نيويورك، موسكو، باريس، لندن، بغداد - "الحياة"، أ ف ب، رويترز - عشية وصول الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان غداً الجمعة الى بغداد في محاولة لإيجاد حل سلمي للأزمة المتعلقة بتفتيش مواقع عراقية، طلبت المنظمة الدولية من 31 من موظفيها مغادرة العراق تحسباً لعمليات عسكرية. وفيما أجمعت العواصم الفاعلة على الترحيب بمهمة أنان في بغداد، اثر تفويض من مجلس الامن، تمايزت مواقف هذه العواصم بالنسبة الى تقويم النتائج. فشددت موسكو على ان هذه المهمة "بالغة الأهمية" وشككت بريطانيا باحتمال نجاح الأمين العام للأمم المتحدة، في حين ان باريس اعتبرت ان ثمة فرصة لتراجع العراق على رغم اعلانها وجود اختلاف في وجهات النظر معه. ففي بغداد اعلن ناطق باسم الاممالمتحدة ان المنظمة الدولية تواصل خفض عدد موظفيها في بغداد، موضحاً ان 31 منهم يغادرونها اليوم، 29 منهم الى الاردن براً واثنان الى شمال العراق الخارج عن السلطة المركزية. علماً ان الاممالمتحدة سحبت منذ مطلع الشهر 60 من موظفيها و20 من افراد عائلاتهم. مهمة أنان وبالنسبة الى مهمة أنان، بثت "وكالة الانباء العراقية" ان الامين العام للمنظمة الدولية الذي يصل الى بغداد، عبر باريس حيث يلتقي اليوم الرئيس شيراك، سيقضي في العاصمة العراقية ثلاثة ايام. وقالت ان فريقاً من الاممالمتحدة يصل اليوم الى العراق للاعداد لزيارة أنان الذي سيرافقه المندوب العراقي لدى الاممالمتحدة نزار حمدون والموفد الخاص للامين العام وزير الخارجية الجزائري السابق الاخضر الابراهيمي. وكان أنان اعلن ليل اول من امس، بعدما تلقى الضوء الاخضر من مجلس الامن للسفر الى بغداد: "اتمنى ان اتوصل الى حل سلمي يضمن الاحترام الكامل لكل قرارات مجلس الامن". وقال انه يعتبر ان ثمة فرص نجاح معقولة لزيارته. وفي اعقاب اجتماع الاعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن اعلن سفيرا الولاياتالمتحدةوبريطانيا بيل ريتشاردسون ودون ويستون كل على حدة، لكن بعبارة واحدة، ان الاعضاء الدائمين اعطوا الامين العام "نصيحة جماعية". وقال ريتشاردسون ان هذه النصيحة "الشفوية" تتطابق مع الموقف الاميركي الداعي الى السماح لمفتشي اللجنة الدولية بالدخول من دون اي عراقيل الى كل المواقع العراقية التي يرغبون في تفتيشها واحترام مهمة اللجنة. واضاف ريتشاردسون انه اذا تم احترام هذين المبدأين فان "مهمته أنان يمكن ان تكون ايجابية". وقال: "اننا ندعم سفره" الى بغداد. غير انه اوضح ان بلاده "تحتفظ بحق التعبير عن عدم موافقتها على نتائج هذه الزيارة اذا لم تتطابق مع قرارات مجلس الامن الدولي ومع مصالحنا الوطنية". وشددت الولاياتالمتحدة على ضرورة ان تنحصر مهمة أنان في حمل رسالة حزم الى العراق بينما اعرب الاعضاء الدائمون في اعطاء الامين العام هامشاً اوسع في مساعيه لتجنب اللجوء الى القوة. وقال السفير الصيني كين هواسان للصحافيين ان الامين العام له "السلطة والحق، طبقاً لميثاق