصاً والضرر الذي يمكن أن يلحق بسمعة لبنان في الأوساط المالية الدولية، وعدم توافر معطيات ودراسات ومستندات في ملف الهاتف الخليوي لدى الوزارة تسمح لها بمباشرة المفاوضات في وقت مبكر الأمر الذي اضطرها الى التعاقد مع مؤسسة استشارية دولية لتوفير دراسة متكاملة في الموضوع، وعدم توافر مناخ مؤاتٍ لاجتذاب مستثمرين لقطاع الاتصالات للحلول محل المستثمرين القدامى، الأمر الذي حدّ من هامش حرية العمل لدى الوزارة، خصوصاً لجهة اعتماد خيار إنهاء العقد، تعنت الشركتين ورفضهما الإقرار بحقوق الخزينة وبتحسين شروط العقد بما يضمن مصلحة الدولة والمشتركين على السواء". وأضاف: "لذلك كان لا بد من اتخاذ موقف واضح على صعيد الوزارة بعدما انتهت المفاوضات في 15 نيسان إلى لا شيء". ثم عرض تقريراً تناول مراحل المفاوضات مع شركتي الخليوي مقترحاً توجيه إشعار خطي إليهما بفسخ العقد على مسؤوليتهما. وتمنى النائب بطرس حرب "كي يستقيم النقاش لو وزع التقرير على النواب للاطلاع عليه ودرسه". فقاطعه بري بالقول: "القضية عمرها خمس سنوات والدنيا تضج بها". وسأل النائب جميل شماس هل أجري تحقيق في هذا الموضوع؟ ولماذا لم تستعن الحكومة بخبير من عندها له إلمام به هو الوزير نجيب ميقاتي؟ فرد واكيم: "المصيبة أنها لم تستعن". وقال النائب مروان حمادة: "لولا ضغط المجلس ورئيسه لما تحركت الحكومة" التي شبه موقفها المتبع "بالانسحاب الإسرائيلي الآحادي تحت ضغط مقاومة المجلس النيابي فهي تهرب الى الأمام لتأتي بأسباب تبرر تأخيرها تلخص بعبارة العذر أقبح من ذنب". وسأل: "ما هي خطة الحكومة إذا ألغي العقد؟ وهل لديها إلمام بتسيير الخليوي إذا رفضت الشركتان؟ وماذا يترتب على علاقتنا بدول مثل فرنسا وفنلندا شركاتها لها حصص في الخليوي". وقال النائب محمد فنيش: "إذا أردنا النقاش يجب أن تكون لدينا المعطيات، فلا العقد أمامنا ولا أي مستند"، مشدداً على "ضرورة الحرص على المناخ الاستثماري والإرادات". وسأل "إذا ألغينا العقد هل يمكننا إدارة الخليوي؟ وما هي المترتبات على فسخه؟". وعندما قال من يجبي الضرائب؟ أجاب بري "الشركتان والأرباح تخضع لهما، ثمة مسؤولية جزائية عليهما، لذلك اتخذ مجلس الوزراء قراره". وقال واكيم: "ما دام هناك تزوير ونهب للمال العام نطلب كف يد الشركتين وتسيير عملهما مع وضع حارس قضائي". ولفت الى "أن الذين أفسدوا عمل الدولة والإدارة سابقاً أفسدوا القضاء". ورد بري: "لا لوم على القضاء، وعندما وقّع العقد كانت العبرة في التنفيذ فحصل سوء نية لا مخالفات جزائية فقط". وقال "إن خسائر الخزينة تقدر ببليون ونصف بليون دولار". وتابع واكيم "إذا لم تحل المسألة بطريقة فورية، معنى ذلك أننا نشجع التسيب"، وطالب "بإعادة الأموال التي نهبت". ودعا النائب أنطوان حداد الى تشكيل لجنة تحقيق نيابية لوضع يدها على كل تفاصيل الملف. وسأل النائب جورج قصارجي "لماذا الخوف من إلغاء العقد؟ هذا استثمار وطني لا استثمار أجنبي. الشعب هو الذي يدفع الأموال". وطالب "بإلغاء العقد فوراً مع الشركتين وبإدخال عنصر المنافسة بين الشركات". وحذر من أن تصبح شركة ليبان بوست للبريد مثل الخليوي. وقال إنه يحتفظ لنفسه بحقه في طرح الثقة بالوزير نعمان إذا لم تحل المشكلة. ورد الرئيس الحص بالقول: "إن الموضوع معقد وشائك، وقد درسناه من جوانبه المختلفة ست ساعات والقرار الذي اتخذناه حددنا فيه شروطنا وعناوين المخالفات التي ارتكبتها الشركتان. ووضعنا صيغة معينة لمواجهتها. وهناك مراجعة لمجلس شورى