عاشت الصحافة، وتعيش الآن، حالاً من الكر والفر بينها وبين المؤسسات الرسمية، وعلى رأسها السلطة القضائية والمجلس النيابي، لماذا هذه الحال؟ أين تقف الصحافة، وأين يقف "الآخرون"؟ - الكلام على الكر والفر صحيح، واعتبره أمراً طبيعياً، وهذا ناتج من طبيعة المؤسسات التي تواجهها الصحافة، وخصوصاً الاصلاحية منها ولا سيما مؤسسة السلطة القضائية، إلى غيرها من مراكز القوى التي يسيطر عليها المحافظون. وهو صراع مع الذين يحاولون أن يكون كل شيء في يدهم، في مواجهة الدعوة الى فتح آفاق وتطلعات جديدة، وتجديد المشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية. وهو صراع كان لا بد منه. ما هي مراكز القوى الأخرى التي أشرت لها؟ - هناك تكتلات نسميها في ايران "مجموعات الضغط"، وكانت تضغط على الصحافة بصورة مباشرة وغير مباشرة. ما هي طبيعة هذه التكتلات؟ - هي تكتلات غير رسمية، ولكن بيدها الأموال ولها صلات بالسلطات السياسية والقضائية والأمنية وبعض عناصرها منخرط في القوى الأمنية، وبعضها الآخر من العناصر المتطرفة من الحرس الثوري والتعبئة الباسيج وكثرة العناصر المنتمية الى تكتل المحافظين، يسيطرون على مراكز اقتصادية ومالية قوية جداً. وهم يعتبرون أي تحرك تقدمي يسعى الى تعديل، أو تغيير الأوضاع، مضراً وضد مصالحهم. كيف تقيم دور الصحافة في الانتخابات النيابية الأخيرة؟ - لعبت الصحافة دوراً مهماً، وخصوصاً الصحافة الإصلاحية التي ظهرت بعد الثاني من خرداد 22 نيسان/ابريل 1997، في إبراز المشكلات الإجتماعية والسياسية والانحرافات الفكرية، وفي توجيه القارئ الإيراني نحو انتخاب من يتميزون بسلوكهم السياسي والاجتماعي والأخلاقي. ولعل انتخاب أبرز وجوه الصحافيين دليل على ذلك. من المعروف أن الصحافة كانت المعارض الأساس لقانون المطبوعات الذي أقره المجلس السابق، هل ستعيد الصحافة فتح هذا الملف من جديد؟ وهل ستدفع المجلس الجديد الى تعديله؟ - نحن في الساحة الصحافية ، اذا صح التعبير، نرى أن قانون الصحافة الساري شرعاً، غير كامل ولا كاف، ولا يلبي الطموحات والاحتياجات، ولا يواكب المتغيرات الجديدة في المجتمع الإيراني، فمن الضروري إعادة النظر فيه مراعاةً للحريات فالقانون القائم لا يلبي الاحتياجات في حدها الأدنى وهو كان الهدف منه الحد من حريات الصحافة والتضييق عليها. والسبب في اقراره شعور المحافظين والمسيطرين على المجلس أن حرية الصحافة تضر بمصالحهم وتزعجهم. وعلى خلاف المحافظين، نعتبر القانون الساري خطوة أولى إلى قانون أكثر تطوراً وحرية وانفتاحاً. وهذا ما ينبغي أن يتولاه مشروع قانون جديد. اشرت الى حرية الصحافة. هل يعني هذا اسقاط كل المحاذير الفكرية والسياسية والتطرق الى جميع الأمور من دون الدخول في الخصوصيات؟ وهل يعني التعرض لمبدأ ولاية الفقيه ولو من دون مناقشته؟ - كلامنا عن حرية الصحافة لا يقصد به الحرية المطلقة، لا في الصحافة ولا في غيرها. فالحرية التي نعني هي الحرية في إطار دستور الجمهورية الإسلامية. والدستور ينص على حرية التعبير والكتابة والنشر في المبدأ، وأما الاستثناء فهو فيما يسيئ الى أصول الدين وقيمة وإلى المصالح العسكرية والأمنية. هل معنى هذا ان ليس هناك محل لصحافة علمانية؟ - إن مصطلح العلمانية، قد يكون له في البلدان العربية مفهوم يختلف عن مفهومه في ايران، فنحن لا نعتبر العلمانية مخالفة للدين. فالصحافيون والمثقفون الإيرانيون لا يعارضون القيم الدينية، ولا يريد الاصلاحيون التغيير الجذري في المجتمع. نحن، على وجه الدقة، إصلاحيون ونعتبر الدستور سقفاً. والحريات المتاحة في إطار الدستور هي الحد الأقصى المطلوب، وعلى رغم بعض الاتهامات التي وجهت للصحافة، فأنا أراها متمسكة بالقيم الدينية، وتحمل هم الدفاع عن الشريعة والقيم الإسلامية والمرجعية الدينية في ايران. وهذا الرأي أدخلكم في مشكلات مع السلطة؟ - لا أرى المسألة على هذا النحو. فأصول نظرية ولاية الفقيه تناقش في الحوزات العلمية الدينية نقاشاً مفتوحاً ويومياً. وإذا عمدت الصحافة الى مناقشة النظرية، وحدود الولاية، انطلاقاً من تعدد الآراء حولها، فلا اعتبر الأمر تجاوزاً للخط الأحمر. وما حصل مع الصحافة ولا سيما مع الدكتور كديور وصحيفة خرداد، فكان وراءه دوافع سياسية مضمرة، ولم تكن الدوافع عقائدية أو ايديولوجية. قد يعتبر الآخرون أن نقاش ولاية الفقيه في الحوزات العلمية هو من اختصاصها على خلاف الصحافة ذات الانتشار الواسع الذي قد يترتب عليه أثر سلبي وأن تناول المسألة في الصحافة خط أحمر... - قد يكون هذا الكلام صحيحاً. ولكن الصحافة الإيرانية يشرف على معظمها رجال دين، وأكثر العاملين في الصحافة من خريجي الحوزات العلمية. والقارئ الإيراني على علاقة يومية بهذه القضايا. وأنا لا أعتقد أن في مجتمع كالمجتمع الإيراني، وبعد مرور عشرين سنة على انتصار الثورة الاسلامية، يجوز أن يكون البحث في ولاية الفقيه خطاً أحمر. والصحافة تنشر أبحاثاً في أصول الدين، من التوحيد الى الإمامة، كما هو الأمر في الحوزات العلمية. ولكني أرى من الطبيعي أن تراعي الصحافة بعض الحدود. ألا تعتقد أن الحساسية تجاه موضوع ولاية الفقيه هي حساسية سياسية وغير دينية؟ -الحساسية التي تثار في صدد تناول الصحافة هذا الموضوع تثار لاعتبارات سياسية. وليست ولاية الفقيه أكثر حساسية من موضوعي التوحيد أو النبوة، وهما يناقشان في الصحف فالمقصود هو الضغط على الصحافة والصحافيين. أليست الصحافة حزباً متقدماً على جميع الأحزاب السياسية الموجودة، في ضوء دورها الفاعل والبارز في الانتخابات الأخيرة، وفوز نحو 95 في المئة من لائحة مرشحيها؟ وما في ذلك؟ - أرى أن القارئ الإيراني المخاطَب أكثر تطوراً من أصحاب الصحف. فهذا القارئ هو الذي يملي علينا ماذا نكتب، وحتى كيف ندير تحرير الصحف. ونحن متأثرون أكثر من كوننا مؤثرين في المجتمع الإيراني. والمجتمع الإيراني مجتمع سياسي ومدرك، ومتابع ذكي ومتفهم للأمور. وهو يمارس ضغطه ورقابته اليومية والجدية على عمل الصحافيين، وهي رقابة طبيعية وليست فوقية. وهذا التفاعل الموجود بين الصحافة والقارئ المخاطب غير موجود بين الساسة والشعب، وانطلاقاً منه اعتبر أن الصحافة والشعب يعملان معاً من أجل حياة أفضل، ومجتمع أفضل، أخلاقياً ودينياً وثقافياً. هل تتحمل الصحافة مسؤولية عن إضعاف الشيخ هاشمي رفسنجاني؟ - ليس صحيحاً انكار دور الصحافة في اضعاف الشيخ رفسنجاني، ولكن من الخطأ أن نحمل الصحافة وحدها المسؤولية كلها فالشيخ رفسنجاني واجه رفضاً من قبل الناخب والشعب على حد سواء بسبب الإرث الذي تركته إدارته للدولة في السنوات الماضية. وأنا لا أعتبر الأمر كرهاً لشخص رفسنجاني. فقد نشأ اقتناع عامة الشعب بعد الثاني من خرداد بأن البلاد في حاجة الى ادارة جديدة تنهض بالقضايا الجديدة، فأدت محاولة الشيخ رفسنجاني العودة الى المجلس وتوقع المحافظين فوزه برئاسة المجلس، الى شعور الناخب الطهراني بعودة الأمور الى سابق عهدها، وعرقلة مسيرة التطور والتغيير فكلمة لا لرفسنجاني تعني نعم للآمال المعقودة على المستقبل. ماذا سيكون دور الصحافة؟ وماذا تريد؟ وأين ستقف في المستقبل؟ - اعتقد ان دور الصحافة يجب أن يكون دوراً مرشداً، فتبرز المشكلات القائمة، وتبحث في جذورها وعللها الأساسية. وتحث المجلس الجديد على معالجتها من طريق سن القوانين. وعلى الصحافة رصد الخلل في عمل السلطة التنفيذية في حقول الاقتصاد والتربية والتعليم. فالصحافةهي الناطق باسم الشعب. وهي لسانه. لن نكون معارضة، ولكن صحافة آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر، وليس لدينا خصومة مع أحد، فنحن نقوم بوظيفتنا ومسؤوليتنا تجاه المجتمع والشعب. والمواجهة مع المحافظين كانت منهجية، ولا أعتقد أنها ستكرر مع المجلس الجديد. من غير أن يعني هذا أن الصحافة تقف مكتوفة أمام أي تقصير في المجلس الجديد. هل تتحول جمعية الصداقة الإيرانية المصرية من جمعية أهلية الى جمعية رسمية ترعاها الدولة مباشرة، وتؤثر على سياسات الدولة؟ - نحن جمعية أهلية مدنية، ولا نقبل أي تدخل رسمي حكومي في عمل الجمعية أو سياستها، ونحن كإيرانيين ومثقفين، ونعرف الشعبين الإيراني والمصري وتطلعاتهما، نشعر بضرورة التلاحم والتواصل والتفاهم بين الشعبين. فتاريخنا الطويل يدل على أن العوائق السياسية التي حصلت في أيام الشاه لا تهم الشعبين. والعلاقات التي تربطنا دينياً وثقافياً واجتماعياً هي أقوى من العوائق السياسية التي تفصل بين الشعبين. مع احترامنا لمسار العمل في وزارتي الخارجية الإيرانية والمصرية، ومواقفهما، نصر على أن نكون جمعية أهلية فعلياً وأن ننشئ علاقات أخوية ثقافية واقتصادية واجتماعية بين الشعبين لإزالة سوء الفهم في بعض الأحيان، وهذا التباعد الذي حصل جراء قطع العلاقات بين ايران ومصر اساء كثيراً للبلدين والوضع الجديد الحادث في ايران، يبشر بمحاولات جدية للوصول الى علاقات أفضل، ولا ننسى أن العلاقات بين الشعوب لا تتوافق دائماً مع العلاقات الرسمية. والشعب الإيراني يرحب قلبياً بالعلاقة مع الشعب المصري. والعكس صحيح.