عادت امس الى الواجهة قضية الأموال الضائعة من صندوق البلديات المقدرة بأكثر من الف بليون ليرة التي كان وزير الداخلية والشؤون البلدية والقروية ميشال المر اثارها قبل نحو شهرين، وترتب عليها سجال بينه وبين عدد من الوزراء في الحكومة السابقة، إذ أن رئيس ديوان المحاسبة القاضي عفيف المقدّم رفع امس تقريراً مفصلاً في هذا الشأن كُلّف إعداده، الى رؤساء الجمهورية اميل لحود والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة سليم الحص والوزير المر. وكشف بري خطوطاً عريضة من التقرير الذي يقع في 571 صفحة، رافضاً استباق ما يمكن ان يترتب عليه. وأوضح ان ثمة تبايناً في حجم المبلغ بين تقرير الديوان وتقرير وزارة المال، وأن الرقم الذي تحدث عنه المر "مطابق تقريباً" للرقم الوارد في تقرير الديوان. وعلمت "الحياة" ان الفارق بين تقرير الديوان وتقرير وزارة المال يقدّر بنحو 161 بليوناً، عدا عن مبالغ اخرى غاب عنها تقرير وزارة المال. وقال بري، في لقاء مع الصحافيين المعتمدين في المجلس النيابي، رداً على سؤال عما نُشر عن تقرير لديوان المحاسبة يحمّل فيه وزراء في الحكومة السابقة مسؤولية الأموال غير المصرّح عنها لصندوق البلديات: "سبق أن سئلنا عن الموضوع، وصدر كلام كثير ان القضية لُفلفت. وكنا طلبنا معلومات في هذا الشأن من مرجعين: وزير المال الذي قدم تقريره وديوان المحاسبة الذي تسلّم امس من رئيسه القاضي عفيف المقدّم تقريراً مفصّلاً". وأضاف "ليس في إمكاني قول شيء قبل ان اطلع على التقرير وأعرف هل تتخذ الحكومة موقفاً ام لا. وعلى هذا الأساس يبنى على الشيء مقتضاه". وسأل "اذا كان كلام وزير الداخلية ميشال المر غير دقيق فكيف سأتابع هذا الأمر؟ ولكن اذا تبين في التقرير امر ما فالمجلس النيابي سيقوم بما يلزم وسيدعو اللجان المشتركة الى جلسة للبحث في هذا الموضوع". وخلال حديث الرئيس بري ابلغ ان رئيس ديوان المحاسبة حضر الى المجلس وأن التقرير في حوزته، فاستأذن الصحافيين والتقاه على انفراد نحو نصف ساعة ثم عاد واستدعى الصحافيين وأبلغهم في حضور المقدّم "ان التقرير مؤلف من 571 صفحة وتتطلب دراسته وقتاً طويلاً لأهمية ما يتضمن من معلومات". وقال، بعدما اطلع من المقدّم على بعض المعلومات وفي حضوره، "ان القضية ليست سهلة على الإطلاق"، موضحاً "ان تقرير وزارة المال يتحدث عن 419 بليون ليرة لبنانية فيما تقرير ديوان المحاسبة يتحدث عن 554 بليوناً، وهنا يتبيّن ان ثمة فارقاً ب135 بليون ليرة". وهنا قال المقدّم "ان ثمة اضافة على هذا المبلغ لم تدخل في تقرير وزارة المال، ناجمة عن ضريبة الدخل والرسم على الإنتقال وعائدات الجمارك وعائدات الهاتف الخليوي والعادي والماء والكهرباء، وأمور اخرى كثيرة ومبلغ في مصرف لبنان كلها من مخصصات البلديات". ولما سأل بري المقدّم "ألم تدخل ما ذكرت أيضاً في التقرير؟"