الدولة، وتم تعيين قاضيين من الهيئة الاستشارية للنظر في الحسابات، والنيابة العامة المالية وضعت يدها على القضية استناداً الى تقرير ديوان المحاسبة"، وتحدث عن "مخالفات وتجاوزات أكثر من ذلك اكتشفت في ما بعد وهي في يد النيابة العامة المالية". وأضاف: "راعينا في القرار اعتبارات عدة، منها حرصنا على المناخ الاستثماري العام في البلاد، وفاوضنا ضمن مضامين هذا العقد، وراعينا الموجبات القانونية العامة، لكننا عندما وصلنا الى طريق مسدود في المفاوضات اتخذنا هذا القرار". وقال: "إن مبلغ ال600 مليون دولار مستمد من خلال المفاوضات وطالب الشركتين بمردود للخزينة بمعدل 30 في المئة من مجموع العائدات، لكن العقد وبسحر ساحر جاء ليعفيها وطالب بتعديله". ورد بري "أن نسبة الفارق في هذا الموضوع فقط هي 266 مليون دولار". وتابع الحص: "الشركتان سلكتا الخدمات الإضافية والخزينة لا تستفيد منها، لذلك نسعى الى تحصيل الأموال من مردود هذه الخدمات، إضافة الى ال50 في المئة على الخطوط الإضافية بدءاً من الآن وحتى انتهاء العقد. وإذا لم تتجاوب الشركتان سنلغي العقد وهذه الإجراءات ليست نهائية في انتظار انتهاء التحقيق، وإذا تبين أن ثمة فارقاً فإننا سنطالب به". وطالب النائب أنطوان اندراوس النيابة العامة بالتحقيق مع الشركتين. ولاحظ النائب ميشال فرعون: "أن ما يحصل يجعلنا نفقد الثقة بالحكومة، إذ إن المجلس لا يمكنه أن يحل محل السلطة التنفيذية". ورد بري: "واجب المجلس مراقبة الحكومة ومحاسبتها". فسأل فرعون "هل فقدنا الثقة؟" ورد بري "لا، بعد". وسأل النائب نسيب لحود "بما أن الدولة في مواجهة كبيرة مع الشركتين، أين مصلحة الدولة العليا؟ هل هي في تحويل العقود رخصاً أو بتحسين شروطها؟". وأكد الرئيس حسين الحسيني "أن المجلس هو صاحب الصلاحية في هذا الأمر". وقال: "إن الهدف هو مال الخزينة ومصلحة المواطن". ورأى "أن تجربة الهاتف الخليوي شكلت ضربة قاسية لنظرة التوجه نحو الخصخصة". وقال: "نحن مع الحكومة في تصحيح الوضع وإعطاء مهلة لحل هذه المشكلة لجهة حفظ حقوق المواطنين والخزينة". وهنا انتقل بري من مقر الرئاسة الى منصة النواب، وألقى مداخلة قال فيها: "منذ العام 93 ونحن نبدي تخوفنا من الموضوع ولو استجابت الحكومة الأمر، لكانت وفرت علينا الكثير. إلا أن ما حصل في مجلس الوزراء، وإن كان عن غير قصد، كان بمثابة مكافأة للشركتين". وكشف عن "وجود 530 ألف خط زائد، من دون مسوغ قانوني وقرار الحكومة هو الإجازة للشركتين بهذا الرقم على الأقل حتى انتهاء مدة العقد". وقال: "إن الموضوع مرفوض رفضاً نهائياً حتى لو أُعطينا مئة في المئة لا 50 في المئة، لأن في إمكاننا التعاقد مع شركتين ثالثة ورابعة والخزينة تستفيد من ذلك بمبالغ كبيرة". وتحدث عن دراسة قدمها بعد شهرين من انتخاب رئيس الجمهورية إميل لحود يؤكد فيها "أن في إمكان الخزينة أن تربح أربعة بلايين دولار من خلال الخليوي"، آملاً من خلال مهلة الشهر "بأن ترفض الشركتين قرار الحكومة" ومؤكداً "أن المجلس النيابي يتابع الموضوع". وهنا قال الحص: "إن خيار الترخيص وارد، ولكن لم يأتِنا حتى الآن عرض كاف، الملف مفتوح وهناك مراقبون من مجلس شورى الدولة ونحن في انتظار الانتهاء من التحقيق". فرد بري: "إذاً على هذا الأساس تبقى الجلسة مفتوحة الى الثلثاء في 23 أيار مايو المقبل". وهنا سأله بري "وماذا عن ال50 في المئة التي طلبتها الحكومة من خلال ال530 ألف خط؟"، أجاب الحص: "هذا تحصيل لمبالغ ولكن لا اعتراف للشركتين بالحق".