الاممالمتحدة، في ان يقوم بوساطة". واضاف: "لدينا ثقة تامة في حكمته". وتوقع ديبلوماسيون غربيون ان يعرض أنان على العراقيين "ترتيبات خاصة" لعمليات تفتيش قصور الرئيس صدام حسين الواقعة داخل مواقع شاسعة يسميها العراق "مواقع رئاسية". واضافوا ان هذه الترتيبات يفترض ان تحفظ في آن واحد "كرامة" العراق وسلطة اللجنة الدولية وسيطلب بموجبها من ديبلوماسيين مرافقة خبراء اللجنة الخاصة خلال عمليات التفتيش. واقترحت فرنسا ان يتولى تفتيش المواقع الرئاسية ممثلون يختارهم أنان بنفسه من البلدان ال 21 الاعضاء في اللجنة الخاصة. والاقتراح الرئيسي المطروح على الدول الخمس الدائمة العضوية هو ان يرافق سفراء من اعضاء المجلس الدائمين المفتشين الدوليين الى مواقع حساسة. الا ان ذلك يتطلب تنازل العراق عن مطالبه بتحديد فترة 60 يوماً لانهاء عمليات التفتيش. لكن ريتشاردسون اكد ان الولاياتالمتحدة "تحتفظ لنفسها بحق التعبير عن عدم موافقتها على نتائج الرحلة اذا لم تكن متطابقة لقرارات مجلس الامن ومصالحنا القومية". ووصف الرئيس الروسي بوريس يلتسن امس مهمة أنان بأنها "بالغة الاهمية" واجرى اتصالات في شأنها مع نظيره الفرنسي جاك شيراك. وذكر السكرتير الصحافي للرئيس الروسي سيرغي ياسترجيمبسكي ان يلتسن يعتقد ان زيارة الامين العام "يمكن ان تساعد في حل الازمة سياسياً وديبلوماسياً". وقال ان الحديث الهاتفي بين الرئيسين الروسي والفرنسي اوضح تطابق مواقف البلدين، وقال انهما اتفقا على مواصلة التعاون "الذي ما زال ينطوي على احتمالات جوهرية". وشدد الجانبان على انهما "يرفضان سيناريو القوة" ويعتقدان ان عواقبه ستكون "سلبية للغاية". وكان تقويم مماثل للوضع ورد في بيان مشترك عن العراق صدر اثر لقاء يلتسن والزعيم الصيني لي بينغ، واكد ان البلدين بوصفهما عضوين دائمين في مجلس الامن "لن يقبلا القوة كحل" ولكنهما يدعوان الى تسوية تكفل ان ينفّذ العراق قرارات مجلس الامن من جهة، ومن جهة اخرى "تفتح الطريق نحو رفعها العقوبات وفي المقاوم الاول الحظر النفطي". الى ذلك، اكد الناطق باسم الخارجية الروسية الى ان موسكو حصلت على "مؤشرات من بغداد" تؤكد استعداد الجانب العراقي لحوار بنّاء مع أنان. واضاف ان موسكو لا تعتبر زيارة الامين العام "الفرصة الاخيرة". ومن جهته، اعتبر وزير الخارجية يفغيني بريماكوف الموجود في بودابست أن زيارة الأمين العام للأمم المتحدةلبغداد "تشكل امكانية حقيقية لحل الأزمة بطريقة ديبلوماسية". وصرح بريماكوف في ختام لقاء مع نظيره المجري لازلو كوفاكش: "يبدو لي ان هناك ظرفاً ملائماً لتحقيق حل سلمي للأزمة العراقية". وأضاف: "نأمل في أن لا يكون العمل العسكري ضرورياً". الصين في غضون ذلك كرر رئيس الوزراء الصيني لي بينغ الذي يزور موسكو حالياً دعم بلاده جهود روسيا لايجاد حل سلمي للازمة العراقية. ونقلت وكالة "انترفاكس" عن لي: "لا يفترض ان يطالب اي بلد بالهيمنة المطلقة. هناك دول او مجموعات دول عديدة اخرى لها الحق في