، اجابه بالنفي. فقال رئيس المجلس "القضية كبيرة وليست سهلة. ثمة امور كثيرة وهذا التقرير المرفق بمستندات يخالف تقرير وزارة المال". وأضاف "نعتبر ان كل المشاريع المعمولة باطلة وفقاً للقانون وتستوجب ملاحقة كل المسؤولين المختصين. ألقيت نظرة على التقرير، ومن وضعه يقول ان هذه الأمور عمل غير طبيعي لذلك ليس في إمكاني أن أبتّ الموضوع وحدي قبل احالته على اللجان والنيابة العامة المالية". قيل له: هل يعني ذلك ان هناك رفع حصانة اذا كان ثمة نواب لهم علاقة؟ اجاب "لنرَ ماذا ستفعل الحكومة، وهل تحوّل النيابة العامة المالية الموضوع على التحقيق، خصوصاً ان تقرير المالية اقل بكثير من تقرير ديوان المحاسبة عدا عن الأمور التي عدّدها رئيس الديوان". وسُئل: هل الأرقام التي كشفها الوزير المر صحيحة؟ اجاب "مطابقة تقريباً". إمكان الملاحقة وعما نُشر من اسماء في الصحف وتحديداً عن الرئيس رفيق الحريري والنائبين هاغوب دمرجيان وباسم السبع والوزير السابق فؤاد السنيورة، قال "ليس في إمكاني أن أتكلم الآن قبل ان اطلع على ما يتضمنه التقرير من تفاصيل، إذ أن ذلك يحتاج الى شهر كامل". وأشار الرئيس بري الذي زار رئيس الجمهورية إميل لحود في قصر بعبدا، الى انه بحث معه في موضوع الواردات المتعلقة بالموازنة. وكشف انه قدّم اليه "دراسة مفصّلة تتعلق بموضوع الهاتف الخليوي خصوصاً ان مجلس الوزراء سيبحث في جلسته امس في موضوع الموازنة". وقال "في ضوء هذه الدراسة يمكن الإستفادة من مردود مبالغ مالية كبيرة. وتمنيت عليه التركيز في شكل اساسي على هذا الموضوع، إذ ان لديّ تقريراً مفصلاً عنه، وماذا يمكن ان يعطي هذا المشروع من مردود كبير لخزينة الدولة". وقال ان رئيس الجمهورية "كان متفهماً للموضوع وتجاوب معه، وقال انه سيبحث فيه مع رئيس الحكومة سليم الحص". وأضاف بري "الآن ثمة واقع جديد ظهر، إذ كنا نقول في الماضي ان ثمة مخالفات في العقد مع شركتي الهاتف الخليوي وكنت أوضح ان على كل شركة ان تغطي الأراضي اللبنانية كافة وأن نستطيع التكلم من دون ان ينقطع الخط بين منطقة ومنطقة، وكان الجواب اننا اذا أخللنا بالعقود، لا تعود اي شركة تتعامل معنا. وعندما كنت اقول ان من حق الدولة إلغاء كل عقد ساعة تشاء، كان الجواب ان من شأن ذلك ان يُنقص من قيمة لبنان". قضية الخليوي وتابع بري "اما اليوم فان شركتي الهاتف الخليوي تختطا شروط العقد بالنسبة الى الخطوط إذ بلغت الآن 522 ألف خط بدلاً من 500 ألف، أي بزيادة 22 ألفاً. وكان يقال في الماضي ان في إمكان الشركات تأمين 130 ألف خط. من هنا يحق للدولة انشاء شركة وطنية لبنانية، والدراسة التي قدمتها تمكّن الدولة من ان تقوم مباشرة عبر الوزارة المختصة بهذا العمل. كذلك في إمكاننا ان ندخل شركة ثالثة في هذا الموضوع، لأن هدفنا الضغط من اجل استفادة الدولة قدر الإمكان من نتائج تخطي الشركتين للعقود، والحصول على إغراءات اكثر". وأضاف "انا لست قادراً على ان اقبل تحميل الطبقة الشعبية أعباء يمكن تعويضها بأمور اخرى. هناك اشخاص وبغفلة من الزمن استفادوا على ظهر الشعب