قرر مجلس الامن تشكيل فريق عمل لدرس سبل ترمي الى تحسين فاعلية العقوبات التي تفرضها الأممالمتحدة من اجل جعلها "أكثر ذكاء"، وأقل قسوة، بحيث تستهدف قيادة دولة او مجموعة بدلا من تعريض شعب بكامله للضرر. وفيما طلب الامين العام للمنظمة الدولية كوفي انان من المجلس اعتماد المرونة في سياسته المتعلقة بفرض العقوبات، اثر الاستياء المتزايد الناجم عن تطبيقها، أعلنت واشنطن ان "المنع الكامل للآثار غير المقصودة هدف مستحيل لا يمكن تحقيقه". نيويورك، ولنغتون - رويترز، أ ف ب - اتخذ مجلس الأمن قراره في اعقاب تقرير قدمه مساعد الامين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية كيران برندرغاست ومناقشة علنية للقضية برئاسة وزير الخارجية الكندي لويد اكسوورثي الذي أعلن ان المجلس بحاجة الى تعزيز خبراته في شأن فرض العقوبات، لأنه يفتقر الى الخبرة في تحليل تأثيرها وانتهاكاتها، مضيفاً ان "كل ذلك مكلف،... لكن هذه الكلفة مقارنة مع اجراءات اخرى مثل التدخل العسكري، ليست مرتفعة بدرجة كبيرة". وفي محاولة لاستخلاص الدروس من نظم العقوبات، التي تراوحت بين الحظر الشامل المفروض على العراق واشكال الحظر المحدودة على السلاح والطيران والسفر والحظر المالي، ركزت المناقشات على كيفية جعل العقوبات "اكثر ذكاء" باستهداف الزعماء بدلاً من الجماعات المعرضة للضرر عن طريق استخدام المساعدات الخارجية كحافز او البحث عن حسابات مصرفية للزعماء المستهدفين او الجماعات المتمردة. وذكر برندرغاست ان المراجعة التي اجرتها الاممالمتحدة اظهرت ضرورة "حماية اكثر قطاعات السكان تضرراً من آثار العقوبات" وفي الوقت ذاته التدقيق في استهداف العقوبات لجعلها اكثر فاعلية. واوضح روبرت فولر رئيس المجلس مندوب كندا ان فريق العمل الذي يضم خبراء من الخارج سيراجع سياسة العقوبات التي ينتهجها المجلس على مدى ستة شهور. وأشار العديد من الوفود الى ان العقوبات الصارمة المفروضة على العراق منذ عشر سنين وآثارها المروعة على المدنيين ستجعل فرض عقوبات اقتصادية جديدة امراً صعباً. وقال نائب المندوب الاميركي جيمس كننغهام ان "المنع الكامل للآثار غير المقصودة هدف مستحيل". واستدرك ان تصميم عقوبات فعالة وتنفيذها يجب ان يحرصا على تقليل الآثار غير المقصودة وتخفيفها "لا سيما بالنسبة الى القطاعات المتضررة من السكان". ومن دون الاشارة الى العراق تابع كننغهام: "عند فرض العقوبات فإن عبء اثبات ما يقتضي تعطيلها او الغاؤها يجب ان يوضع في مكانه الصحيح، اي على السلوك الظاهر للطرف الخاضع للعقوبة". ورأى بيني ونسلي سفير استراليا ان "تضرر المدنيين الابرياء بدرجة ما من فرض العقوبات حقيقة مؤلمة ولكن لا مفر منها، ومن المهم ان نتذكر ان معظم معاناة هذه الشعوب سببه سياسات الانظمة المستهدفة". أما مندوبا روسيا وفرنسا لدى المجلس فأكدا ان العقوبات يجب ان تقرر لمدة محددة، وان تجدد بقرار جديد لمجلس الامن. وقال السفير الفرنسي جان دافيد ليفيت: "لا يمكن انكار ان العراق أذعن منذ 1990 لبعض التزاماته، لكن المجلس لم يدرس في شكل جدي إمكان تخفيف العقوبات عن هذا البلد". واشار رفائيل دوسا سيسبيديس نائب مندوب كوبا الى ان كل الدول التي استهدفتها العقوبات حتى الآن من مجموعة البلدان النامية، وان 70 في المئة منها افريقية. وأعلن وزير الخارجية النيوزيلندي فيل غوف ان بلاده ابلغت الاممالمتحدة قلقها البالغ من ابقاء العقوبات الاقتصادية على العراق، وأضاف ان حكومته لا تفكر في خرق هذه العقوبات، لكنها تشعر بالقلق من انعكاساتها على المدنيين العراقيين، وترغب فى ان تكون العقوبات الدولية "ذكية" تستهدف النخبة السياسية وتحد من تحركاتها فى الخارج. وجاء بيان غوف بعد محادثات اجراها مع ديفيد هاليداي المنسق السابق لبرنامج "النفط للغذاء"، والذي استقال فى 1998 احتجاجاً على ابقاء الحظر. واعتبر هاليداي ان العالم يتحمل مسؤولية مباشرة عن موت حوالي مليون طفل عراقي، وزاد ان "العراق كله مخيم للاجئين يضم 23 مليون شخص والاممالمتحدة المدافعة عن حقوق الانسان مسؤولة عن هذا الواقع المخيف". ودعا الى تغيير وجهة العقوبات والى منح العراق مئة بليون دولار لاعادة بناء اقتصاده، على ان تقبل بغداد في المقابل مراقبة ترسانتها العسكرية. الى ذلك أقرّ الامين العام للامم المتحدة في ندوة نُظّمت اول من امس بأن الرأي العام اصبح يشكك في جدوى العقوبات، مشيراً الى ان "ثمة ارتياباً متزايداً حيال هذا الاسلوب وقدرته على تحقيق التغيير بكلفة عادلة حتى لدى الدول التي لا تخضع لعقوبات". وأدلى انان بهذا التصريح خلال منتدى بعنوان "عقوبات اكثر ذكاء واشد فاعلية" نظمته الاكاديمية الدولية من اجل السلام قبل بضع ساعات من مناقشة مجلس الامن قضية العقوبات.