المشاركة في حل الازمات الدولية". واعاد المسؤول الصيني الى الاذهان ان روسياوالصين وقعتا في العام الماضي اتفاقاً يدعو الى عالم "متعدد الاقطاب" وينص على تعاون متزايد بين موسكو وبكين في محاولة موازنة ثقل الولاياتالمتحدة. باريس وفي باريس أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية ان "اختلافات في وجهات النظر" ظهرت بين فرنساوالعراق حول ترتيبات التفتيش. وقالت الناطقة باسم الوزارة آن غازو - سوكريه ان "الموقف الفرنسي والموقف العراقي ليسا متماثلين اليوم. ثمة فرق كبير بين مواقف فرنسا ومواقف العراق. ثمة اختلاف في وجهات النظر". ورأت غازو - سكرويه ان لدى أنان "هامش مناورة" للتفاوض مع العراقيين في شأن ترتيبات دخول المواقع الرئاسية. واضافت ان فرنسا "تأمل في ان يظهر العراقيون رغبتهم في ايجاد حل سياسي وديبلوماسي للازمة وان يقوموا بالمبادرات اللازمة لذلك". وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك اعرب اول من امس، بعد استقباله وزير الخارجية العراقي السيد محمد سعيد الصحاف، عن بعض القلق ازاء المنحى الذي اتخذته الازمة، وحذر العراق من ان "الوقت محدود". ومن جهته رحب وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين باتفاق مجلس الامن على ارسال أنان الى بغداد لاقناع السلطات العراقية بتطبيق القرارات الدولية. وقال فيدرين في حديث الى اذاعة "آر تي ال" الفرنسية ان أنان "لم يكن يرغب في التوجه الى بغداد من دون ان يعرف بالتحديد ما الذي يمكن لاعضاء مجلس الامن الخمسة القبول به" وانه بعد الاتفاق الذي تم التوصل اليه في اطار المجلس "مزوداً بعناصر مرجعية" سيعتمدها في مناقشاته مع المسؤولين العراقيين. واكد ان باريس "على توافق تام مع أنان وعلى اتصال وثيق معه منذ البداية من اجل ايجاد مخرج ديبلوماسي للازمة يتلاءم مع قرارات الاممالمتحدة". وعما اذا كان لقاءه امس الاول مع وزير الخارجية العراقي محمد سعيد الصحاف في باريس جعله يعتقد بأن الموقف العراقي قابل للتطور اجاب فيدرين انه "ليس من الضروري ان تكون لدينا توقعات او تقديرات لمواصلة السعي حتى النهاية من اجل التوصل الى حل. والمهم ان ندرك ان هناك ازمة ولكنها تقتصر على نقطة محددة وهي ليست ازمة عامة تشمل اوجه نشاط اللجنة الدولية لإزالة الاسلحة العراقية". وأوضح أن الأزمة الحالية تدور حول ثمانية مواقع رئاسية "نجهل تماماً ما تحتوي عليه لأنها لم تفتش، وهي مواقع مهمة"، وان الرد العراقي على تفتيش هذه المواقع يبدو "غير مناسب، إذ أنهم قبلوا على مدى سنوات بتفتيش القسم الأكبر من الأراضي العراقية وباخضاع حوالى 200 أو 300 منشأ صناعي لرقابة اللجنة الخاصة". لندن في مقابل ذلك، شكك وزير الخارجية البريطاني روبن كوك في نجاح مهمة أنان في بغداد، وذلك في كلمة ألقاها أمام البرلمان الذي أيد الحكومة البريطانية في توجيه ضربات جوية الى العراق اذا لم تثمر الجهود الديبلوماسية. وأبلغ كوك البرلمان أن الآلة العسكرية