اللبناني، لكن هناك فرصة الآن للتعويض ولا نريد زيادة ضرائب على الناس. اما ملامسة البنزين، فيمكن اللجوء اليها اذا انتفت الإقتراحات الأخرى. ثم ان الزيادة على البنزين لا يجوز ان تمرّ، لأن الحد الأدنى للأجور لا يساوي فاتورة الكهرباء". وقال "ان الكلام ليس ضد الحكومة، بل معها وقبل ذلك مع العهد فنحن نريد ان نبني مؤسسات". وأشار الى ان الرئيس لحود "اخذ موضوع الدراسة بكثير من الإهتمام، فنحن لسنا ضد الشركات لكن هذه الشركات تأخذ حصة الدولة". ورداً على سؤال عما نشر عن لسان مصدر حكومي "اننا في زمن إعفاء سيارات النواب من رسوم الميكانيك"، قال بري "من لا يعلم بالماضي، عليه ألا يتكلم في هذا الموضوع، إذ كان هناك قانون قديم ومعروف في موضوع الإعفاء الكامل لسيارة النائب من رسوم الجمرك وأن الوزير السابق فؤاد السنيورة ارتأى في تفسيره للقانون الذي كان فيه لبس فرض 6 في المئة على النواب وما حصل ان النائب عبده بجاني تقدّم باقتراح قانون للتأكيد فقط على الإعفاء الوارد في القانون القديم وإعادة الأمر إلى ما كان عليه، وهكذا كان". وعن التعديل الدستوري قال بري "ان الرئيس لحود نفى ان يكون في وارد حصول ذلك". وأضاف "لا توسيع للحكومة وما يقال في هذا الشأن غير صحيح وغير وارد". وعما ورد في صحيفة "الحياة" ان وزير المال جورج قرم في صدد تقديم استقالته بعد انجاز الموازنة، قال بري "لا معلومات لديّ والوزير قرم وزير شفاف ودقيق وكفي، وإذا كان صحيحاً ما يحكى عن امكان تقديم استقالته، قد يكون لديه اعتبارات خاصة ومن الممكن لاعتبارات صحية. وإذا حصلت الإستقالة، يمكن استبدال وزير آخر به". وأكد "ان موضوع الإصلاح الإداري لم يتوقف والهيئات الرقابية تقوم بعملها. نحن أيّدنا كل الخطوات التي قامت بها الحكومة، وهي قالت انها أخطأت وعادت عن خطأها، من هنا نقول: اعطوا الخبز للخبّاز". ضرر الترويكا وسُئل بري: يلاحظ ان لقاءاتك مع الرئىس الحص قليلة، اجاب "التشاور مستمر ودائم بيني وبينه، وأنا متفق معه على "ضرر" الترويكا. لذلك انا ألغيتها قبل سنة ونصف السنة". ولما سئل هل يدرس مشروع قانون الإنتخابات بعد الإنتهاء من الموازنة؟ سأل ممازحاً: "أي متى الموازنة؟". ورجّح "ألا تنتهي هذا الأسبوع ولا الأسبوع التالي". وتطرق الى الوضع الاقتصادي والبطالة. وقال "ثمة وضع صعب جداً يعيشه الوطن وعندما نشدد على موضوع الشركات، فإن هذا الأمر لا ينطلق من أننا ضدها، ولكن اذا كنت تريد ان تجعل الشعب يشاركك في شدّ الأحزمة، عليك اقناعه بأنك لم تترك خياراً إلا درسته قبل اللجوء الى امور اخرى تمسّه مباشرة". وقال "اما ان يكون الحزام واسعاً هنا وضيقاً هناك، فهذا الأمر لا يمشي عندنا وعلينا ان نمد بساطنا على قدّ رجلينا، ليس فقط في السياسة بل في الاقتصاد. والمهم ان نستنفد كل الاشياء التي يمكن ان تدر اموالاً على الخزينة". وكان بري قبل عودته الى المجلس النيابي زار رئيس الجمهورية السابق الياس الهراوي وعرض معه الوضع الداخلي.