العراقية "ستضرب بقوة" إذا أخفقت المساعي الديبلوماسية واستوجب الأمر اللجوء إلى الخيار العسكري. وأضاف: "صدام حسين هو الذي يرفض حلاً ديبلوماسياً لا نحن". وأكد "لن يحصل اتفاق يحد من قدرة الأممالمتحدة على اجراء عمليات تفتيش من دون قيود ومهل زمنية ومنطقة ممنوع دخولها. انها كلمتنا الأخيرة". ومن جهته، حذر وزير الدفاع جورج روبرتسون من خطورة "افلات العنان لصدام وعدم القيام بشيء ... والتهرب من مواجهة التحدي". وأشاد بمستوى الجنود البريطانيين القتالي وبتفانيهم في خدمة بريطانيا وأضاف: "لا أتمنى ارسالهم الى المعركة. لا أجد أي لذة في أن أطلب منهم أن يخاطروا بحياتهم لا بل أكره ذلك. لكن عليهم الذهاب ولهم منا الدعم والمباركة والصلوات". وأيد حزب المحافظين المعارض بمن فيه رئيس الوزراء السابق جون ميجور حكومة بلير في حين التف معارضو التدخل العسكري حول توني بن أحد أركان حزب العمال. واعتبر بن أن "من يؤيد مذكرة الحكومة يقبل صراحة وبكامل إرادته بتحمل مسؤولية مقتل أبرياء اذا وقعت الحرب، وأخشى كثيراً أن يحصل ذلك". في بون، نسب إلى وزير الخارجية الالماني كلاوس كينكل أن الامين العام للأمم المتحدة لديه أفضل فرصة لتحقيق الحل السياسي للأزمة العراقية. وأبلغ كينكل صحيفة "نيو اوشنبرويكر تسايتونغ" أن أنان لديه "أكبر فرصة" لاقناع الرئيس العراقي بقبول رغبة المجتمع الدولي. وأشار إلى أن على أنان أن يصمم على أن على العراق ان يمتثل كلية لقرارات الاممالمتحدة الخاصة بأعمال التفتيش. في روما، صرح رئيس الوزراء الايطالي رومانو برودي بأن ايطاليا تريد السلام بأي ثمن وتريد أيضاً أن يمتثل الرئيس العراقي لمطالب الاممالمتحدة. وقال برودي إن موقف ايطاليا هو "نريد السلام بأي ثمن". لكنه اضاف: "الواضح أنه إذا لم يمتثل صدام حسين الى ما سيقوله له الأمين العام للأمم المتحدة، عندئذ سيتغير السيناريو" و"لا يمكن على الأرجح تجنب الحرب". في طوكيو، قدمت اليابان دعمها لمهمة الأمين العام للأمم المتحدة، مذكرة بأنها تفضل حلاً ديبلوماسياً للأزمة العراقية. وقال الناطق الحكومي إن "اليابان تقدر كثيراً الجهود الديبلوماسية التي يبذلها الامين العام". وأضاف ان "اليابان تأمل كثيراً في ان يوافق العراق بعد هذه المفاوضات على التفتيش عن الأسلحة الجرثومية والكيماوية مما يرفع الخطر الذي يهدد السلام في المنطقة". في اوتاوا، أعلنت كندا تأييدها لمهمة أنان في بغداد. وقال وزير الخارجية لويد اكسوورثي للصحافيين: "توجد قوة دافعة وراء هذه المبادرة، واعتقد أنه متى توفرت القوة الدافعة فإن المرء يرغب في التحرك معها". في نيودلهي دعت الهندوفرنسا الى حل ديبلوماسي للازمة العراقية. وقالتا ان العمل العسكري قد تترتب عليه نتائج عكسية. وقال بيان لوزارة الخارجية الهندية صدر عقب اجتماع الموفد الفرنسي دينيس بوشار مبعوث الخارجية الفرنسية مع رئيس الوزراء الهندي اندير كومار جوجرال: "يعتقد البلدان انه يجب حل الازمة عبر القنوات الديبلوماسية".